كتاب عربي 21

"الشرع" في القاهرة!

"شن الإعلام السلطوي في مصر حملة إبادة إعلامية ضد الشرع، وكانوا يبحثون عن مبررات للخصام"- الرئاسة السورية
أخيرا اعترفت السلطة الحاكمة في مصر بشرعية الأمر الواقع، ووجه رأسها الدعوة للرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة القاهرة، والمشاركة في الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية، المزمع انعقاده في 4 آذار/ مارس المقبل!

تتحرك السلطة المصرية كما السلحفاة في التعاطي مع التحول المفاجئ في سوريا، منذ هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، ودخول القائد أبو محمد الجولاني (حينئذ) دمشق والقصر الرئاسي، في تطور يفوق الخيال، على نحو لم يستوعبه العقل البشري، فذهب يربط ما جرى بالمؤامرة الكونية، التي تحاك ضد المنطقة منذ بدء الخليقة، والتي كان قادتها في غيبوبة، والثورة تحقق انتصاراتها السريعة!

بيد أن الحقيقة، التي لا يراد الاعتراف بها، أن الجميع فوجئوا بهذه التطورات السريعة، لكنهم لم يكونوا سلحفاة في التعامل معها، فكان الاعتراف بزعيم هذا النصر، إلا القاهرة، التي ظل أولو الأمر فيها يعتقدون أن بإمكانهم أن يغيروا مجرى الأحداث، فمثل موقفهم عزفا نشازا..

وانبرى الإعلام يصور الأمر كما لو كان انقلابا ضد السلطة في القاهرة، ولم يبق لها إلا أن تطالب بعودة بشار، لولا أنه في مخبئه، يدرك أنه لا أمل في شيء، واستسلم لقدره بشكل مذهل، وهو الذي كان قبل قليل يظن أن لن يقدر عليه أحد، والعواصم العربية تخطب وده، وتتقرب إليه بالنوافل، بمن فيها أنقرة والرئيس التركي نفسه، فالدولة العربية الوحيدة التي لم تكترث به هي قطر، التي لم تغير موقفها منه، حتى وهو يتمدد طولا لا عرضا.

من المؤسف أن تدار سياسات الدول وتحالفاتها بمحيطها على قواعد "كايدة العزال أنا من يومي"، وكأنه من المفروض أن تستمر سوريا للأبد هي مضرب أمثال النظام الحاكم، عندما تتلخص إنجازاته في أننا أحسن من سوريا والعراق، وإذا كان قد خسر سوريا في ضربه للمثل، فقد كسب السودان مثالا للفوضى

لقد شن الإعلام السلطوي في مصر حملة إبادة إعلامية ضد الشرع، وكانوا يبحثون عن مبررات للخصام، باعتبار الموقف من القائد السوري الجديد هو جزء من صراعها مع جماعة الإخوان المسلمين، ومن الإسلام السياسي بوجه عام!

وجاءت بيانات أحد الشباب المصريين (أحمد المنصور) الذين شاركوا في الثورة السورية، لتقدم مبررا وجيها لهذا الموقف المعادي لما حصل في سوريا، ولم يشفع للنظام السوري الجديد أنه أوقف الفتى الذي قال إن الدور على الديكتاتور المصري، وبدأ الحديث عن ضرورة تسليمه لمصر، لأنهم اعتبروا أمر توقيفه رضوخا من الشرع، إذن فلم لا يكملون مهمة كسره وإذلاله، وهو أمر كاشف عن جهل بين بطبائع الأشياء من بلد عرف كل التنظيمات الإسلامية، ومنطق كل تنظيم، والشرع ليس الإخوان، وكيف يقبل الدنية في أمره والعالم كله يخطب وده؟

لقد اقتصر الطلب على الدعاية الإعلامية، ولم يطلق رسميا، مع الادعاء الإعلامي بأن (المنصور) أحد المتهمين باغتيال النائب العام المصري هشام بركات، ولم يكن هذا صحيحا!

