قضايا وآراء

كيف نكتب تاريخنا في نصرة غزة؟

عدنان حميدان
الطغاة يراهنون على النسيان، ونحن نراهن على أن الحق لا يموت… إلا إذا تخلينا عنه.. الأناضول
الطغاة يراهنون على النسيان، ونحن نراهن على أن الحق لا يموت… إلا إذا تخلينا عنه.. الأناضول
غزة ليست مجرد مدينة تُقصف في نشرات الأخبار، ولا مجرد مشهد عابر يمر عبر الشاشات. غزة اليوم هي اختبار ضمير لكل إنسان، وتاريخ يكتبه كل من يختار أن يكون جزءًا من صراع الحق ضد الظلم. في كل بيت يُهدم هناك، تُكتب سطور من المأساة، وفي كل طفل يُستشهد، تُسطّر قصة من البطولة. لكن السؤال الأهم هو: كيف نكتب تاريخنا في نصرة غزة؟

هل سنكون مجرد متفرجين على هذه المذبحة؟ هل نترك أنفسنا نتألم لبعض الوقت، ثم ننسى كما يفعل كثيرون؟ أم سنكون من أولئك الذين لا يكتفون بالحديث، بل يقفون إلى جانب الحق بكل ما أوتوا من قوة، ويكتبون أسماءهم بأحرف من ذهب في صفحات التاريخ، كمن اختاروا أن يكونوا جزءًا من التغيير؟

حين تصبح الكلمة موقفًا

قد يظن بعض الناس أن دورهم ضئيل، وأنهم لا يملكون القدرة على التأثير، لكن الحقيقة أن الظلم لا يستمر إلا حين يسكت الناس. كلمة الحق قد تكون أقوى من أي سلاح، والسكوت عن الحق ليس حيادًا بل مشاركة في الجريمة. إذا كنا عاجزين عن أن نكون جزءًا من الحل، فلنكفّ ألسنتنا عن المشاركة في نشر الأكاذيب أو تبرير الظلم.

إن الحرب على غزة ليست معركة عسكرية فقط، بل هي حرب على الوعي، وعلى الذاكرة، وعلى الحقيقة نفسها. السعي لطمسها هو الهدف الأسمى للعدو. وما يُستهدف اليوم ليس الجغرافيا فقط، بل هو الحق في الحياة والكرامة. لذلك، المعركة ليست محصورة في ميدان القتال، بل تمتد إلى ساحات الفكر والمواقف.
إن لم نكن قادرين على نصرتهم بالفعل، فلنكن على الأقل سببًا في رفع الظلم عنهم بكلماتنا. لا نكن ممن يروّج الروايات المضللة التي تصوِّر المعتدي ضحية والضحية معتديًا. لا نكن ممن ينشر الأكاذيب التي تُسهم في تشويه الحقائق، بل لنقف مع المظلومين، ولو بكلمة الحق فقط.

المعركة ليست عسكرية فقط

إن الحرب على غزة ليست معركة عسكرية فقط، بل هي حرب على الوعي، وعلى الذاكرة، وعلى الحقيقة نفسها. السعي لطمسها هو الهدف الأسمى للعدو. وما يُستهدف اليوم ليس الجغرافيا فقط، بل هو الحق في الحياة والكرامة. لذلك، المعركة ليست محصورة في ميدان القتال، بل تمتد إلى ساحات الفكر والمواقف.

أن نكتب تاريخنا في نصرة غزة لا يعني أن نُشعر بالأسف أو ننتظر لحظات الحزن فقط، بل يعني أن نتحمل مسؤولية قول الحقيقة، أن نكون صوتًا للمظلومين، ألَّا نسمح للروايات الزائفة بالمرور دون أن نكشفها.

ماذا يعني أن ننصر غزة؟

أن ننصر غزة يعني أن:

ـ نقول الحق، ولو كلفنا ذلك الكثير؛ لأن الحق لا يحتاج إلى إذن ليُقال.

ـ نحارب التزييف والكذب، فلا نقبل أن يُصور القاتل ضحية أو يُبرر له تدمير منازل الأبرياء.

ـ نكف ألسنتنا عنهم إن لم نستطع نصرتهم بالفعل، فلا نُسهم في زيادة معاناتهم من خلال الترويج للباطل.


ـ نبقي القضية حية في قلوبنا وعقولنا، فلا نسمح بنسيانها كما يُراد لنا؛ لأن العدو يراهن على النسيان أكثر من رهانه على القوة العسكرية.

الاختبار مستمر… فأين نقف؟

في كل لحظة نُسأل: أين نحن من هذا الصراع؟ هل نكون من الذين يشاهدون المذبحة ثم يعودون إلى حياتهم وكأن شيئًا لم يكن؟ أم سنكون من أولئك الذين يصرون على أن غزة ليست وحدها في معركتها، وأننا جزء من هذه القضية؟

إن لم نكن قادرين على نصرتهم على الأرض، فلنكن قادرين على نصرتهم بالكلمة. إن لم نستطع أن نكون أبطالًا في المواجهة، فلتكن كلماتنا، ومواقفنا، وضغوطنا على قدر التحدي. لنكتب تاريخنا بأفعالنا، بألَّا نكون من الصامتين أو المبررين للظلم.

الطغاة يراهنون على النسيان، ونحن نراهن على أن الحق لا يموت… إلا إذا تخلينا عنه.
التعليقات (0)