كتاب عربي 21

هل انتصرت إيران في الحرب؟

محمد عايش
بورصة تل أبيب قصف - منصة إكس
بورصة تل أبيب قصف - منصة إكس
سؤال المهزوم والمنتصر يُطرح دوماً بعد كل حرب، وهو سؤال بالغ التبسيط والتسطيح لمسألة بالغة التعقيد والتشابك؛ ذلك أن أغلب الحروب العسكرية حالها حال أغلب القضايا السياسية، بل أغلب العلاقات الانسانية، ليست صراعات صفرية في الغالب، ولا هي مباريات كرة قدم ولا مسابقات للحصول على جائزة ومن يُحقق فيها النقاط الأكثر يكون الفائز أو الغالب أو المنتصر.

الحرب بين إيران واسرائيل التي استمرت 12 يوماً انتهت بـ"لا غالب ولا مغلوب"، حالها في ذلك حال الحرب على غزة المستمرة منذ 19 شهراً والتي لا يُمكن حتى هذه اللحظة الحسم فيها بأن ثمة طرف قد انتصر على الآخر، إذ لم تُحقق اسرائيل أهدافها من هذه الحرب كما لم تستسلم حركة حماس أو تلقي سلاحها، وعليه فإن الحديث عن خسائر كل طرف في هذه الحرب لا يُمكن أن يكون الطريق للاستدلال على المنتصر أو المهزوم.

في الحرب الايرانية الاسرائيلية لا يُمكن لأحد الحسم بأن طرفاً ما قد انتصر والآخر قد انهزم، لكننا نستطيع الجزم بأن كلاً من إيران ودولة الاحتلال قد حققا إنجازات استراتيجية لم تكن لتتحقق لولا هذه الحرب، وهي تحولات سيكون لها ما بعدها في قادم الأيام، وستتغير حسابات كل طرف في التعاطي مع الآخر اعتباراً من الآن، وتبعاً لنتائج هذه الحرب.

في هذه المعركة أبلغت اسرائيلُ المنطقة، وعلى رأسها إيران، بأنها لن تسمح بتشييد مشروع نووي منافس، وأنها يُمكن أن تستخدم القوة العسكرية المباشرة من أجل تعطيله، وهذا لم يحدث من قبل مطلقاً، لكن القدرة العسكرية لاسرائيل أصبحت مكشوفة وتبين بأن هذا "الغول" الذي يُرعب المنطقة لم يتمكن من ضرب المفاعلات النووية الإيرانية وانتظر 12 يوماً حتى تدخلت الولايات المتحدة ونفذت المهمة خلال ساعات قليلة. وهذا يعني بالضرورة أن ضرب إيران يحتاج لقوة لا تتوافر لدى الاسرائيليين باختصار، ولولا الولايات المتحدة لغرقت تل أبيب في حرب استنزاف مدمرة كان من الممكن أن تستمر طويلاً.

على المستوى الايراني حققت إيران الكثير من الانجازات الاستراتيجية التي تشكل تحولاً في المنطقة، فقد تبين بأنها تمتلك قوة ردع لا يستهان بها أمام اسرائيل، وتبين بأنها قادرة على ضرب تل أبيب وتجاوز كافة الدفاعات الجوية الاسرائيلية وتلك الموجودة في دول الجوار، وهو ما يعني أن اسرائيل ستحسب ألف حسابٍ لإيران اعتباراً من الان قبل أن تدخل معها في مغامرة عسكرية.

كما أثبتت إيران في هذه الحرب بأنها قوة إقليمية لا يُستهانُ بها ولا يُمكن تجاهلها، وليست "ظاهرة صوتية" كما كان يحلو لأعدائها تصويرها في السابق، فقد ردت على الاعتداءات الاسرائيلية في كل مرة، وعندما قررت اسرائيل الدخول في حرب تمكنت من هذه الحرب، وظلت توجه الضربات لاسرائيل حتى آخر لحظة سبقت وقف إطلاق النار.

انتهت الحربُ بين إيران واسرائيل بوقف لإطلاق النار أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وليس باستسلام أي من الطرفين، كما أن مصير المشروع النووي الإيراني لا يزال مجهولاً وسط تقارير متباينة تتحدث عن أن المواد المهمة تم نقلها من داخل المفاعلات التي قصفتها الطائرات الأمريكية الى مكان آمن. 

وقفُ إطلاق النار أنقذ الطرفين من حرب استنزاف طويلة الأمد، وأنقذ المنطقة من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والعنف، وأنهى هذه الحرب دون أن يكون ثمة غالب أو مغلوب. 
التعليقات (0)