قضايا وآراء

حول النسوية وأدبها

عزالدين مصطفى جلولي
تلتقط بعض المتكسبات بالأقلام نصوصا من الأدب العالمي تظهر المرأة مضطهدة وأهلا للرحمة والشفقة، من دون تمييز بين كونها ضحية عنف كما في الاغتصاب، أو متهمة بجنابة كمن اخترن البغاء أو وقعن في المثلية.
تلتقط بعض المتكسبات بالأقلام نصوصا من الأدب العالمي تظهر المرأة مضطهدة وأهلا للرحمة والشفقة، من دون تمييز بين كونها ضحية عنف كما في الاغتصاب، أو متهمة بجنابة كمن اخترن البغاء أو وقعن في المثلية.
متنكبات عن الصراط

هل من الصعوبة بمكان أن لا يهتدي الإنسان بعقله وفطرته السليمة إلى فك جدلية الحرية الفردية والجماعية ثم ينطلق بشخصية متوازنة في دروب الحياة؟

لا أرى في الثقافة العربية، والأدب منها، تمييزا ضد المرأة، تمييزا يدعوها لطلب حق لها قد هضم، أو حاجة ما للندية ومنافسة أخيها الرجل. لم يك الطريق أمامها مقفلا، أو أن الذكورية كانت تمنعها. هذا وهم، وآيته أن أسماء منهن قد وجدن فضاء للكتابة متاحا فكتبن شيئا أردنه.

هكذا هي النسوية تستدعي مخاصمة مفتعلة وتخلق جوا ليس بالضرورة أن يكون واقعيا. ولعلي لا أكون متشائما جدا إذا قام غير المرأة والرجل بادعاء حق مسلوب ومارس في الأدب لونا من المظلومية.

لغو الأحاديث

التشاركية، الندية، مطالب حقوقية، الذكورية... مصطلحات نجدها لدى الحركات النسوية في الغرب كثيرا. وأخيرا تعترف إحداهن الأمريكية بأن سبب العنوسة هو تنمر حركتها على الرجل: الأب، والأخ، والزوج، والابن. لست النفقة أو الأجر الذي يدفع للمرأة لقاء نكاحها العلة وراء التحكم فيها، إذن ما يقول أدعياء هذا في مهر شرعي قدره خاتم من حديد، أو مهر مقداره ما مع الرجل من القرآن، ولست أدري ما ستقنع به هؤلاء ربات الخدور إن أرادهن الرجال لمالهن؟ ثم هل كانت القوامة بسبب مال مهرت به الزوجة أما هي إرادة ربانية؟ الزواج عقد قران بين رجل وامرأة لتكوين أسرة تحضن الأجيال التي تستمر بها الحياة، توزعت فيها الأعمال مناصفة بين الرجل والمرأة كل بحسبه، وفضلت المرأة على الرجل بثلاثة أرباع البر، وليس من واجبها أن تعمل لتكسب القوت، الذي ضمن لها مذ تولد وحتى الوفاة، سواء أكان على أبيها أم على زوجها أم على الأولاد والأحفاد. إنهن قوارير رفق بهن لا كما تشقى مثل الرجال الغربيات، حتى أضاعت إحداهن الأسرة وافتقدت الأنوثة، وهما أثمن ما قسم الله للنساء.

من وجوه العفة والحياء في أمتنا المسلمة السيدة فاطمة الزهراء وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما، اللتان ابتكرتا النعش المتداول اليوم في التشييع، الذي يشبه الصندوق، بدلا من اللوح الذي كانت تسجى عليه المتوفاة فلا يتوارى حجم جسمها عن الناس؛ فكرة خارقة جاءت من وحي الطهر والحياء، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". لا تعبأ اليوم نساء مسلمات بخلق الحشمة الذي يجللهن إلا قليلا، ولعل بعضهن تبارين في إظهار الزينة للناس غير مباليات أن كن متبرجات، إن ذلكم خطب غير يسير حل ببنات المسلمين على حين غفلة من أهلهن!
تلتقط بعض المتكسبات بالأقلام نصوصا من الأدب العالمي تظهر المرأة مضطهدة وأهلا للرحمة والشفقة، من دون تمييز بين كونها ضحية عنف كما في الاغتصاب، أو متهمة بجنابة كمن اخترن البغاء أو وقعن في المثلية. تعمد الكاتبات النسويات إلى التعاطف معهن لأنهن يعانين في صمت، من دون أن تحسن التفريق بين الحالات في تعام أحمق لا يميز بين الألوان؛ ليست كل النساء بريئات، فلا تقاس عليهن سائر النساء، وهذه خطيئة منهجية وقعت فيها هؤلاء الكاتبات، اللاتي يلجن بيوت المخبآت في الخدور عبر منصات تمدها حكوماتنا بالمال.

