عنوان الكتاب: الديمومة، عوامل بقاء القضية
الفلسطينية حية.
المؤلفان: ماجد الزير وإبراهيم العلي.
تقديم: المنصف المرزوقي.
مراجعة وتدقيق: ياسر علي
جسور للترجمة والنشر، لبنان، بيروت، ط1،
2025، 312 صفحة.
على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على
نكبة فلسطين وسعي الاحتلال في اجتثاث شعبها، والتجاوز عن وجوده المادي والمعنوي
على مستوى الجغرافيا الفلسطينية وعلى المستوى الدولي وحتى على مستوى الإقليم
العربي والإسلامي حيث سعت دولة الاحتلال إلى إقامة علاقات واسعة مع تلك الدول بصرف
النظر عن الموقف الفلسطيني الذي يجب أن لا يكون له حق النقض على تلك العلاقة كما
قال نتنياهو في الأمم المتحدة في سبتمبر 2023.
ينطلق الكتاب من سؤال يبدو للوهلة الأولى
بديهيًا إلا أنه في حقيقته جدير بالملاحظة والاهتمام بعمق، حيث يبحث الكاتبان وبعد
مرور أكثر من سبعة عقود وبعد حروب استئصالية متواصلة ضد الشعب الفلسطيني بكل
مكوناته وفي كل أماكن تواجده وبدعم غربي لا محدود بالمال والسلاح، حيث ومع كل ما
سبق ظل الفلسطيني محافظًا على وجوده وكينونته وهويته الثقافية وتميزه وتمسكه بحقه
في أرضه والعودة إلى وطنه وإزالة المشروع الصهيوني، الذي بدا وكأنه تجذر في بلده
ولن يزول، كيف استطاع الفلسطيني أن يحافظ على بقائه ووجوده على الرغم من كل عوامل المحو
والإزالة والشطب التي مارسها الاحتلال ضده عبر هذه السنوات الطويلة؟ يجيب الكاتبان
عبر أبواب الكتاب الثلاثة.
يشكل العامل الدولي بعدًا أساسيًا في تثبيت الحق الفلسطيني، على الرغم من طغيان الدعم الغربي وعلى رأسه الأمريكي لدولة الاحتلال، إلا أن هناك العديد من الدول التي شكلت دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية سواء على الصعيد الدولي بمعناه السياسي المرتبط بالدول أو الجماعات أو الكيانات الداخلية التي تؤمن بالحق الفلسطيني وتعمل على دعمه بما أمكن.
يتألف الكتاب من ثلاث أبواب. الباب الأول 11
مبحث. الباب الثاني 4 مباحث. الباب الثالث 6 مباحث. إضافة إلى مقدمة كتبها الرئيس
التونسي السابق المنصف المرزوقي الذي أثرى الكتاب من خلال رؤيته الشاملة للمسألة
الفلسطينية ووضعها ضمن سياقها التاريخي للاحتلال الغربي مقابل مقاومة شعب يراد
سحقه.
يتناول الباب الأول ما يسميه الكاتبان
العوامل الذاتية ودورها في بقاء القضية الفلسطينية حية، حيث أبرزا الأسباب الذاتية
النابعة من أصالة الشعب الفلسطيني والتزامه بتاريخه وجغرافيته وروابطه الاجتماعية
وحفاظه على تراثه إضافة إلى روح المقاومة واستمرارها عبر جميع مكونات الشعب
الفلسطيني وأماكن تواجده.
هذه العوامل مجتمعة تارة ومتفرقة تارة أخرى
كانت الوقود الصلب لبقاء الحق الفلسطيني وبقاء الوجود الفلسطيني حاضرًا في كل
فعالية محلية أو إقليمية أو دولية، استمرار القضية بحضورها وزخمها وعدم قدرة أحد
في العالم على تجاهلها على الرغم من كل عوامل الضغط الصهيونية والغربية ومن رضي
بهم حليفًا بالمنطقة العربية، كانت القضية الفلسطينية حاضرة على مستوى الشعب
الفلسطيني نفسه والمستوى العربي الشعبي بتنوعه وثقافته واختلافه وعلى المستوى
الإسلامي بكل مذاهبه، حيث كانت المقاومة الفلسطينية واستمرار الصراع والمقاومة
الفلسطينية الصلبة المتوارثة من جيل إلى جيل، إضافة إلى العوامل التفصيلية الأخرى
حافزًا لا يمكن تجاهله لارتفاع صوت الفلسطيني وديمومته على جميع المستويات وإن
خفَت بعضها حينًا ارتفع أحيانًا أخرى.
