قضايا وآراء

لقاء باريس بين وزير سوري ووزير إسرائيلي.. تفاهم أمني أم منزلق تطبيع؟

إبراهيم محمد عكاري
سورية ستبقى حرة وموحّدة، وشعبها يقظ في مواجهة محاولات تصفية حقوقه، مؤمنًا أن أي تفاهم مشروع يجب أن يكون وسيلة لحماية الأرض والدم، لا مدخلًا للتفريط بها.
سورية ستبقى حرة وموحّدة، وشعبها يقظ في مواجهة محاولات تصفية حقوقه، مؤمنًا أن أي تفاهم مشروع يجب أن يكون وسيلة لحماية الأرض والدم، لا مدخلًا للتفريط بها.
في خضم الأحداث المتسارعة في غزة وفلسطين عمومًا، جاء خبر اللقاء الذي عُقد في باريس بين وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد حسن الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم براك، ليشكل صدمة واسعة النطاق.

انقسمت ردود الأفعال بين مؤيدين أصابهم القلق والارتباك، ومعارضين اعتبروا الخطوة خطأً استراتيجيًا ودليلًا على عدم مصداقية القيادة الجديدة، بل اتهموها بأنها تسير ضمن أجندة غربية تمهّد للتطبيع مع العدو.

الهدنة من منظور التاريخ الإسلامي

لم تكن الهدن والمعاهدات في تاريخنا الإسلامي خضوعًا أو تفريطًا، بل كانت وسيلة لإدارة الصراع وحفظ الدماء، كما في صلح الحديبية، تفاهمات صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين، أو الهدن التي عُقدت في أواخر حكم المسلمين في الأندلس.

الحروب التي تشنها إسرائيل تمثل محطة خاصة في تاريخ الصراع الإنساني، إذ تمارس الدولة العبرية كل أشكال الإجرام: قتل وتجويع للمدنيين، حصار للشعوب، وتدمير المدن، كل هذا بعقلية توراتية توسعية مضللة. وما يزيد خطورتها أنها تحظى بتأييد واسع من الشرق والغرب، يقابله صمت وخنوع من حكام عرب ومسلمين، فيما يدفع الشعب الفلسطيني ومعه شعوب المنطقة أثمانًا باهظة من الدماء والكرامة.
ويكفي أن نستحضر ما ذكره القاضي ابن شداد ـ قاضي العسكر في عهد صلاح الدين ـ إذ سأله يومًا: "من يراك تفاوض الصليبيين يظن أنك لن تقاتل، ومن يراك تُعِدّ للمعركة يظن أنك لن تهادن." فأجابه صلاح الدين بأن الحكيم هو من يجمع بين الاستعداد للحرب والقدرة على المهادنة إذا اقتضت المصلحة.

وهذا يبيّن أن الهدنة ليست خيانة في ذاتها، وإنما تُقاس بغاياتها وحدودها ونتائجها.

خصوصية الصراع مع إسرائيل

الحروب التي تشنها إسرائيل تمثل محطة خاصة في تاريخ الصراع الإنساني، إذ تمارس الدولة العبرية كل أشكال الإجرام: قتل وتجويع للمدنيين، حصار للشعوب، وتدمير المدن، كل هذا بعقلية توراتية توسعية مضللة. وما يزيد خطورتها أنها تحظى بتأييد واسع من الشرق والغرب، يقابله صمت وخنوع من حكام عرب ومسلمين، فيما يدفع الشعب الفلسطيني ومعه شعوب المنطقة أثمانًا باهظة من الدماء والكرامة.

بين تفاهم أمني وتطبيع محتمل

يمكن تفهّم أي لقاء إذا كان في إطار تفاهم أمني محدود ومؤقت، لكنه يصبح مرفوضًا إذا تحوّل إلى خطوة أولى نحو مسار سياسي أو تطبيع تدريجي. فقد رأينا كيف بدأت تجارب عربية كثيرة بخطوات صغيرة تحت شعار منع التصعيد، ثم انتهت إلى فتح سفارات وتغيير المناهج وتمييع الخطاب الإعلامي.

واجب القيادة السورية

الثقة بالقيادة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع وحكومته، لا تزال كبيرة، نظرًا لكونهم جاءوا من رحم الثورة ونضالها الطويل، وليس عبر مكر أو مؤامرات.

لكن للقيادة واجبات واضحة:

ـ عدم تجاوز صلاحياتها في اتخاذ أي قرارات مصيرية تتعلق بالوطن والسيادة.

الثقة ما زالت قائمة بأن القيادة الجديدة لسورية، كما الشعب السوري، لن يفرّطوا ـ بعون الله ـ في قضايا الدين والوطن والمواطن. غير أن الحذر يبقى واجبًا، فالتنازلات غالبًا تبدأ بخطوة صغيرة ثم تتحول إلى سياسة كاملة تخدم المحتل. والشعب سيظل شريكًا فاعلًا، لا مجرد متفرج، في حماية الوطن وصون حقوقه.
ـ الشفافية والصراحة مع الشعب فيما يُطرح، فالثقة المطلقة لا تدوم في ظل الصمت وعدم الوضوح.

ـ تسريع بناء مؤسسات شورية ورقابية لضمان العدل والمساواة.

ـ استثمار الثقة الشعبية لبناء دولة معاصرة، راسخة في هويتها، عادلة في نظامها، قوية في مواقفها.

واجب الشعب السوري

الشعب السوري الذي صمد أكثر من أربعة عشر عامًا وقدم تضحيات هائلة، من حقه أن يسائل:

هل اللقاء مجرد تفاهم أمني لحماية الحدود؟ أم أنه بداية لمنزلق يهدد الحقوق السورية والفلسطينية؟

الثقة ما زالت قائمة بأن القيادة الجديدة لسورية، كما الشعب السوري، لن يفرّطوا ـ بعون الله ـ في قضايا الدين والوطن والمواطن. غير أن الحذر يبقى واجبًا، فالتنازلات غالبًا تبدأ بخطوة صغيرة ثم تتحول إلى سياسة كاملة تخدم المحتل. والشعب سيظل شريكًا فاعلًا، لا مجرد متفرج، في حماية الوطن وصون حقوقه.

الموقف الذي أجمع عليه السوريون هو ذاته: لا تفريط، لا خضوع، لا تطبيع.

سورية ستبقى حرة وموحّدة، وشعبها يقظ في مواجهة محاولات تصفية حقوقه، مؤمنًا أن أي تفاهم مشروع يجب أن يكون وسيلة لحماية الأرض والدم، لا مدخلًا للتفريط بها. وسيبقى أمل الأمة معقودًا على وعي الشعوب وصمودها في وجه كل محاولات الاختراق.
التعليقات (0)