ما
زال الاسرائيليون منقسمين إزاء
العدوان الأخير على
سوريا، بين من يراه خطوة لخلق
الردع وتشكيل قواعد اللعبة ضد النظام الجديد، وآخرون يدعون لعدم التصعيد معه، والحذر
من كسر الأدوات أمامه.
وذكر إيتاي
ميدينا، الباحث في مركز شاشا للدراسات الاستراتيجية في الجامعة العبرية، أنه
"بعد أيام قليلة من اندلاع الأحداث الدموية في السويداء، والرد الإسرائيلي
العنيف الذي أعقبها، يعمل الأميركيون بشكل حازم على جلب الأطراف المتحاربة لاتفاق
لوقف إطلاق النار، بما فيها موافقة الجيران في إسرائيل وتركيا والأردن، ولكن حتى لو
صمد وقف إطلاق النار هذا، فلن يكون كافيا لإطفاء الجمر المشتعل تحت السطح، وإنهاء
الأزمة الطائفية في سوريا، التي لا تزال تحدياتها قائمة".
وأضاف
في
مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أنه "في هذه المرحلة، سيتعين على إسرائيل أن
تدرس استمرار سياستها تجاه الساحة السورية: هل تستمر في التمسك بالسياسة التي
تقودها الولايات المتحدة نحو "سوريا موحدة تحت حكم
الشرع"، والموافقة
على خصائصها الجهادية، أو تصوغ استراتيجية أخرى تتضمن التعبير عن عدم الثقة في
النظام السوري الحالي، وتشجيع عملية تقسيم سوريا إلى فصائل، أو على الأقل فصل
الدروز عن الدولة السورية تحت رعاية إسرائيلية".
وأشار الباحث إلى أن "البديلين المذكورين تمت مناقشتهما في الأروقة السياسية الاسرائيلية، ورغم
أن أياً منهما ليس مثاليا، إلا أنني أعتقد أن هناك خياراً أكثر صحة في الوقت
الحاضر، ويتمثل بأن تترك دولة إسرائيل سوريا للسوريين، وتتجنب التدخل المفرط في
العمليات الداخلية فيها، وتعمل على تعزيز مصالحها على الساحة، مع قبول حكم الشرع،
ومواصلة الحوار المباشر أو غير المباشر معها".
وزعم
أنه "في ظل هذا البديل الاستراتيجي، وفي إطاره، يمكن اعتبار العدوان الأخير
على سوريا في الأيام الماضية باعتباره نقل رسالة واضحة إلى جمهورين مستهدفين
مختلفين: داخلياً تعبير مهم عن الثقة والتضامن مع الدروز، خاصة خلال فترة طويلة من
القتال على عدة جبهات، و"تفانيهم" كشريك مع اليهود في "تحالف الدم والمصير"
مع الدولة؛ وخارجياً بتعزيز الردع، وتشكيل قواعد واضحة للعبة في مواجهة النظام
السوري والولايات المتحدة وتركيا ودول المنطقة بشكل عام".
وأوضح ميدينا أن "سياسة النار والحوار أصبحت بمثابة استراتيجية تحويلية في كل
ساحات العمل التي تعمل فيها إسرائيل لتحقيق أهدافها، وهذه استراتيجية لا
تعمل بشكل تسلسلي، أي أنها ستنهي الحرب، ثم تنتقل إلى الاتفاقيات، بل تتضمن
استخدام القوة كعنصر أساسي في صياغة الإنجازات السياسية، أثناء حدوثها، وبشكل
متكامل، وهكذا تعمل في لبنان وغزة، والآن في سوريا، وبهذه الطريقة تنجح في خلق ردع
عسكري يؤدي للتأثير السياسي، وتضمن فعالية العملية السياسية".
كما حذر من أن "البديل المتمثل في تفكك سوريا ليس في صالح إسرائيل بالتأكيد، لأنه سيكون
فرصة لنمو وعمل العناصر المعادية بحرية، وستسعى بالتأكيد لاستغلال الفراغ،
والسيطرة على مناطق في سوريا، والعمل من هناك ضدها، خاصة الإيرانيين وميليشياتهم، وربما
حتى حزب الله، الذي سيعيد تموضعه في الساحة، وتنظيم "الدولة الإسلامية"
(داعش)، وحتى الأتراك، الذين سيجدون ذريعة متجددة للتدخل المفرط في الساحة".
اظهار أخبار متعلقة
وأردف الباحث أن "هذا المسار من العمل تماشى مع السياسة الأميركية في المنطقة، وهذا في حدّ
ذاته سبب كافٍ للتفكير فيه في ضوء إيجابي، لأن إدارة ترامب ستواصل التمسك بالرئيس الشرع،
ومنحه كل الدعم والأدوات اللازمة للنجاح في توحيد سوريا تحت علم واحد وسلاح واحد،
مع دفعه لأحضان العالم السني المعتدل، وإبعاده عن تركيا ومنظماتها الجهادية الأم".
وشدد أنه "إذا انقسمت سوريا إلى فصائل، فقد يقرر ترامب التخلي عنها، ويتركها للقوى
العاملة على الأرض، أما إسرائيل فلها مصلحة بالحفاظ على الوجود والمشاركة
الفعالة للولايات المتحدة في كل الساحات التي يتم إعادة تشكيلها، بما فيها الساحة
السورية".
ودعا
إلى أن "تكون كل خطوة تقوم بها هناك يجب أن تبقى في إطار التفاهمات مع
الأميركيين، مما يستدعي إنشاء آلية تدخل أميركية إسرائيلية سورية سريعة تضمن عملاً
فعالاً ومنسقاً لمنع إراقة الدماء في حال اندلاع نزاع جديد على الأرض؛ وإنشاء نظام
استخباراتي وآلية إبلاغ موثوقة، تسمح بتقييم الوضع بشكل موثوق على أساس واقعي أكثر
صلابة، في حال وقوع "حادث دموي" متكرر.
وأوضح
أن "سوريا تمر بمرحلة تشكل ينبغي أن ننظر إليها كفرصة إسرائيل، بعد
سنوات طويلة شكلت فيها الساحة خطرا كبيرا على أمنها القومي من حيث تعزيز قوة
العدو واستخدامها، وهي بحاجة لإظهار مشاركة فعالة فيها، وأن تكون شريكة في صياغة
قواعد اللعبة، مع إظهار الصبر على العمليات الداخلية، والتعقل في استخدام القوة، بما
لا يؤدي لانهيار النظام، أو تراكم النقاط السلبية مع القوى المعادية في الساحة، أو
مع الشركاء في المنطقة".