الكتاب: حوض النيل: صراع البقاء
الكاتب: سويداء الفؤاد بلة آدم
الناشر: دار آريثريا للنشر والتوزيع، ط1 /
2023
عدد الصفحات: 430 صفحة
دشّنت
أثيوبيا الثلاثاء 09 سبتمبر 2025 سد
النهضة الضخم المقام على نهر النيل بعد أشغال استمرت 14 عاما. وأثناء حفل التدشين
الذي حضره قادة إقليميون، وصف رئيس الوزراء الأثيوبي أبيي أحمد السد بأنّه
"إنجاز عظيم ليس فقط لإثيوبيا، بل لكل الشعوب السوداء." وفي نبرة تجمع
بين التباهي وتحدّي دول المصب التي تجاهل كل اعتراضاتها وتحفظاتها، ذكر أن بلاده
برهنت على أنها قادرة على تحقيق كل ما تخطط له.
بعيدا عن التغطية الإعلامية الوصفية التي
ترافق مثل هذه الإنجازات العملاقة رأينا أن نعرض عملا بحثيا هادئا لسويداء الفؤاد
بلة آدم جعل من قضية حرب المياه في حوض النيل المعقدة موضوعه. فقد حاولت الباحثة في كتابها الذي يحمل عنوان "حوض
النيل: صراع البقاء" أن تعرض وجوها مختلفة من أزمة المياه في هذا الحوض وأن
تبحث في آفاق لحلها.
ـ 1 ـ
بعد اللجوء السياسي واللجوء بسبب الحرب
أصبحت الدراسات الإستراتيجية والجيو-سياسية اليوم تتحدث عن لاجئي المياه وتقدّر
أنّ الملايين من سكان البلاد الفقيرة والنامية سيضطرون إلى الهجرة من أوطانهم إلى
بلدان أخرى بسبب الجفاف. وهذا ما دفع لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية إلى التذكير بحق الإنسان في المياه الذي يفرض حصول الجميع
عليها بشكل كاف وآمن ومقبول وبسعر مناسب
وإلى التأكيد أنّ الحقّ في الماء من الحقوق الأساسية التي وردت في الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان. والعرب، كما هو الشأن في كل الأزمات، يقعون في المركز من هذه
المعضلة. فقد أشار تقرير للبنك الدولي سنة 2008 أن منطقة الشرق الأوسط وشمال
إفريقيا هي المنطقة الأكثر جفافاً في العالم، وأنّ حصة الفرد الواحد من الماء هي
غالبا دون 1200 متر مكعب سنوياً.
تمثل اتفاقية عنتيبي التي تعرف بـ "الإطار التعاوني لحوض نهر النيل" 2010، تحالفا لدول المنابع (كينيا وأوغندا وأثيوبيا وتنزانيا وروندا) وانقلابا ينقل النفوذ في التّحكم في مياه الحوض إليها على حساب دول المصب وتجسيدا للخطة الإسرائيلية التي تقضي ببيع كل دولة فائضها من المياه.
والأدهى أنّ هذا الرّقم لا يتوقف عن التّدهور
لتغيّر المناخ وارتفاع الاحتباس الحراري. ولعّنا أن ندرك أنّه مفزع حقّا أكثر، حين
نقارنه بمتوسط حصة الفرد في العالم التي تبلغ 7000 متر مكعّب.
ـ 2 ـ
في هذا السياق تقفز مفاهيم عدّة أغلبها
مستجدّ، يمثل استيعابها ضرورة لتمثل أطروحة الباحثة. فمصطلح "السياسة المائية" مثلا يفيد
كيفية إدارة الموارد المائية ووجوه العمل على حسن توظيفها باستنباط الإجراءات
المبتكرة وسن القوانين الناجعة والتوصّل إلى المعاهدات المنظمة لاستغلال المياه المشتركة على المستوى الخارجي". ولا بد لكل سياسية من
حوكمة. والحوكمة المائية ترتبط بالشفافية في إدارة المياه وباستقلالية القرار
بعيدا عن التأثيرات والضغوط. وكما في السياسة عامّة لا بد في السياسة المائية من
المسؤولية في اتخاذ القرارات ومن مسائلة أصحاب القرار عن كيفية إدارة الموارد المائية تحقيقا لما بات بعرف
بالأمن المائي ويصنّف باعتباره أحد مكونات الأمن القومي.