مقالات الكاتبة غادة السمان تريح تفكيري عن النقد وتسليني، أراها ككشكول ابني في الابتدائي، فيه من كل شيء، حتى خربشات أخته المفطومة حديثا لم تنج منه، وحولها كثير من بقع الزيت أيضا. لست أدري حقا نمط الكتابة الذي تظهر به الكاتبة على الناس، وفي أي الأجناس الأدبية أصنفه؟ لا تبالي هذه المحصنة أن تلقي بذكريات عشق عاشتها في الصبا على كراسها المنشور، تباهي به الناس وتجد في البوح به مسلاة لها وملهاة للغافلات!

وفي الأدب النسوي رجال لا يقل شأنهم عن ربات الحجال، يضيرهم أن يلحظوا فوارق بين النساء في الشرق والغرب، طبعا لا يريد هؤلاء للغربيات أن يكن مثل الشرقيات بل العكس ما يريدون، أسأل هؤلاء السذج عن المرأة الجزائرية مثلا، ما هي ملامح شخصيتها؟ وكيف تشكلت خصوصيتها عبر التاريخ؟ وما هي الفروق الثقافية بينها وبين مثيلاتها في الضفة الأخرى من الأطلسي؟

أحسن ما يكون التصور والتصديق في القضايا الخاصة بالشعوب عندما ينظر إليها من خارج الصندوق. على ألا يبقى المثقف حبيس رأيين لا ثالث لهما: العيار المدني كما نشأ وتطور في ضوء عصر النهضة الأوروبي، والمحلي الذي صاغته السياسة والثقافة والتاريخ والأعراف. أن يتحمل الطفل جنسية الأبوين أو أحدهما مسألة سياسية بحتة. وأن يدعى المولود لأبيه فذلك ما أمر الله به. ولقد رأيت دفاتر عائلية لدولة أوروبية حذف منها ذكر الأب، وبقيت الأم وحدها فيه والأولاد، كي لا أقول دفاتر مبتدعة لمجتمع "الميم"، فيها أسماء أطفال نسبوا إليها بالتبني لا يعلم أصولهم الحقيقية إلا الله.

قضية الحجاب الإسلامي هي إحدى المرايا المحدبة التي تتصادم فيها الثقافة الدينية والعلمانية وحقوق الإنسان وغيرها بحدة. علما بأننا لا نجد مثل هذه التفاعل الحاد في قضية اللباس اليهودي والمسيحي ذوي الصبغة التقليدية والدينية، رغم تشابههما والحجاب في مسألة الاحتشام.

مخادعنا المحصنة

ليس في المثل العليا للغرب مفهوم النسب، ولا تروم قوانينه حفظ العرض والشرف، وتحقيق التمازج الثقافي لا يتطلب إنسانا كيف ما كان، فقط لأنه عقل وآلة. لنتمعن في هذا التفضيل النبوي الساحر: "خيرُ نساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نساءُ قريشٍ، أرْعاهُ على زوجٍ في ذاتِ يَدِه، وأحناهُ علَى ولَدٍ في صِغَرِهِ".

للحريم، أو الحجبة أو غيرهما من أسماء، فضاء رائع للنساء، ينجذبن إليه بشدة في المناسبات التي تجمعهن وحدهن، وفيه حكيمات يداوين الحرائر ويوجهنهن بنصائح موروثة أثبتت نجاعتها في استقرار المجتمعات الشرقية. لا نلفى روايات أدبية مشهورة تتحدث عنها!

