الغرب قدم نفسه للعالم على أنه عالم متحضر، يحفظ السلام العالمي ويصون حقوق الإنسان، بيد أنه دمر نفسه والعالم من حوله ثلاث مرات خلال مئة عام، أي أنه ينتج ثقافة الحياة والفناء في آن واحد، ولا أراه يستطيع الفكاك من أزمته المستعصية تلك بما لديه من ثقافات، بل إنه ليعاني الأمرين من جرائها ولا يبحث بجد عن الخلاص منها..
جولة من الحرب الفاصلة على درب تحرير الأقصى هدأت مؤقتا على الجبهة اللبنانية، وقد أبلى أهلها بلاء حسنا في إسناد المقاومة الفلسطينية منذ عام ونيف، كان فيها اللبنانيون مقاومة وشعبا على الموعد، رغم بعض الحساسيات الممتد نسبها إلى اتفاق "سايكس- بيكو" المشؤوم سنة 1916م..
إن أكثر من تعرض لهذا الاحتيال المنظم المجتمعات المتمدنة في الغرب في خيانة مقنعة لعقدهم الاجتماعي، حيث غدا الإنسان عندهم عاجزا عن إدارته شؤونه الخاصة من دون اللجوء إلى الأسواق في أدق التفاصيل اليومية، أسواق اتسعت وتضخمت حتى أضحت مدنا أو كالمدن من كثرة المعروض وتنوعه.
معرفة الحقوق الكاملة للرعية أمر ضروري من أجل المطالبة بها. ولا تحبذ السلطة غير المشفقة بشعبها إلا الحديث عن الواجبات المنوط بـ"المواطن" القيام بها، مع حرصها الشديد على تجهيل الناس بتلك الحقوق، وتذكيرها المستمر بـالعقوبات التي تنجر عن الإخلال بالواجبات..
للضمير الجمعي في أمتنا نداء، ومن واجبنا أن نلبي هذا النداء. نداء ينقذ الأمة من سرداب الشقاق الذي زجت فيه بغير مشورة منها، ومن دون أن تُتوخى مصلحة معتبرة لها من ذلك العبث، اللهم إلا مصلحة يتزلف بها البعض إلى الأجنبي..
إن المجتمع لا يهمش المتميزين فيه فحسب، بل إن السلطة القائمة عليه تقوم بذلك أيضا خلافا للقوانين المعمول بها في البلاد. وآية ذلك التوظيف في المناصب العمومية، القائم على المحسوبية والرشوة في أكثر الأحيان، وإن تظاهر المشرفون عليه بالنزاهة والشفافية..
"تحسين الأداء" تعبير يتكرر على ألسنة المسؤولين الجزائريين من أعلى هرم السلطة إلى أدناها في كل المجالات تقريبا، من دون أن يتحسن أداؤهم في واقع الأمر، ومن دون أن يتساءل هؤلاء المسؤولون عن الخلل الذي أدى إلى الفشل في هذا التحسين. والمساءلة تقتضي المحاكمة وتاليا المعاقبة في الشرائع كلها. ولكن من يحاسب من؟
ربما شاءت الأقدار لنا أن نشهد صنفا من النساء في الجزائر العميقة قبل وداعهن الأخير، صنف يندر أن تجد له مثيلا في هذا الزمان، يختزن في شخصيته الفذة بقايا الحضارة الإسلامية قبل أن تدوسها الجاهلية الغربية. نعم، إنهن نسوة ولدن قبل الثورة التحريرية في منتصف القرن الماضي..
لست أدري حقا متى سيستفيق نظام الحكم في الجزائر، لكني على علم بأن مجال المناورة لديه أضحى محدودا، والمنطقة الرمادية التي يلجأ إليها كلما ضاقت عليه الخيارات أمست ضيقة. فالعالم مصطف بحدة في هذا الفترة، وليست الجزائر دولة يستهان بها كيما يتخلى عنها هذا الحلف أو ذاك، ولو أودى بها التجاذب إلى الخراب والتمزق لا سمح الله.