ولا بد من التمييز هنا بين مفهومين يبدوان
متشابهين هما الأزمة المائية وللإجهاد المائي. فالمصطلح الأول يعبّر عن حالة العجز
المائي الشديد نتيجة لعدم كفاية المتاح منه لتلبية الطلب عليها، وله تبعاته على
المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. أما المصطلح الثاني فنصل إليه عندما يكون
معدل فقد الماء بالنتح أو البخر أعلى من معدل امتصاص الماء من التربة. وله تبعاته
على نمو أنسجة النبات.
ـ 3 ـ
يحيلنا الحديث عن سياسات الدّول المائية
والحوكمة وإبرامها للمعاهدات الثنائية أو الإقليمية أو الدولية على دور الماء في
توتير العلاقات بين الدول المتشاطئة. ويشير المصطلح إلى الدول التي تشترك في روافد
المجاري النهرية أو منابع المياه السطحية أو المخزون الجوفي منها. وهي كثيرة جدّا.
ومع ذلك يفتقر القانون الدولي إلى تقنين صارم لاقتسام الماء وتنظيم العلاقات
بينها. فاتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية التي
أقرتها الأمم المتحدة تنصح بعقد اتفاقيات بين دول المجاري المائية. وتدعوها إلى
التشاور والتفاوض بحسن نية لضبط بنودها.
ورغم أنها تنص على ضرورة انتفاع دول
المجرى المائي، كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة
ومستدامة فإنها تغرق في الخطاب الإنشائي الذي يقدّم حسن النوايا وبعيدا عن التصوّر
الواقعي. فلا معنى لتأكيدها لضرورة أخذ العوامل الجغرافية و الهيدروغرافية
والهيدرولوجية والمناخية والايكولوجية والحاجات الاجتماعية والاقتصادية لدول
المجرى المائي المعنية بعين الاعتبار ولا وقع لدعوتها إلى التزام الشركاء بعدم
التسبب في ضرر ذي شأن واتخاذ كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي
شأن لدول المجرى المائي الأخرى أو بعدم التعسف في اعتماد الحق، طالما أنها غير
ملزمة ولا تتضمن إجراءات عقابية.
ـ 4 ـ
تشترك عشر دول في حوض النيل. تعتبر كلها
تقريبا دولا فقيرة وتسعى بعناء لتوفير الغذاء لمواطنيها. وجميعها في حاجة ملحة
للماء لأسباب كثيرة. فقلة التساقطات عامة وعدم وانعدام وجود مصادر داخلية كافية
تصنّف هذا الحوض ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة. فمن مظاهر الأزمة الحاجة للمياه
الصالحة للشرب ونضوب المياه الجوفية مما يؤدي إلى تناقص كبير في الغلال الزراعية
والإفراط في تلوث موارد المياه وإلحاق الضرر بالتنوع الحيوي.
والتغيرات المناخية وتوزيعها غير الثابت
يفاقمان من هذه الأزمة. أضف إلى ذلك أنّ الجهود العلمية الرامية إلى توفير مياه
عذبة، كتحلية مياه البحر بالطاقة النووية أو الطاقة الشمسية، ما زالت بطيئة وغير
متاحة لمختلف الدول وأنّ الاستفادة من المياه الجوفية ما تزال محدودة وأنّ
السياسات المائية غير ناجعة. فكمية المياه التي تتبخر في الأحواض والسدود
والبحيرات كبيرة جدا.
