مقالات مختارة

أكاذيب المؤثرين

إسماعيل الشريف
إكس
إكس
«الكذبة تنتشر في نصف العالم قبل أن تتمكن الحقيقة من ارتداء سروالها» تشرشل.
في أيلول الماضي، التقى نتن ياهو مع مجموعة من صُنّاع المحتوى المؤثرين، وذلك في القنصلية الصهيونية بنيويورك. وعلى مدار محاضرة طويلة، حاول إيصال رسالة واحدة: تتغير الأسلحة بتغيّر الزمن، وأقواها اليوم منصات التواصل الاجتماعي. وللتعويض عن جفاف العرض ورتابته، أغدق على الحضور بسخاء غير مسبوق؛ إذ خصص مكافأة قدرها سبعة آلاف دولار لكل منشور يروّج للكيان الصهيوني.

 يندرج لقاء نتن ياهو وعطاياه السخية ضمن مشروع استراتيجي واسع النطاق يستهدف إحكام القبضة على منصات التواصل الاجتماعي، التي تُظهر معظمها أصلاً انحيازًا للكيان. يعتمد المشروع على التلاعب بالخوارزميات لإخفاء المحتوى المؤيد لفلسطين وإبراز المواد الداعمة لإسرائيل، مع تقديمها على أنها لمحات من دولة ديمقراطية تسعى للسلام. يُصاغ هذا الخطاب بلغة الشباب العصرية من خلال مقاطع فيديو قصيرة ومحتوى بصري تفاعلي جذاب، مع شرط أساسي: ألا تظهر هذه المواد بصيغة إعلانات ممولة. وإن فشلت أي منصة في الامتثال لهذه الأجندة، فالخيار البديل هو الاستحواذ عليها - كما تشير الشائعات حول منصة تيك توك.

أجمعت التقارير الإخبارية خلال الأيام الماضية على أن حركة حماس احتجزت اثنتين وتسعين امرأة، غالبيتهن من الجنديات، منذ السابع من أكتوبر. وقبل أسبوعين تقريبًا، أُطلق سراح من تبقى على قيد الحياة من العدد الأصلي البالغ سبعًا وسبعين امرأة، بينما تسلّمت سلطات الاحتلال رفات إحدى عشرة امرأة سقطن بنيران جيشها خلال العمليات العسكرية. في المقابل، عندما استقبل الفلسطينيون محرريهم، بدت عليهم آثار التعذيب جلية. أما الجثامين الـمُسلّمة، فحملت بعضها علامات واضحة على تعذيب أدى إلى استشهادهم، بينما ظهرت على أخرى آثار جنازير الدبابات، ما يشير إلى أن بعض الضحايا لقوا حتفهم سحقًا تحتها.

بعض المؤثرين الذين حصلوا على مكافأة السبعة آلاف دولار تبنّوا منهجًا مغايرًا في تناولهم للقضية، فنشروا معلومات زائفة ومُغرِضة. ومن الأمثلة التي تابعتها عن كثب: المؤثرة اليمينية لورا لومر التي يتابعها أكثر من 2.5 مليون شخص، والتي وصفت الإسلام بأنه «طائفة قاتلة»، وزعمت كذبًا أن حماس اغتصبت وقتلت جميع المحتجزات، ثم طالبت إدارة ترامب باتخاذ تدابير حاسمة ضد «الإسلام» بذريعة حماية المجتمع من «تدمير البلاد واغتصاب نسائنا وقتلهن هنا أيضًا».

في تغريدة أخرى حصلت مقابلها على سبعة آلاف دولار، كتبت: «كل المحتجزات قُتلن... أين الغضب؟... متوحشون همج!» فطلبتُ من الذكاء الاصطناعي تحليل ردود الفعل والتعليقات على تلك التغريدة. أظهرت النتائج حتى لحظة كتابة هذا المقال أن التغريدة حصدت نحو 3.9 مليون مشاهدة، وحوالي سبعة آلاف تعليق، 75% منها جاءت انتقادية أو تصحيحية، في حين لم تتجاوز التعليقات المؤيدة 25%، كما أُعيد نشرها قرابة عشرين ألف مرة.

الهدف من عرض هذه الأرقام هو الكشف عن مدى الانتشار الهائل لمحتوى المؤثرين المدفوع الأجر. صحيح أن تغريدة واحدة قد لا تنجح في إقناع أغلب من يشاهدونها، لكن تكرار الرسالة ذاتها عبر أبرز الأصوات المؤثرة عالميًا وعلى منصات واسعة الانتشار كفيل بإحداث تحوّل تدريجي في الوعي الجمعي. وبالتوازي مع نشر الأكاذيب، يركّز هؤلاء بشدة على تأجيج الإسلاموفوبيا؛ فالاستراتيجية واضحة المعالم: إن فشلنا في جعلك تحب الصهاينة، فسننجح في جعلك تكره الإسلام.
هذه معركة مفتوحة يتعين على كل إنسان عربي خوضها

هذه معركة مفتوحة يتعين على كل إنسان عربي خوضها؛ فهي بابٌ من أبواب جهاد الكلمة والحقيقة. احرص دائمًا على مخاطبة جمهورك بلغة يستوعبونها، واستثمر أدوات الترجمة المتاحة لتوسيع نطاق تأثيرك. ولمواجهة التضليل بفعالية، أنصح بقواعد عملية: اعتمد على بيانات ومصادر موثوقة لدحض المزاعم الكاذبة، تجنب الانفعال والألفاظ النابية، اقتبس من المنشور المُضلِّل ثم بيّن الخطأ بلغة محترمة وواضحة مدعومة بمرجع موثق، وابدأ دائمًا بإبراز القيم الإنسانية والمعايير الدولية   اجعل البُعد الإنساني محور النقاش قبل أن ينزلق إلى جدل سياسي. تحدث بلغة جمهورك لضمان وصول الرسالة بوضوح، واستخدم وسمًا موحدًا مثل: #كشف_التضليل أو #غزة_الحقيقة لتنسيق الجهود وتعزيز الوعي بشكل منظم.

أوجه دعوتي إلى أصحاب التخصص لنشر أساليب وتقنيات كشف الدعاية المضللة عبر منصاتهم؛ فنحن في مواجهة بين باطل تسنده الأموال الطائلة والنفوذ، وإعلام منافق، ومجمّع عسكري صناعي جبار، وبين أصحاب حق لا يملكون سوى مبادئهم وإيمانهم بقضيتهم. فلِمَن ستكون الغلبة؟ عزيزي القارئ، الإجابة عندك وأنت وحدك من سيقرر ذلك.

الدستور الأردنية
التعليقات (0)