ما لم يدركه النظام للوهلة الأولى أن وقف الشاب المصري، وإن جاء تأكيدا على أن الدولة السورية الجديدة لا تريد الدخول في مشكلات مع الإقليم، إلا أن فكرة تصدير الثورة، والانشغال بتحرير العالم، هي خارج حدود الفكر الجهادي، ففي أدبياتهم أن عدو الداخل مقدم على عدو الخارج، وبالتالي فلن ينشغل الشرع وإخوانه بما هو خارج حدودهم، وغيرهم اهتم بإصلاح العالم، فخسر ما في يده، ولم يجد ما في جيبه!

لقد حدث في حملة الابتزاز لتسليم الشاب المصري، أن قام الشرع بمنح أحد المصريين الذين شاركوا في القتال ضد قوات بشار الأسد، رتبة عسكرية وألحقه بالجيش السوري الجديد، وظني أنها المصادفة، لكن القوم في القاهرة لم يفهموها كذلك، فكان التوقف الإعلامي عن طلب الشرع بتسليم المنصور، خاضعا ورجله فوق رقبته!

وإن كان خطاب الوصاية لم يتوقف وتناوب عليه السيسي مع وزير خارجيته، وبالعكس، فكان الطلب بعملية سياسية شاملة لا تقصي أحدا، حتى صار هذا العزف نكتة الموسم، فآخر من يحق له الحديث عن العمليات السياسية وشمولها هو النظام المصري الحاكم، لأنه يفتقد للسياسة وعملياتها، ولأنه يقصي كل المكونات الحية في المجتمع المصري عن السياسة، بما في ذلك الدولة المصرية التقليدية، فأقام دولته على أنقاض هذه الدولة، وجاء بمن هم في خارج حدودها ليستكمل بهم شكل المؤسسات، فأقصى المعارضة والموالاة معا.

وإذا كان الجنرال قد هنأ الشرع بتوليه منصب الرئاسة السورية، فإنه لم يتوقف عن محاولة فرض الوصاية، وبإعادة العزف المنفرد عن العملية السياسية الشاملة، التي لا تقصي أحدا، ربما لأنه اعتقد أنه بعد التهنئة فإن الشرع سيأتي له هرولة!

لقد كتبت منذ البداية أنه لا يجوز لمصر أن تظل بعيدة عن سوريا، حتى وإن كان ما يتشكل في دمشق على غير إرادتها، لكنهم أغروا بنا ذبابهم الإلكتروني الذي اندفع للقول إن مصر لا تحتاج سوريا بوضعها الراهن في شيء.

ومن المؤسف أن تدار سياسات الدول وتحالفاتها بمحيطها على قواعد "كايدة العزال أنا من يومي"، وكأنه من المفروض أن تستمر سوريا للأبد هي مضرب أمثال النظام الحاكم، عندما تتلخص إنجازاته في أننا أحسن من سوريا والعراق، وإذا كان قد خسر سوريا في ضربه للمثل، فقد كسب السودان مثالا للفوضى، والشقيق السوداني في الوضع المزري نتاج طبيعي لحكم العسكر، الذي لا يخرج إلا نكدا!

عموما، ومع الدعوة للشرع لزيارة القاهرة، نتمنى أن يقلع النظام الحاكم عما ينتج الاحتقان في العلاقة بين البلدين، فليس له أن يتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، وليس مؤهلا لإعطاء دروس فيما يختص بالعمليات السياسية، وفي شؤون بناء الدول! لعلهم استوعبوا خطأ سياستهم!

ما بين الشرع والإخوان:

أثير في الآونة الأخيرة سؤال: لماذا استقبلت المملكة العربية السعودية الشرع، ولم تستقبل الرئيس محمد مرسي؟

والسؤال خطأ لأنه قائم على فكرة إعلان العداء السعودي للرئيس مرسي منذ اللحظة الأولى، وهذا غير صحيح، بيد أن الأزمة في أننا في أجواء قلقة تدفع لتحسس البعض بنطحات الرؤوس، فيندفعون هجوما وسبا في الخصم، بما يحول دون نقاش حقيقي حول موضوع النقاش!