ـ 5 ـ
تفرض مشكلة المياه في منطقة أعالي النيل
وحوضه نفسها باعتبارها معضلة كبرى تنذر بصراعات دولية وحروب مستقيلية. فالأمن
المائي لهذه الدّول يرتبط أساسا بنهر النيل شأن
السودان ومصر واريتيريا وكينيا.
ومن الحلول الممكنة بناء السدود. فهو يضمن حقوق الأهالي في التنمية، شرط احترام
حقوق الشركاء في المياسة وعدم الإضرار بمصالحهم. وفي سد النهضة الأثيوبي على سبيل
المثال، احتجاز لحقوق الدول المتشاطئة واعتداء على أمنها المائي والغذائي والقومي.
فالدراسات تقدّر أنّ متاعب السودان ومصر مائيا ستظهر تصاعديا في المستقبل وأنّ
الضرر سيشمل ليبيا أيضاً بما أن مقدارا هاما من مياه جنوب شرق البلاد الجوفية يرد
من النيل.
وما يؤزم الوضع أكثر، أنّ هذه الدّول تفتقر
إلى إستراتيجية للتعاون في إدارة مياهها وفي حلّ خلافاتها. ورغم كثرة الاتفاقيات القانونية المبرمة بينها
أو بين أطراف منها تظهر في كل حين أطراف أخرى لتعلن رفضها لها وتمرّدها عليها بحجج
مختلفة أو لتفسرها بما يرجّح مصلحتها على حساب مصلحة شركائها في المياه. فالسودان
ومصر تصران على اعتبار اتفاقية أديس أبابا 1902 التي تلزم السلطات الأثيوبية بعدم إنجاز أن أعمال تعيق تدفق مياه
النيل إلى
مصر، وثيقة مرجعية يجب اعتمادها عند اقتسام الماء. وتتمسك باتفاقيات
1929 و 1959 التي تمنحها حصة ثابتة من المياه، بينما تتخوف من السيطرة المفترضة
لدول المنبع على الموارد المائية.
أما أثيوبيا فتتمسك باتفاقية عنتيبي للتعاون
في حوض النيل، التي تتضمن نصاً يمنح السيادة الكاملة لكل دولة من دول المنابع على
مواردها المائية العابرة للحدود، وحقها في الحصول على ما تحتاجه من حصص مائية بصرف
النظر عن حاجة دولة المصب. وتعلن الملكية المطلقة لهذه الدّول للمياه المتدفقة على
أرضها أو الكائنة في بحيراتها.
حاولت الباحثة ضمن عمل توثيقي تحليلي ضخم أن تحيط بأزمة المياه في حوض النيل وأن تحلل أبعادها الإستراتيجية والسياسية بكثير من العمق. وكانت تعتب على المجتمع الدولي تراخيه في سن القوانين الملزمة باقتسام الماء بين الدول المتشاطئة على نحو عادل وباعتماد معايير واضحة.
وتمثل اتفاقية عنتيبي التي تعرف
بـ "الإطار التعاوني لحوض نهر النيل" 2010، تحالفا لدول المنابع (كينيا
وأوغندا وأثيوبيا وتنزانيا وروندا) وانقلابا ينقل النفوذ في التّحكم في مياه الحوض
إليها على حساب دول المصب وتجسيدا للخطة
الإسرائيلية التي تقضي ببيع كل دولة فائضها من المياه.
وبعد أن استولت على مياه اليرموك وبحيرة
طبريا ها أن يد إسرائيل توضع على نهر النيل. فتساعد إثيوبيا وبعض الدول الإفريقية
في بناء السدود لاحتجاز مياهه، في صيغة جديدة من صيغ تآمرها على الأمن القومي
العربي. وهذا يعني خطر اندلاع حروب بين دول الحوض يخوضها بعضها بالوكالة عن
إسرائيل.
ـ 6 ـ
لا تكتفي الباحثة بتشخيص أزمة المياه في حوض
النيل وعرض أسبابها وتحولات العلاقات بين أطرافها وخطر تسببها في حروب مستقبلية.
