لم يعد بوسع الحكومة البريطانية أن تخفي
دورها الحقيقي في إبادة غزة، فبينما يواصل
الاحتلال ارتكاب المجازر في غزة، تواصل
لندن مدّه بالسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي، وكأنها شريك مباشر في القتل لا
مجرد حليفٍ عابر. لأكثر من اثنين وعشرين شهرًا لم يشهد قطاع غزة حربًا بالمعنى
التقليدي، بل إبادة جماعية موثّقة؛ عائلات أُبيدت بالكامل، مخيمات اللاجئين تحولت
إلى مقابر جماعية، مدارس ومستشفيات دُمّرت فوق رؤوس المدنيين.
المحكمة الدولية نفسها حذّرت من وجود "خطر
معقول بوقوع إبادة جماعية"، لكن
بريطانيا لم تُبالِ، بل واصلت تزويد قوات
الاحتلال بالسلاح والذخيرة والتقنيات العسكرية.
المعادلة واضحة: إما أن تختار بريطانيا الوقوف في صف القانون الدولي والعدالة، أو أن تواصل شراكتها في الإبادة، وعندها لن يشفع لها التاريخ ولن يغفر لها الضمير الإنساني.
منذ وعد بلفور عام 1917 الذي شرعن اغتصاب
فلسطين، إلى صفقات السلاح الحديثة، لم تتوقف بريطانيا عن لعب
دور العرّاب في مأساة
الفلسطينيين. الحكومة البريطانية تدرك جيدًا أنها بتمويلها ودعمها العسكري تُصبح
شريكًا في الجرائم وفق القانون الدولي، لكنها تمضي في هذا الطريق، متجاوزة كل
الاعتبارات الإنسانية والقانونية، لتثبت أن مصالحها الاستراتيجية أهم عندها من
دماء آلاف الأطفال والنساء الذين يقتلون يوميًا في غزة.
الأدلة على التورط البريطاني فاضحة، فبيانات
معهد ستوكهولم لأبحاث السلام تؤكد أن بريطانيا صدّرت مكونات أساسية لطائرات F-35، بينها
أنظمة رادار وتوجيه، بقيمة 17 مليون جنيه إسترليني عام 2023 فقط، فيما تشير
تقديرات “حملة مناهضة تجارة السلاح” إلى أن الأجزاء البريطانية تمثل 15% من كل
مقاتلة F-35 تُلقي قنابلها
فوق رؤوس أهل غزة. وحتى بعد إعلانها في سبتمبر 2024 تعليق بعض رخص التصدير، واصلت
لندن شحن القذائف والرصاص إلى الاحتلال، في استهتار فاضح بكل التحذيرات الحقوقية.
والأسوأ أن المحكمة العليا البريطانية منحت الغطاء لهذه السياسات برفضها النظر في
دعوى رفعتها منظمات حقوقية ضد صادرات السلاح، بحجة أن التراخيص “خارج نطاق الرقابة
القضائية”، وهو ما يعني أن القضاء نفسه يشارك في منح الحكومة ضوءًا أخضر للتورط في
إبادة جماعية.
فإن صفقات السلاح التي تغذي الإبادة في غزة ستبقى شاهدة على خيانة جديدة للقيم الإنسانية التي تتشدق بها لندن.
ولم تكتفِ الحكومة البريطانية بالمشاركة في
الجريمة، بل حاولت أيضًا إسكات الأصوات الحرة داخلها، فاستهدفت حركات التضامن مثل
“بال أكشن”، واعتقلت نشطاء، وصادرت اللافتات التي تفضح دورها. أي ديمقراطية هذه
التي تعتقل من يرفع صوته ضد الإبادة؟ إن قمع التضامن لا يمحو الحقيقة، بل يضاعف من
حجم الفضيحة، فدماء المدنيين كفيلة بأن تكشف زيف خطاب لندن عن حقوق الإنسان.
بريطانيا اليوم تقف عارية أمام العالم: لا
هي محايدة ولا وسيط نزيه، بل شريك مباشر في واحدة من أبشع الجرائم في
العصر الحديث. ومثلما سيظل وعد بلفور وصمة عار في جبينها، فإن صفقات السلاح التي
تغذي الإبادة في غزة ستبقى شاهدة على خيانة جديدة للقيم الإنسانية التي تتشدق بها
لندن. والمعادلة واضحة: إما أن تختار بريطانيا الوقوف في صف القانون الدولي
والعدالة، أو أن تواصل شراكتها في الإبادة، وعندها لن يشفع لها التاريخ ولن يغفر
لها الضمير الإنساني.
أما الفلسطينيون، في غزة والشتات، وهنا في
بريطانيا، فإن رسالتهم واضحة: الحرية لن تُمنح بل تُنتزع، والتاريخ لن يرحم
المتواطئين، ودماء أطفال غزة ستظل تطارد لندن وغيرها من العواصم المتواطئة في
الإبادة إلى الأبد.