يتناول الباب الثاني العوامل المكتسبة
ودورها في بقاء القضية الفلسطينية حية. حيث ناقش الكاتبان أربعة عوامل مكتسبة
ساهمت في ديمومة القضية الفلسطينية حية. حيث نوقشت مسألة العامل القومي الإسلامي
وتم التركيز خلال هذا المبحث على البعد العربي للقضية الفلسطينية وأظهر العديد من
التفاصيل التي ساهمت بشكل جلي وخفي في بقاء الحضور الفلسطيني وديمومة ما يمكن
تسميته بالاجتماع الفلسطيني الخاص، حيث كانت الدول العربية حاضنةً للوجود
الفلسطيني الذي استطاع أن يجتمع من معظم الجغرافيا الفلسطينية في مكان واحد في
البلاد العربية المختلفة، ما ساهم في بقاء وامتداد الهوية الفلسطينية بكل مكوناتها
عبر الأجيال، كما لم يهمل الكاتبان الإشارة إلى الدور السلبي والمظاهر السلبية
التي أسهمت في الضغط على الفلسطينيين ومحاولة تغييب دورهم خاصة بعد موجة
الاتفاقيات العربية والتطبيع العربي مع الاحتلال.
أما البعد الإسلامي فهو واحد من العوامل
الأساسية الحاسمة حيث كانت القضية الفلسطينية بما يمثله وجود المسجد الأقصى وما
يحمله من ثقل ديني إسلامي؛ عاملًا في جعل القضية الفلسطينية قضية كل مسلم على
المستوى العام الجماعي وعلى المستوى الخاص القُطري بآليات وتفاصيل تناولها
الكاتبان في سياقهما بشكل من التفصيل.
يتناول الكاتبان بعد الانتهاء من الحديث عن
الدائرة العربية الإسلامية القريبة الدائرة العالمية، حيث يشكل العامل الدولي بعدًا
أساسيًا في تثبيت الحق الفلسطيني، على الرغم من طغيان الدعم الغربي وعلى رأسه
الأمريكي لدولة الاحتلال، إلا أن هناك العديد من الدول التي شكلت دورًا محوريًا في
دعم القضية الفلسطينية سواء على الصعيد الدولي بمعناه السياسي المرتبط بالدول أو
الجماعات أو الكيانات الداخلية التي تؤمن بالحق الفلسطيني وتعمل على دعمه بما
أمكن.
ولقد ناقش الكاتبان أغلب القرارات الدولية التي صدرت عبر دول أو كيانات دولية
والتي أثرت بشكل مباشر في تأسيس دولة الاحتلال والاعتراف بها، وفنَّدا بالمنطق
القانوني الكثير من المسائل المتعلقة بالطريقة التي بدأ بها المشروع الصهيوني
وواصل عمله في السعي لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتثبيت وجوده. والواقع أنه
وعلى الرغم من الهيمنة الغربية الأمريكية على القرار الدولي إلا أن الحق الفلسطيني
أوضح وأظهر من قدرة قوة في الأرض على محوه أو تجاوزه، لو كان في الجهات الرسمية
الفلسطينية -بشكل خاص- من يعمل بشكل منهجي على الاستفادة من تلك الأدوات في صالح
القضية الفلسطينية.
أما الدائرة الأخيرة في هذا الباب والتي
نوقشت فهي سلوك الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين عبر تاريخ القضية
الفلسطينية، حيث عمل الاحتلال الإسرائيلي طوال تاريخه بشكل جاد وحثيث على محو
القضية الفلسطينية ومحو جميع العناصر المرتبطة بها من تراث وتاريخ وغيرها إما
بمحوها أو سرقتها أو غير ذلك من الوسائل، ولكن ظل الهاجس الأكبر للاحتلال هو
الفلسطيني نفسه، الإنسان الذي حمل وطنه معه إلى حيث ارتحل، وحمل معه ذكرياته
وتراثه وعاداته وروابطه الاجتماعية ودافع عنها بكل ما أوتي من قوة، وبذلك يشرح
الكتاب المشاريع الصهيونية المتتالية التي حاول من خلالها الاحتلال منذ اليوم
الأول للاحتلال تفريغ الأرض من سكانها وتوطينهم في البلاد التي هجروا إليها قسريا.
