مقالات مختارة

اليوم التالي على “إسرائيل” أصعب!

محمد سليم قلالة
الأناضول
الأناضول
يجري الحديث هذه الأيام عن اليوم التالي لما بعد العدوان على غزة، وتتناقل وسائل الإعلام مختلف البدائل التي يتم طرحها في هذا الشأن بين الفلسطينيين، في حين لا حديث عن اليوم التالي بعد العدوان في الكيان الصهيوني، وكأن “طوفان الأقصى” كان بلا أثر عليه.

والواقع الخفي يقول عكس ذلك، بقدر ما ستتأثر القضية الفلسطينية سلبا أو إيجابا بنتائج معركة “طوفان الأقصى”، سيتأثر الكيان، ولعل الآثار التي سيعرفها ستكون أعمق باعتبار أنه سيغير كل مساره السياسي والوجودي بعد هذه المعركة وبعد كل الهمجية التي واجه بها الشعب الفلسطيني وجرائم الإبادة التي ارتكبها ضده لأكثر من سنتين..

وأول أثر سلبي كبير سيكون على وجوده ذاته في المنطقة! ذلك أنه بدل أن كان يخطط لِيندمج فيها من خلال توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية من دون إيلاء مسألة فلسطين والقدس أي اعتبار، بات اليوم لا يستطيع التملص من مسألة قيام الدولة الفلسطينية حتى مع أقرب حلفاء إليه من جماعة “الاتفاقيات الإبراهيمية” أو من الأمريكان أنفسهم! نسبة عالية من الشعب الأمريكي أصبحت تؤيد اعتراف بلادها بالدولة الفلسطينية، غالبية ساحقة من الديمقراطيين وقرابة النصف من الجمهوريين، معظمهم، حسب الاستطلاعات الأمريكية، هم من الفئة العمرية الشابة بما يعني كل ذلك من تطورات في المستقبل القريب لصالح قيام دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشريف.

وهذه ليست عناصر تفكير رغبوي نتمنى تحوله إلى واقع، أو حلما يراودنا نُريده أن يتحقق بل هي حقائق المؤشرات الميدانية ونتائج التحليل القائم على المدى البعيد.

وكمثال عن المؤشرات الميدانية، جاء في آخر استطلاع للرأي العام في الولايات المتحدة قامت به Reuters/Ipsos أن 59% من الأمريكيين أبدوا في شهر أكتوبر الجاري تأييدا لأن تعترف حكومتهم بالدولة الفلسطينية، وترتفع النسبة لدى الديمقراطيين إلى 80 بالمئة غالبيتهم من الشباب، وتصل عند الجمهوريين إلى 40 بالمئة، وهي نسبة لم تكن لتظهر قبل اليوم، ففي شهر فيفري سنة 2022 مثلا، أظهر استطلاع للرأي قامت به Gallup أن55% فقط من الأمريكيين يدعمون إقامة دولة فلسطينية، وقبلها بسنوات كانت النسبة أقل.

أما على مستوى التحليل بعيد المدى، فإن كافة المؤشرات تشير إلى اضطراب وتفكك قادم في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، من هذه المؤشرات:
فشل حرب الإبادة في تهجير سكان غزة أكد هزيمة الكيان الديمغرافية

-تزايد معدلات الهجرة العكسية بعد الطوفان (ما بين 80 ألف و400 ألف مغادر من دون عودة) خلال فترة العدوان، ويتوقع أن يبقى هذا المؤشر في ارتفاع مستمر.

– تفكك شبكات الثقة الاجتماعية، وازدياد الصراع بين الفئات المختلفة (الحريديم ضد غير المتدينين، الاشكناز (اليهود القادمين من الدول الأوروبية والغربية عامة)، ضد السفارديم (يهود الأندلس والمغرب) والمزراحيم (يهود المشرق العربي)، مما يجعل المجتمع الإسرائيلي اليوم يتجه نحو سيناريو متناقض بين كيانين “إسرائيل” شرقية وأخرى “غربية” وثالثة عربية (داخل 1948).

– فشل حرب الإبادة في تهجير سكان غزة أكد هزيمة الكيان الديمغرافية حيث لن يستطيع لا تعويض المهاجرين الذي غادروه ولا تحقيق تفوق ديمغرافي في السنوات القادمة عن طريق الزيادة الطبيعية التي هي باستمرار لصالح الفلسطينيين.

– خسارة الرأي العام الدولي ومواقف الغالبية الساحقة من الحكومات في العالم التي باتت تعترف بالدولة الفلسطينية وتعتبر حل الدولتين هو البديل الوحيد للسلام في الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يخدم “حلم” إسرائيل الكبرى من دون الفلسطينيين!

هذا الواقع يدخل المجتمع الإسرائيلي في حالة من الشعور بانعدام الأمن والخوف من المستقبل ويدفعه باتجاه التخلي التدريجي عن البقاء في أرض غير أرضه رغم محاولات الإغراء الكثيرة، وهو الذي يجعلنا نقول أنه إذا كان اليوم التالي بعد انتهاء العدوان على غزة صعبا، فإن اليوم التالي للكيان الإسرائيلي سيكون أصعب خاصة في المدى المتوسط والبعيد…

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)