قضايا وآراء

الرواية غير الرسمية لما يحدث في غزة

"طاع مليء بالألغام التي زرعها الاحتلال، بخلاف القنابل التي لم تنفجر"- أونروا
في الأحداث والحروب الكبرى تتجه الأنظار نحو تصريحات السياسيين لمعرفة مؤشرات ما يجري، بعدها يلتقط الصحفيون خيوط الرأي العام لينقلوا نبضه للناس. ولكن حين تصبح الأحداث أكبر من السياسيين وحين يصبح الصحفيون ضحايا وشهداء، فإن جوانب كثيرة تبقى غامضة في فهم ما يجري، وتصبح الرواية غير مكتملة. وهذا بالضبط ما يحدث في غزة حاليا، فمن يملك مفاتيح هذه الرواية غير الرسمية؟

للإجابة عن هذه السؤال نجد في ثنايا الأخبار ما يدلنا على أن الاحتلال لا يزال يريد التعتيم على ما يجري في غزة، وإلا فلِمَ تستمر إسرائيل في منع الصحفيين الأجانب من الدخول إلى غزة حتى الآن رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار؟

خبرنا كاميرات الصحفيين الغزيين بأن ثمة دمارا هائلا ومعاناة إنسانية كبيرة، ومن المؤكد أن تحت هذا الدمار هناك عدد لا نهائي من القصص المأساوية؛ يكافح الصحفيون في غزة في نقل جزء منها لنا عبر وسائل الإعلام والمنصات المختلفة،
تحت هذا الدمار هناك عدد لا نهائي من القصص المأساوية؛ يكافح الصحفيون في غزة في نقل جزء منها لنا عبر وسائل الإعلام والمنصات المختلفة، لكن المهمة أصعب وأعقد
لكن المهمة أصعب وأعقد وتحتاج لجيش من الصحفيين لتوثيق ونقل ما جري ويجري. تدرك إسرائيل ذلك جيدا، لهذا تتحايل لاستمرار منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة، لأنها تعلم شناعة ما ارتكبه جنودها.

قرأت قبل قليل خبرا عن أن القطاع مليء بالألغام التي زرعها الاحتلال، هذا بخلاف القنابل التي لم تنفجر. ذكرني هذا بالألغام التي تركها الاستعمار البريطاني في منطقة العلمين شمال مصر إبان وجوده أثناء الحرب العالمية الثانية؛ نحو 22 مليون لغم تغطي ما يقرب من 22 في المئة من مساحة البلاد، أي ربع مساحة مصر تقريبا، خارج نطاق الاستخدام سبب هذه الألغام، وهو الملف الذي طوته السنون والأيام ولم يطوه الواقع والتأثير السلبي على صحة السكان وإعاقة إمكانية استخدام الأرض في السكن والاقتصاد.

حضرت ندوة منذ سنوات في مجلس العموم البريطاني تناقش هذه القضية، ودعت الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى لتضطلع بمسؤوليتها عن هذه الألغام، ومنها تسليم مصر خرائط هذه الألغام. قدمت بريطانيا بعض هذه الخرائط، لكن تقول مصر إنها خرائط بدائية والألغام لا تزال موجودة في مناطق لم تكن مراكز للقوات البريطانية.

ملف الألغام في قطاع غزة هو واحد من الملفات الشائكة التي قد يطويها النسيان مع الزمن. والفارق بين الألغام المزروعة في مصر وفي غزة أن ألغام مصر كانت وما زالت في مناطق بعيدة عن وادي النيل؛ حيث التكدس السكاني رغم تأثيراتها السلبية.
دخول طواقم متخصصة وصحفيين من مؤسسات مختلفة سيكشف مزيدا من الأرقام الصادمة التي خلفتها حرب الإبادة على مدار عامين
أما في غزة فإن مساحة الرقعة الجغرافية لا تسمح للسكان بتجنب هذه الألغام، ومن ثم تصبح المطالبة بالحصول على خرائطها من إسرائيل مطلبا إنسانيا ملحا.

الأمر الآخر هو تقدير حجم الأضرار والخسائر البشرية وفي الممتلكات والبنية التحتية. فمعظم الأرقام والإحصاءات المنشورة مبنية إما على استخدام خرائط غوغل والمصادر المفتوحة أو على جهود الأجهزة المحلية في غزة، وهي المنهكة أصلا جراء الاستهداف الإسرائيلي ومحاولات توفير بعض مقومات الحياة للسكان في فترات الهدوء النسبي بعد وقف إطلاق النار.

ومن المؤكد أن دخول طواقم متخصصة وصحفيين من مؤسسات مختلفة سيكشف مزيدا من الأرقام الصادمة التي خلفتها حرب الإبادة على مدار عامين. كما ستكشف الرواية غير الرسمية قدرة المجتمع الفلسطيني تحت هذه الحرب على تحقيق التكافل ودور المبادرات المدنية في الإغاثة والإيواء. فشُحّ الموارد وتفشي المجاعة يشكل حافزا للصراع الأهلي في كثير من المجتمعات المبنية على الأنا والثقافة الفردانية؛ بخلاف المجتمع العربي المسلم في غزة. وهي تفاصيل قد تبدو عادية وسط المجتمع الغزاوي، لكنها ليست عادية وتحتاج لتوثيق.

x.com/HanyBeshr