أما أن السؤال خطأ، فلأن الموقف السعودي الرسمي لم يكن في البداية عدائيا للرئيس محمد مرسي، الذي قرر أن يستهل حملته الانتخابية بزيارة للسفارة السعودية بالقاهرة، ويبدأ زياراته الخارجية بالمملكة، كما أن النظام السعودي انفتخ بعد الثورة على الإخوان في مصر، والإصلاح في اليمن، والنهضة في تونس بعد أن كانت إيران هي المبادرة فيما يختص بتونس!!

ومن هنا كانت المشكلة، فالإخوان أسرى للتاريخ في العلاقة مع السعودية، وضاعت دعوتي للانفتاح على إيران سدى لتنوع العلاقات، لأني كنت كزرقاء اليمامة أرى شجرا يمشي، ولست مستعدا لما انتهت إليه زرقاء اليمامة على أي حال!

كان رأيي المعلن وقتئذ أن الرئيس محمد مرسي يتصرف في علاقته مع السعودية على أنه الامتداد للرئيس مبارك، والأمور ليست هكذا، فهناك ثورة قامت في مصر، هي ضمن الربيع العربي، والإقليم في خوف منها، وهناك مطالب بتصديرها، ثم إن الإخوان يمثلون قلقا مضاعفا لأن دعوتهم عالمية، ولديهم التنظيم الدولي، وقد استشعر السعوديون منذ بداية التسعينات تأثير دعوة الإخوان على التيار الديني السعودي، وهو تيار منافس. وقد أعلن هذا وزير داخلية المملكة الأمير نايف، وسبق محمد بن سلمان لذلك، وأذكر أنه عندما صرح الوزير السعودي بذلك، تواصلت مع المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله للتعليق، فقال لي وهو يحرص على الود: زي بعضه!

مع الدعوة للشرع لزيارة القاهرة، نتمنى أن يقلع النظام الحاكم عما ينتج الاحتقان في العلاقة بين البلدين، فليس له أن يتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، وليس مؤهلا لإعطاء دروس فيما يختص بالعمليات السياسية، وفي شؤون بناء الدول

وقد استمرت علاقة النظام السعودي قائمة بالرئيس محمد مرسي، لكن عندما وجد الفرصة مواتية لإسقاطه شارك في ذلك، وهو أمر يمكن أن يحدث بالنسبة للرئيس الشرع، ومن أي نظام غربي سلم بنتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر، فلما وجد الانقلاب العسكري تجاوز القيم الدعائية المرفوعة!

الشرع رئيس متغلب، وليس من السياسة إعلان العداء له، حتى ممن استقبلوا بشار الأسد قبل قليل ضمن عملية إعادة إدماجه في المنظومة العربية. وكما قال حكيم إسبرطة: "العفي محدش يأكل لقمته"!

الثورة السورية بدون هيكل وهويدي:

كانت الثورة الإيرانية محظوظة بالكاتبين محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي، وغيرهما من الذين ذهبوا إلى إيران في أيامها الأولى، فأمكن للرأي العام العربي الوقوف على تفاصيلها، فألف الأول كتابه "مدافع آيات الله"، وكتب الثاني "إيران من الداخل"، بيد أن الثورة السورية لم تجد من في مثل الكفاءة المهنية لكل من هيكل وهويدي يكتبها، ويفسر ما يستغلق على الجميع فهمه، لا سيما في السنوات الأخيرة، لفهم كيف تمكنت من النجاح الذي بدا مفاجأة غير متوقعة!

فنحن نشاهد حضورا إعلاميا كثيفا ينقل اللحظة، ويغطي الخبر دون ما وراء هذا الخبر، وكثيرون اندفعوا كجمهور كرة القدم، سعداء بالنتيجة ويشجعون اللعبة الحلوة، ويلتقطون لأنفسهم الصور من المدرجات، لأنهم ليسوا في كفاءة هيكل وهويدي، ولأننا لسنا في زمن الكتب ولكن في زمن فيسبوك و"تنيطر"، بحسب النطق الاستشراقي لوزير العدل المصري السابق أحمد الزند، لا أسكت الله له حسا؛ فقد مات الرجل بالحياة!

لقد حولوا الثورة السورية إلى مجرد فرح العمدة!

x.com/selimazouz1