مقالات مختارة

القتال من أجل العالم

إسماعيل الشريف
وزارة الداخلية الفلسطينية على فيسبوك
وزارة الداخلية الفلسطينية على فيسبوك
لن نستسلم... ننتصر أو نموت...عمر المختار.
في عام 1981، ارتقى المناضل الأيرلندي «بوبي ساندز» بعد إضراب عن الطعام دام 66 يومًا في سجون أيرلندا الشمالية المحتلة. لم يقتصر أثر رحيله على الحدود المحلية، بل تجاوزها ليصبح رمزًا عالميًّا للمقاومة؛ فقد بادر الأسرى الفلسطينيون في سجن «نفحة» الصحراوي إلى توجيه رسالة تضامن مؤثِّرة إلى إخوانهم في بلفاست، فكانت وثيقة تضامن عابرة للحدود جاء فيها:

«إلى عائلات الشهداء الذين اضطهدتهم الطبقة الحاكمة البريطانية، إلى عائلات «بوبي ساندز» ورفاقه الأبطال: نحن أسرى الشعب الفلسطيني، الرازحون تحت نير الاحتلال الصهيوني، نبعث إليكم من خلف جدران سجن نفحة بتحية الصمود، ونشدّ على أياديكم لمؤازرتكم في مواجهة الاستبداد البريطاني الذي أذاق شعبكم مرارة القمع.

إن شعبنا في فلسطين، داخل السجون وخارجها، يناضل كما يناضل شعبكم ضد قوى الاستعمار والاحتكار، وسنمضي معًا حتى تحقيق النصر.

نيابةً عن أسرى نفحة، نعلن وقوفنا إلى جانب نضالكم العادل ضد الهيمنة الإنجليزية والصهيونية، وضد الفاشية بكافة أشكالها. إننا نحيّي تضحيات «بوبي ساندز» ورفاقه الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الحرية، ونعاهدكم أن صدى صمودهم البطولي يتردد في زنازيننا كما يتردد في قلوب شعبنا.

من هنا، من صحراء النقب حيث تتسلل الأفاعي إلى زنازيننا، ومن خلف القضبان حيث يُحاصرنا القمع والتعذيب والحرمان من أبسط مقومات الحياة، نقف إلى جانبكم. فقد سقط رفاق لنا شهداء تحت وطأة التعذيب، ولفظ آخرون أنفاسهم الأخيرة جراء حرمانهم من العلاج، لكننا على يقين أن معركة الأمعاء الخاوية لن تذهب سُدى، بل ستظل رمزًا خالدًا للتحدي والمقاومة في وجه النازيين الجدد والإرهاب المعاصر».

فتيةٌ في مقتبل العمر، تحمل أقدامهم الحافية نعالًا بلاستيكية بسيطة، وترتدي أجسادهم ثيابًا متواضعة، لكن قلوبهم تتقد بلهيب الإيمان وتنبض بروح الشجاعة التي لا تعرف الهوان. يمسكون بأسلحتهم الخفيفة ويخطّون بدمائهم الزكية فصلًا مضيئًا في سِفر التاريخ الإنساني. فصلٌ سيظل محفورًا في ذاكرة الأجيال، تتناقله الأجيال في أشعارها وقصصها، وتتغنّى به في أناشيدها، وتُجسِّده على شاشات الفن والإبداع.

هؤلاء هم أبناء المهجّرين الذين لم يذوقوا في حياتهم طعم الحرية، بل عاشوا تحت وطأة الاحتلال والقهر، يواجهون ظلمًا متعدد الأوجه: مشروع استعماري عنصري يستند إلى أوهام التفوق العرقي وخرافات مقدسة، ويحمل في طياته كل سمات الهيمنة الاستعمارية.
لم يسجل التاريخ المعاصر مثل هذا التفاوت الهائل في القوى إلا في مواقف أسطورية خالدة:

لم يسجل التاريخ المعاصر مثل هذا التفاوت الهائل في القوى إلا في مواقف أسطورية خالدة: يوم صمد ثلاثمئة محارب إسبرطي أمام جحافل الإمبراطورية الفارسية - كما خلدتها السينما العالمية، ويوم رفع الحسين بن علي صوته عاليًا ضد الاستبداد في كربلاء، ويوم قاوم أهل المدينة الطغيان في واقعة الحرة، ويوم دافع مجاهدو حصن العقاب في الأندلس عن كرامتهم في أواخر عهد المسلمين هناك.

في كل تلك اللحظات التاريخية الفارقة، وقفت ثلة مؤمنة بعدالة قضيتها أمام طوفان من القوة والبطش، فتحولت قلتها العددية إلى قوة معنوية خالدة في ضمير الإنسانية جمعاء.

وها هم اليوم يسيرون على نهج مقاومي الجزائر الذين حطموا قيود الاستعمار الفرنسي بعد أن قدموا مليونين من أبنائهم فداءً للحرية، ولا يختلفون عن المقاتلين الفيتناميين الذين أذاقوا الإمبريالية الأمريكية مرارة الهزيمة، أو إخوانهم الأيرلنديين الذين صبروا وصابروا في وجه الاحتلال البريطاني.

كل هذه الملاحم النضالية، المكتوبة بمداد من دماء الشهداء، كانت دروبًا ممهدة نحو التحرير. وما يحدث اليوم في فلسطين ليس استثناءً من هذا النموذج الأزلي، بل هو كفاح يضاهي نضال كل الشعوب الحرة وهي تنتزع حريتها من براثن الطغيان.

لقد قرأنا في صفحات التاريخ عن معاناة أسلافهم من بني هاشم حين حُوصِروا في شِعب مكة، حتى اضطروا إلى أكل أوراق الأشجار من شدة الجوع، وقرأنا عن أمهات عظيمات قدّمن فلذات أكبادهن قرابين في ميادين التضحية، سائرات على نهج الخنساء وأسماء بنت عميس.

هؤلاء الأبطال، رغم تواضع إمكانياتهم، وقفوا في وجه أعظم آلة عسكرية في العالم؛ قوة تتكون من جبناء عنصريين ضعاف الإعداد، يتوهمون العلو والتفوق، لكنهم على الأرض لا يتجاوزون هيئة جرذانٍ هاربة مذعورة، لا يساوي أحدهم شعرة من رأس أصغر طفل في غزة العزة.
وهكذا... فإن للحرية ثمنًا باهظًا لا يدفعه إلا الأحرار!

الدستور الأردنية
التعليقات (0)

خبر عاجل