فتعمل على البحث عن حلول ممكنة. وترى أن دولتي السودان ومصر، المتضررتين من تمرّد
دول المنابع، تتحصنان بعدد من الاتفاقيات وتقدران أنها تضمن لهما حقوقهما
التاريخية في مياه نهر النيل. ولكن ذلك لم يعد كافيا بحكم التحولات على الأرض.
فأثيوبيا التي أصبحت لاعبا إقليميا فاعلا مثلا، تعلن باستمرار بأنها تملك مياه
النيل الذي ينبع من أراضيها. وعليه فمن حقها إقامة مشاريعها التي تخطط لها بما
يناسب مصلحة شعبها، الذي عانى من المجاعات. ولا تتردد في التأكيد على أنّها ستمضي
في مخطّطاتها وإن أدّى ذلك إلى قطع المياه
عن الدول الأخرى. ومثل هذا السلوك المتمرّد لا يولّد إلا التوتر ، خاصّة أنّ دولا
من خارج الحوض تعمل على تغذية هذا الصراع.
وعليه فالحاجة، وفق ما تقدّر الباحثة، باتت
أكيدة إلى إنشاء إطار قانوني مؤسسي جديد يضم كل دول الحوض لتجاوز الخلافات القائمة
حاليا. وانطلاقا من رصدها لخطورة الوضع المائي وهشاشة العلاقات بين الدول
المتشاطئة وتدخل الأطراف الأجنبية والإقليمية في الصراع تدعو إلى إستراتيجية مائية
إفريقية عربية تتجاوز الخلافات على الأصعدة السياسية وتأخذ في اعتبارها البعد
الإقليمي لهذه القضية. فتعيد هيكلة الاتحاد الإفريقي وتبعث هيئة إفريقية تختص في
مسائل المياه، من حيث الدراسات والأبحاث واقتراح المشاريع المختلفة التي تخدم
الشعوب وتساعدها على استغلال مواردها المائية الاستغلال الأمثل. وتحثّ بلدان الحوض
العربية إلى ضرورة الانتباه إلى التحركات الإسرائيلية في الشرق الإفريقي لحماية
مصالحها من المشاريع الصهيونية التخريبية. فتستعمل الحوار والقوة الناعمة في
التعامل مع دول المنابع والتعويل على
أدوات ضاغطة وتستغلّ مختلف فرص التعاون للوصول إلى اتفاق نهائي يضمن استفادتها من
موارد النهر ومواجهة الاختراقات الخارج.
ـ 7 ـ
حاولت الباحثة ضمن عمل توثيقي تحليلي ضخم أن
تحيط بأزمة المياه في حوض النيل وأن تحلل أبعادها الإستراتيجية والسياسية بكثير من
العمق. وكانت تعتب على المجتمع الدولي تراخيه في سن القوانين الملزمة باقتسام
الماء بين الدول المتشاطئة على نحو عادل وباعتماد معايير واضحة. وتعيب عليه تعويله
على حسن النية لحسم الصراع على الماء في زمن بات فيه العنصر الأهم في الأمن القومي
لعديد الدّول. ولكن حين قدّمت تصورها لحل معضلة الحوض، ورغم أن عنوان كتابه يربطها
بالصراع على البقاء، عوّلت بدورها على حسن نوايا دول المنابع وعلى تفهمها لحاجات
شركائها في المصبّ والحال أنها تعلن تمرّدها وأنها لم تفعل ذلك إلا لمعرفتها بأن
السياسة الدّولية لا تمنح مكانا في ناديها إلا للأقوياء.
فكيف سيقلب العرب المعادلة في الصراع
لصالحهم اليوم وهم أصبحوا فاقدين لأسباب القوة وعناصر الضغط إقليميا ودوليا؟ وليس أدل ذلك من أنّ السودان كافأت إسرائيل
التي تتآمر على بطون شعبها بتطبيع العلاقات معها. أما مصر فتكتفي بالفرجة وبخطابات
الشجب بين حين وآخر. هذا هو الوجه الثاني من المعضلة التي أهملته الباحثة.