رغم الاختلافات الجوهرية بين الفكر البعثي
العروبي الذي حكم البلاد بالحديد والنار لفترة تزيد عن 50 عاما على إثر انقلابين
دمويين (8 شباط عام 1963 على الزعيم عبدالكريم قاسم وانقلاب 17 تموز عام 1968 على
عبدالرحمن عارف) وبين الفكر الشيعي الذي يحكم
العراق منذ 2003 بدعم من القوات الأمريكية
التي أسقطت نظام البعث وسلمت السلطة للأحزاب الشيعية على أساس النظام الاتحادي
الفدرالي الدستوري، ولكن مجرد حبر على الورق، ظل النهج السياسي الطائفي القائم على
فرض الإرادة سائدا والجهل والتخلف والفساد ضارب أطنابه في عموم مؤسسات الدولة حتى
تحول إلى ظاهرة مجتمعية مدمرة تهدد أركان الدولة في أي لحظة..
وفي الجانب الآخر للبلاد وعلى العكس من حالة
العراق المزرية، برزت تجربة حكم جديدة لم يشهدها العراق منذ تأسيسه وهي تجربة إقليم
كردستان شبه المستقل الذي تشكل بعد انسحاب القوات العراقية المتمركزة فيه بضغط من
التحالف الدولي عام 1991 من الكويت وهي تجر أذيال الهزيمة، حيث اضطر إلى تشكيل
مؤسساته الحكومية والتشريعية عام 1992 لإدارة شؤون الإقليم..
رغم ضعف الإمكانيات المادية للإقليم والتهديدات
الأمنية المستمرة التي یتعرض لها من التنظيمات الإرهابية "القاعدة" و"داعش"
والفصائل المتطرفة التابعة لحكومة بغداد، فإنه قام بدور سياسي فاعل ومهم في ترسيخ
السلام والاستقرار في العراق والمنطقة من خلال إيواء مئات الآلاف من اللاجئين
السوريين والنازحين العراقيين بكافة مكوناتهم السنية والشيعية والمسيحية هربا من
بطش النظام الصدامي تارة ومن النظام الطائفي تارة أخرى، وبحسب الإحصائيات الرسمية
يحتضن الإقليم أكثر من مليون من هؤلاء اللاجئين والنازحين الذين تركوا مدنهم على إثر
الحرب الطائفية التي نشبت بين الطرفين السني والشيعي عامي 2006 و2007!
على العكس من حالة العراق المزرية، برزت تجربة حكم جديدة لم يشهدها العراق منذ تأسيسه وهي تجربة إقليم كردستان شبه المستقل الذي تشكل بعد انسحاب القوات العراقية المتمركزة فيه بضغط من التحالف الدولي عام 1991 من الكويت وهي تجر أذيال الهزيمة، حيث اضطر إلى تشكيل مؤسساته الحكومية والتشريعية عام 1992 لإدارة شؤون الإقليم..
ولم يقتصر الأمرعلى نزوح العوائل المنكوبة
بل تعداه إلى الكثير من الزعماء السياسيين المطاردين من قبل النظام البعثي البائد
والنظام الحالي. ومن أبرز هؤلاء رئيس الحكومة العراقية لولايتين (2006 ـ 2014)
"نوري المالكي" ومعه الكثير من قادة الأحزاب الشيعية الأخرى أيام
المعارضة العراقية، ولكن عندما تولوا الحكم في عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق
وهيمنوا على مفاصل الدولة قلبوا ظهر المجن للشعب الكردي وتنكروا له ومارسوا بحقه
نفس السياسة العدائية التي كانت تمارس ضدهم زمن صدام حسين، بل أسوأ حيث فرضوا عليه
الحصار الشديد ومارسوا بحقه التجويع وأمعنوا في إيذاء الشعب الكردي وإذلاله..
وكل المحاولات الدبلوماسية التي قام بها إقليم
كردستان لدفع بغداد لفك الحصار والكف عن ممارسة سياسة التجويع بحق الكرد باءت
بالفشل، لا يمر أسبوع دون أن يرسل الإقليم وفدا فنيا وسياسيا رفيعا إلى بغداد لحل
الإشكالات ونبذ الخلافات القائمة من خلال الاحتكام إلى الدستور ولكن دون جدوى.
وأكثر
من قام بهذه الجهود الدبلوماسية الجبارة رئيس الإقليم الحالي "نيجيرفان
بارزاني"، هذا الرجل لا يتوقف عن الحركة باتجاه بغداد، زيارات تلو زيارات، ما
إن يرجع منها حتى يعود إليها باحثا عن بصيص أمل للأزمات العالقة التي تعصف
بالعلاقات بين العاصمتين بغداد وإربيل، فهو لا يكتفي بالزيارات المستمرة إلى بغداد
للقاء القادة السياسيين الشيعة والسنة على حد سواء، بل يؤكد حضوره الدائم في
المؤتمرات والمنتديات، يلتقي الباحثين والسياسيين وأصحاب القرار، ولا يفوت أي فرصة
سانحة للتوصل إلى حل ناجع، فهو لا يكل ولا يمل من أجل الوصول إلى صيغة سياسية
توافقية لجمع كافة الأطراف المتنازعة على كلمة سواء وفق الدستور..
وهو الضيف الدائم المرحب به في بغداد وفي
العواصم الإقليمية والأوروبية، يلتقي هذا الرئيس ويبحث مع ذاك القائد والزعيم ولا
يفوت أي فرصة توصله إلى نجاح سعيه الدبلوماسي، ففي 15 من شهر فبراير الماضي حضر
مؤتمر ميونخ للأمن وكان له نشاط فاعل فيه من خلال لقائه بالرئيس الأمريكي
"ترامب". وما إن رجع حتى طار إلى
بغداد لحضور مؤتمر الحوار الوطني في 22 ـ 23 فبراير وفي 26 من نفس الشهر حضر منتدى
أربيل الثالث رفقة 70 قائدا سياسيا وباحثا أكاديميا لبحث ودراسة مستقبل الشرق الأوسط في ظل المتغييرات السريعة
التي طرأت على المنطقة، فهو بحسه الاستشرافي ورؤيته لمستقبل المنطقة يرى أن زلزال
التغيير قادم إلينا لامحالة، ولابد من مواجهته ونبذ خلافاتنا وراء ظهورنا!