جاءت خطة الترحيل
التي طرحها الرئيس الأمريكي
ترامب، والتي أثارت زوبعة كبيرة من الرفض والتنديد، من
دون أن تظهر تحركات عملية للتصدي لها، صحيح أن هناك مواقف رسمية عربية خاصة الدول
المعنية مباشرة إلى جانب
الفلسطينيين وهي مصر والأردن والسعودية، ولا يمكن التقليل
من أهمية وقوة هذه المواقف الرسمية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه المعركة
الحقيقية أم أن هناك أهدافا أبعد من الحديث عن
تهجير أهل
غزة؟
لا يمكن التقليل
من الحديث عن تهجير أهل غزة، وتقديرنا أن يلجأ
الاحتلال إلى أسلوب التهجير الناعم من خلال
تحويل قطاع غزة إلى جحيم لا يطاق، فمن غير المتوقع أن تبدأ عملية الإعمار إن بقيت
المعطيات الحالية على ما هي عليه من تفرد
إسرائيل بالتحكم بقواعد اللعبة.
تقديرنا أن يلجأ الاحتلال إلى أسلوب التهجير الناعم من خلال تحويل قطاع غزة إلى جحيم لا يطاق، فمن غير المتوقع أن تبدأ عملية الإعمار إن بقيت المعطيات الحالية على ما هي عليه من تفرد إسرائيل بالتحكم بقواعد اللعبة
لذلك سيكون
الحديث عن التهجير في غزة هو نوع من الإلهاء السياسي؛ لأن تقديراتهم بأن التهجير
سيحدث نتيجة طبيعة الحرب وهذا أمر طبيعي في كل الحروب في العالم، والأهم هنا أنه
مخطط له وجرت محاولات سابقة في 1948، و1953، و1970، و1971، لكنها فشلت بصمود الشعب
وإصراراه على البقاء.
السؤال الآن: إذا
كان التهجير بعد الحرب أمرا مسلما به لأي مجتمع يتعرض للحرب ولا يجد سبل الحياة،
فلماذا فجر ترامب فكرة الترحيل؟ الجواب على ذلك لا يتسع له المقال هنا، فهناك عدة
أسباب موضوعية يطول شرحها، لكن هنا أتناول مسألة بذر فكرة التهجير، فهي لم تأت من
فراغ، فصهره الصهيوني هو من يقف خلف الفكرة مدعيا أنها ليست المرة الأولى التي يتم
إجلاء شعب من مكانه. وبالرغم من أن خطة كوشنير مرفوضة إسرائيليا لأنها تفترض نقل
سكان غزة إلى النقب، إلا أن خطورتها تأتي بطريقة طرحها، ومن وضع البذرة الأولى
لفكرة التهجير لأهل غزة، وبالتالي أحيت فكرة التهجير، فدغدغت عواطف الصهاينة،
وأثارت الأفكار التي لا يخجلون من التصريح بها وإعادة الحياة لها في الوعي الجمعي
الإسرائيلي، فخلقت حالة من الجرأة غير المسبوقة من أجل تنفيذها.
وبالنظر إلى
المفاهيم الصهيونية الدينية فإن غزة لا تمثل أمرا جوهريا، وليست بالأمر الملح
للمبادرة بتهجير أهلها بالقوة، لكن هناك وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها بأدنى جهد
بحسب ما يتصورن، لذلك أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس تعليماته للجيش
بإعداد خطة للسماح لسكان غزة بمغادرة القطاع طواعية. وستتضمن الخطة خيارات للخروج
عند المعابر البرية، فضلا عن ترتيبات خاصة للخروج عن طريق البحر والجو.
المعركة التي نشهدها حول التهجير من غزة ليست المعركة الأساسية، وأن هذه الضجة مفتعلة لأنه بحسب التقديرات الإسرائيلية فإن التهجير من غزة ليس مسألة معقدة، وإن الهدف الإسرائيلي هو أبعد من ذلك.
ففي الوقت الذي ينشغل الجميع في ضجيج معركة تهجير أهل غزة تجري عملية تهجير بشكل عملي في الضفة الغربية، وبصمت وبدون ضجيج سياسي
النتيجة هي أن
المعركة التي نشهدها حول التهجير من غزة ليست المعركة الأساسية، وأن هذه الضجة
مفتعلة لأنه بحسب التقديرات الإسرائيلية فإن التهجير من غزة ليس مسألة معقدة، وإن
الهدف الإسرائيلي هو أبعد من ذلك.
ففي الوقت الذي
ينشغل الجميع في ضجيج معركة تهجير أهل غزة تجري عملية تهجير بشكل عملي في
الضفة
الغربية، وبصمت وبدون ضجيج سياسي، تتركز حاليا في مخيمات شمال الضفة الغربية
وهي الهدف المركزي لعملية التهجير الذي تريده إسرائيل.
إن ما نشاهده من
تهجير سكاني وتدمير المنازل والبنية التحتية في عدد من المخيمات في شمال الضفة
الغربية وبعض البلدات مؤشر خطير، خاصة بعد تهجير حوالي 80 في المئة من سكان مخيم
جنين أي حوالي 20 ألف مواطن، ثم مخيم نور شمس، واليوم كانت صور التهجير في مخيم
الفارعة تذكر بصور تهجير سكان غزة أو ما يمكن أن نسميه حالة التغريبة الفلسطينية
المستمرة.
الأخطر أن ما
يصرح به قادة الجيش الإسرائيلي بأن العملية ستتوسع وستستمر في تدمير قواعد
المقاومين، أو ما يسميها "أوكار المخربين" يشير إلى أننا أمام مسلسل
دموي تدميري في الضفة خاصة في الشمال، وإذا أضفنا إلى ذلك حالة الحصار التي تفرض
على باقي المدن والقرى الفلسطينية والاعتداءات المستمرة للمستوطنين خاصة في القرى
برعاية الجيش، فهذا كله لا يبشر إلا بحالة ضغط مستمر وبصمت في ظل الضجيج عن
التهجير في غزة حتى يتم إحداث ترتيب سكاني في الضفة لإجبار عدد أكبر من سكان الضفة
على الرحيل أو تغيير التوزيع السكاني لضم مناطق تعدها إسرائيل ضرورية لأمنها
القومي وتراثها الديني، فهل ننتبه لهذه الجريمة؟