فساد الأخلاق بشكل عام ألقى بظلاله الثقيلة على الكتابة، والأصالة أصبحت غريبة في الأوساط العلمية، كما أن حياتنا الفكرية والأدبية جافت بيئتها الطبيعية التي شبت فيها على مدار القرون السالفة. الرافعي والعقاد والزيات والإبراهيمي.. هم عناقيد أخيرة من تلكم الجنة التي لها خصوصية فارقة قلما يلتفت إليها أحد من المثقفين في هذا الزمان.
الرواية جنس من الأجناس الأدبية وليست هي كل الأدب، تفعيل القراءة بالأدب أو إنشاء أدب مقروء قضية تتجاوز الوضع السياسي والاقتصادي لمجتمعاتنا التي قل اهتمامها بالقراءة عموما. الذي أجده مقروءا حقا والناس تنتظم لسماع نصوصه قياما وقعودا وعلى جنوبهم في كل يوم هو القرآن الكريم، الركيزة الراكزة في أدبنا العربي وليست الرواية الطارئة عليه. يبقى تذكير الناس بفرضية القراءة وإرشاد الكتاب بضرورة وصل أدبهم وما يكتبون بهذا النص العجيب الذي يفجر الإبداع بسحره تفجيرا.

الأنفس البشرية تتشابه في ما بينها لأن أصلها واحد حواء وآدم، ولقد عرف شيء من هذا في ثقافتنا الشرقية سمي بالخلوة، عده أساطين التصوف سبيلا لا بد منه لتزكية النفس وتقريبها من خالقها للفوز بالسعادة الحقيقية. كتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي يروي قصصا عجيبة لأناس عاشوا هذه التجربة الممتعة. ولنساء صالحات مناجاة شعرية خلدها الزمان.

من وجوه العفة والحياء في أمتنا المسلمة السيدة فاطمة الزهراء وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما، اللتان ابتكرتا النعش المتداول اليوم في التشييع، الذي يشبه الصندوق، بدلا من اللوح الذي كانت تسجى عليه المتوفاة فلا يتوارى حجم جسمها عن الناس؛ فكرة خارقة جاءت من وحي الطهر والحياء، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". لا تعبأ اليوم نساء مسلمات بخلق الحشمة الذي يجللهن إلا قليلا، ولعل بعضهن تبارين في إظهار الزينة للناس غير مباليات أن كن متبرجات، إن ذلكم خطب غير يسير حل ببنات المسلمين على حين غفلة من أهلهن!

فساد الأخلاق بشكل عام ألقى بظلاله الثقيلة على الكتابة، والأصالة أصبحت غريبة في الأوساط العلمية، كما أن حياتنا الفكرية والأدبية جافت بيئتها الطبيعية التي شبت فيها على مدار القرون السالفة. الرافعي والعقاد والزيات والإبراهيمي.. هم عناقيد أخيرة من تلكم الجنة التي لها خصوصية فارقة قلما يلتفت إليها أحد من المثقفين في هذا الزمان.

في كل هذه المشهدية "الثقافية" لصالونات المرأة المصرية، أسأل عن صالونات نسائية متوارية عن الأنظار، ليس فيها اختلاط بين الرجال والنساء، مليئة بالمثقفات، وفيها من القيمة الأدبية والأخلاقية ما يربو على أشهر الصالونات.

أتحدث عن فتيات عابدات يجتمعن في بيت إحداهن لتعلم أحكام الدين، فيهن كل أصناف النساء المصريات، المثقفات والأميات، الصغيرات والكبيرات، يتعبدن الله بالصلاة والصيام وتلاوة القرآن، خاصة في الشهر الفضيل، ويتبادلن النصائح والتوجيهات، ويناقشن قضاياهن وقضايا المجتمع والأمة، لا يلج فضاءهن رجل قريب أو بعيد لا يحسن التفريق بين الحرية والأخلاق، ولا يستهويه من صالونات المرأة غير حب النساء، يمشي إليهن رويد، يطلب منهن صيد، إلا أتباع عمرو بن عبيد.
التعليقات (0)

خبر عاجل