لا أعرف إن كان مصطلح "فتح المندل" معروفا
خارج
مصر وعلى مستوى الإقليم، مثل قراءة الطالع والكف والفنجان، وضرب الودع، أم
أنه ليس معروفا خارج المحروسة، لكن على العموم فإن فهم المعنى يمكن من السياق!
"فتح المندل" يعني نظر العرّاف المتخصص في
قارورة ليقرأ ما بداخلها وله صلة بأسرار المستقبل والواقع، أو بمعرفة سارق أو نحو
ذلك. وفي حالتنا اندفع أربعة من الإعلاميين يكشفون بطريقة أو بأخرى عن مخاطر تتعرض
لها البلاد، دون أن يحددوا ما يقصدون، فدفعوا الناس لضرب الودع للتوصل لما في بطن
الشاعر!
تحدث عمرو أديب عن أن الناس يقولون إن هناك
"حاجة" ستحصل في البلد "اليومين الجايين"، وبطريقته الخاصة
عندما يقدم ويدبر. وقد عاد ونفى أن يكون قد قال شيئا مما راج إعلاميا، وهو في إقدامه
وإدباره يرهق أي محرر قرر صياغة ما يقوله لتحويله إلى مادة مقروءة، لكن يظل السؤال
الحائر هو: من هم هؤلاء الناس الذين قالوا هذا الكلام؟ فلم نسمع شيئا من هذا من
أحد قبل أن يلقي بقنبلة الدخان هذه، وهو أمر يدفع بنا في اتجاه آخر؛ وهل دور
الإعلام أن ينقل كلام الناس، بدون رد أو تفنيد؟ وإلا كان يتبنى أو يروّج لما يقول
الناس، هذا إذا استبعدنا أن عمرو هو "كل الناس"!
هناك تحول في موقف السلطة المصرية من قضية التهجير، دفع الجنرال لعدم السفر لواشنطن ومقابلة الرئيس الأمريكي الجديد، وهو أمر يهم ويُطرب أهل الحكم في مصر، لكن الثمن هذه المرة سيكون باهظا
ولم يكد عمرو أديب يهرب بجلده، حتى دخل نشأت الديهي على
الخط ليحل محله، بمقال أو نحو ذلك، يتحدث فيه عن أن هناك ما سيحدث ويستدعي تكاتف
المصريين خلف القيادة السياسية، وبكلام يكتنفه الغموض أيضا فلم نعرف ما القادم!
وكان قد سبقه اثنان، الأول هو أحمد موسى الذي طالب
المواطنين بالتركيز خلال الفترة المقبلة، فهناك تغييرات في المواقع قد تصيب البعض
بصدمة بسبب بعض "الإجراءات الخارجية"، و"هذه الأمور قد تكون لها
تداعيات كبيرة أو خطيرة". أما الثاني فهو توفيق عكاشة، الذي كتب شيئا قريبا
من هذا، عن جديد سيحدث خلال الفترة القادمة، ولم يوضح شيئا مثل الآخرين!
جلسات تحضير الجان:
وهذا الكلام يجعلنا بحاجة إلى إعادة التذكير بالرسالة
الإعلامية ووظيفة الإعلامي، الذي هو ليس محرر الكلمات المتقاطعة في الصحف، وهو
الأداء العام في هذه المرحلة، وفي مقام آخر ترصدّتُ هذه الكلمات المتقاطعة لأقف
على أن العلاقات المصرية السعودية في أسوأ حالاتها، لكن دور الإعلام هو نشر الوعي
وإذاعة المعلومات، وليس فتح المندل!
في سلسلة مقالاته عن من أسماهم السادات بمراكز القوى،
وهم من وُصفوا إعلاميا بأنهم رجال عبد الناصر، كتب محمد حسنين هيكل عن جلسات تحضير
الجان، التي كان يعقدها رجال الحكم في عهد عبد الناصر للوقوف على مستقبل البلد
وطرق إدارته، فهذا وإن كان ليس غريبا على السياسة المصرية، إلا أن جلسات تحضير
الجان كانت تتم في السر، فلم يكن الإعلام وقتها يعتمد سياسة فتح المندل! والحال
كذلك، أو صار كذلك، فلا مانع من أن نساير المرحلة.
فعندما سألتُ عرافا عن هذا الذي يقصده هؤلاء، لفت
انتباهي إلى أنهم ليسوا أصحاب مرجعية واحدة. ويجمع عمرو أديب بين الجنسيتين
المصرية والسعودية، وليس في هذا ما يسيء إليه، إنما هنا لا نعرف من الناس الذين
يقصدهم، هل هم في القاهرة أم في الرياض؟!
وعلى مسؤولية "العراف"، فإن توفيق عكاشة ليس
على تواصل مع أي جهة داخلية، ولعل مشاعره الوطنية لا تتأذى من القول إن علاقاته مع
الإسرائيليين على أعلى مستوى!
وإذ بدا "العراف" كما لو كان في دهشة من هذا
الإجماع على أن هناك شيئا سيحدث، أخبرني أنه لا شيء بعيد عن الاستعداد لانتخابات
مجلس الشيوخ خلال الفترة المقبلة، إلا حديث في دهاليز الحكم عن تغيير في الحكومة،
يتم من خلاله استبدال كامل الوزير بمصطفى مدبولي (الباء تدخل على المتروك)، وأن اتجاها
سابقا لتغيير الحكومة تم التراجع عنه، ويمكن أن يحدث التراجع هذه المرة أيضا لما
بعد الانتخابات النيابية، حيث سيشهد هذا الصيف انتخابات غرفتي التشريع، غرفة تلو
غرفة، إن صح أنهما غرفتي تشريع فعلا، وليستا جهتي بصم على التشريعات.. وزينة!