عمل الاحتلال الإسرائيلي طوال تاريخه بشكل جاد وحثيث على محو القضية الفلسطينية ومحو جميع العناصر المرتبطة بها من تراث وتاريخ وغيرها إما بمحوها أو سرقتها أو غير ذلك من الوسائل، ولكن ظل الهاجس الأكبر للاحتلال هو الفلسطيني نفسه، الإنسان الذي حمل وطنه معه إلى حيث ارتحل، وحمل معه ذكرياته وتراثه وعاداته وروابطه الاجتماعية ودافع عنها بكل ما أوتي من قوة
ويربط الكاتبان بين هذا السلوك الإجرامي
المنظم وبين إرادة التحدي والاستجابة الفلسطينية التي استوعبت درس التهجير عام
النكبة وصنعت مضادات صلبة له تساوي بين الموت وفقد الأرض، فصار الإنسان الفلسطيني
مدافعًا شرسًا عن أرضه بكل ما أوتي من قوة وصلابة بصرف النظر عن ميزان القوى
وتأثير وقوة الاحتلال وردة فعله، فالأرض كانت ولا تزال هي عنوان الحياة للفلسطيني
وكلما زاد التغول الصهيوني ضدها زادت المقاومة التي تعمل على البقاء والتمسك بهذه
الأرض.
أخيرًا ناقش الكاتبان في الباب الثالث
العوامل المشتركة (الذاتية والمكتسبة) التي ساهمت في بقاء القضية الفلسطينية حية.
وناقشا فيه: التمثيل الفلسطيني وقضية اللاجئين والانتشار الفلسطيني والتعليم
والإعلام ومراكز البحث.
وعلى الرغم من أن هذه القضايا تبدو ثانوية
للوهلة الأولى إلا أنها في الحقيقة قضايا استراتيجية تعمل في العمق بشكل جذري
لتشكيل الوعي الفلسطيني والعالمي تجاه القضية الفلسطينية، خاصة عبر الأجيال التي
يجب الحفاظ على وعيها وبنيتها الثقافية المدافعة عن الأرض والهوية في ظل العدوان
الثقافي ومحاولات فرض السردية الصهيونية. إضافة إلى التأثير في الأجيال على مستوى
العالم والذي ظهر أثره في الحرب الحالية حيث أصبحت الرواية الصهيونية تتهاوى أمام
صدق الرواية الفلسطينية والحق الفلسطيني.
يمكن اعتبار الكتاب الذي نتناوله هنا من
الكتب المرجعية الأساسية في سياق المؤلفات التي تتناول الحق الفلسطيني والأدوات
والوسائل التي تعمل على تثبيت حق الفلسطيني والحفاظ على هويته وروايته وصولًا إلى
يوم قريب يعود فيه المهجرون واللاجئون والمحرومون إلى بيوتهم وديارهم التي أخرجوا
منها، هذا الكتاب يفتح العيون على أكثر القضايا المتفرقة ويجمع بين دفتيه كل جهد
أثَّر أو لا يزال يؤثر في دعم هذه القضية العادلة على مستوى الدائرة الفلسطينية
الداخلية والعربية الإسلامية والعالميةـ ما يعين أي قارئ أو دارس أن يركز جهده في المجالات
التي تحتاج إلى إسناد وتدعيم أو يكمل المسير في الجهود التي كان لها أثر حقيقي
مباشر في دعم القضية.
ويظل الهمُّ في غزة حاضرًا عند كتابة هذه
السطور، حين أكَّد الدرس الذي فهمه العالم كله، أننا في زمن تشكل فيه القوة
المعيار الأخلاقي الوحيد للكثير من القوى المهيمنة على هذا العالم، فالصراع
والاشتباك المباشر مع الاحتلال هو أحد أهم وأكبر عوامل بقاء القضية حية، وأحد أهم
عوامل حضور القضية على المستوى الوطني والدولي، وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي
دفعه شعبنا بكل مكوناته في مواجهة الاحتلال المتغطرس إلا أن القراءة الاستراتيجية
للواقع المعاصر تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الأرض تتحرك والبساط ينسحب من تحت
أقدام الاحتلال، وأن الرواية الصهيونية المرتكزة على المظلومية اليهودية التي
ساهمت في بناء دولة الاحتلال أصبحت لا تنطلي على أحد وأن الحق الفلسطيني اليوم
أصبح أوضح وأفصح من أي وقت مضى في مواجهة الإجرام والسادية الصهيونية التي يراها
العالم على الهواء مباشرة تفتك بأطفال فلسطين وأبنائها.
*أستاذ مساعد
في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة اسطنبول صباح الدين زعيم،
ونائب مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بنفس الجامعة.