قراءة ما في بطون الشعراء:
إذا استبعدنا الأكثر غموضا وهو عمرو أديب، فإن قراءة ما
في بطون الشعراء الثلاثة، يوحي بأن الحدث خارجيا وسيكون له تأثيره السلبي على مصر،
الأمر الذي دفع البعض للاعتقاد بأنه القبول بالتهجير، والرضوخ لفكرة صفقة القرن،
فهل هذا صحيح؟!
هناك تحول في موقف السلطة المصرية من قضية
التهجير، دفع
الجنرال لعدم السفر لواشنطن ومقابلة الرئيس
الأمريكي الجديد، وهو أمر يهم ويُطرب
أهل الحكم في مصر، لكن الثمن هذه المرة سيكون باهظا، صحيح أننا عرفنا بصفقة القرن
من الجنرال في لقاء مع الرئيس ترامب في ولايته الأولى، وهناك من يقولون إنه تم
الاستعداد فعلا لهذه الخطوة بمدينة سكنية في سيناء، وهو كلام رائج ليس لدي دليل على
صحته، لكن مع هذا فالموقف تغير لرفض التهجير كلية، وبأي شكل كان! وهو تغير في
الموقف سببه التفكير الاستراتيجي بعد أن صار المستبعد تحقيقه ينتظر الموافقة
المصرية.
وكان النقاش حول استقبال مصر لمليون فلسطيني في سيناء أو
لتوزيعهم في المحافظات المصرية سيذوبون وسط مئة مليون مصري! بيد أن القرار انتهى
إلى خطورة هذا على الأمن القومي المصري، وإذ لم تقبل بأن هذا يعني النظام في شيء،
فإن الأمر متصل بأن قبول التهجير بأي شكل مما يفقد النظام استقراره، فماذا لو
اعتبر بعض النازحين من أرض سيناء منصة للحرب على إسرائيل؟! وإذا كان الخيار الآخر،
فماذا لو حثوا الجماهير المصرية على التظاهر وتقدموا هم الصفوف؟!
ومن هنا جاء الرفض لفكرة التهجير، ولو أدى هذا لفتور
العلاقة مع الراعي الأمريكي، فهل يحدث التهجير عنوة؟! هذا ما يخشى منه الجانب
المصري، فماذا لو صُب العذاب على أهل غزة بعد الدفع بهم إلى القرب من معبر رفح؛
ولم يجدوا أمامهم للهروب من القصف سوى الاندفاع في اتجاه الأراضي المصرية؟ إن
الجانب المصري هنا سيكون في وضع لا يحسد عليه، إن منعهم من الهروب وإن فتح لهم
الباب!
أزمة مع الإقليم:
المعنى أن مصر ستكون في الفترة المقبلة مطالبة بأن تتحمل مسؤولية نفسها، الأمر الذي سيكلف المواطن من أمره رهقا، وسيكون أمام إجراءات اقتصادية أكثر قسوة
وإن كان المدقق في
الرسائل يجدها مختلفة من واحد لآخر،
ومن بينها من يوحي بأنها أزمة مع الإقليم، الذي بات من الواضح أنه لم يعد في كرمه
كما كان الحال من قبل، ويستطيع المرء أن يلمس منذ زيارة ترامب للمنطقة، ومنذ قمة
الرياض التي حضرها الرئيس السوري وشارك فيها الرئيس التركي عن بعد، ولم يُدع لها
رأس النظام المصري، أن الأمور ليست على ما يرام!
والمعنى أن مصر ستكون في الفترة المقبلة مطالبة بأن
تتحمل مسؤولية نفسها، الأمر الذي سيكلف المواطن من أمره رهقا، وسيكون أمام إجراءات
اقتصادية أكثر قسوة! وإن أشارت إحدى هذه الرسائل إلى أن الأزمة مستهدف بها
الإقليم، فدول بحالها ستختفي، وأن تغييرا سيجري "يماثل ما جرى في سايكس بيكو..
سنرى دولا تباع وتشترى ودولا تختفي.." كما قال نشأت الديهي.
فلنستبعد ابتداء رسالة توفيق عكاشة الذي ربما يطمع في
إعادة التواصل معه من جانب أهل الحكم، ليسألوه عن توقعاته نظرا لعلاقته
بالإسرائيليين، وهي العلاقة التي يعطيها أكثر من قيمتها، يكفي ذكره أنه دخل على القوم
بعد 3 يوليو فوجدهم في حيص بيص، فألقى لهم بصدرية النجاة، واقترح عليهم التواصل مع
الإسرائيليين.. ولم ينتبه إلى أن الجنين في بطن أمه يعلم أن التواصل قائم قبل ذلك
بكثير!
أما الرسائل الأخرى، فهي رسائل تخويف تستهدف الاحتشاد
خلف القيادة السياسية مجانا، فهناك خطر قد يتهدد البلاد، بل والإقليم!
الرسالة وصلت!
x.com/selimazouz1