قضايا وآراء

قمّة الرياض وقمّة بغداد!

جاسم الشمري
"تحاول حكومة بغداد لَفْت الانتباه للقمّة، وأدخلت جميع أجهزتها الأمنيّة والعسكريّة حالة الإنذار القصوى لحين انتهاء القمّة!"- الأناضول
"تحاول حكومة بغداد لَفْت الانتباه للقمّة، وأدخلت جميع أجهزتها الأمنيّة والعسكريّة حالة الإنذار القصوى لحين انتهاء القمّة!"- الأناضول
ساعات قليلة تفصلنا عن القمّة العربيّة (34) في العاصمة العراقيّة بغداد، وذلك بعد أربعة أيّام من قمّة الرياض التي جمعت قادة دول الخليج العربيّ بالرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب.

وقبل قمّة بغداد كَتَب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، يوم 10 أيّار/ مايو الحاليّ، مقالا في صحيفة الشرق الأوسط السعوديّة حاول فيه كيل المديح لحكومته، وختمه بالقول: "نحن نُشارك في إعادة رسم ملامح الشرق الأوسط، عبر سياسة خارجيّة متوازنة، وقيادة واعية"!

ولكنّ التطوّرات الأخيرة لم تكن في صالح السوداني إذ تتزامن قمّة بغداد بعد قمّة الرياض، وهذا يعني أنّ الاهتمام الأبرز سُلّط على قمّة الرئيس ترامب في السعودية!

ومع ذلك تحاول حكومة بغداد لَفْت الانتباه للقمّة، وأدخلت جميع أجهزتها الأمنيّة والعسكريّة حالة الإنذار القصوى لحين انتهاء القمّة! وتسعى الحكومة لتأمين أعمال القمّة بأكثر من 600 ألف منتسب أمنيّ، ولكنّ الحديث الدائر في الغرف المظلمة يؤكّد أنّ السوداني يحاول استغلال القمّة لترتيب وضعه الانتخابيّ، ولتكون دعاية كبيرة لحزبه "تيّار الفراتين" ومن المال العامّ، وهذا لا يتأقلم مع ما تُعْلنه حكومته من محاربتها للفساد!

القمّة تُعقد في أجواء قلقة، وعليه من المستبعد أن تُحدث نتائجها تحوّلًا جذريًا في السياسات العربيّة، خصوصا بعد قمّة الرياض، ولقاء الرئيس ترامب بالرئيس السوريّ أحمد الشرع

والذي يعنينا أنّ العمليّة السياسيّة العراقيّة، ورغم محاولات تلميع صورتها، تعاني من معارضة حقيقيّة وضخمة داخل البلاد وخارجها، ولكنّ القوى الحاكمة تتجاهلها، وكأنّ الأسلوب الأمثل هو "سياسة النعامة"، ووضع الرأس في الرمال دون قراءة المشهد العامّ!

وبالتزامن مع قرب انعقاد قمّة بغداد تستمرّ المشاحنات السياسيّة ومنها تجاهل الشخصيّات والأحزاب "الأقوى من الدولة والقانون" لواجبات الحكومة الضروريّة، ومن بينها تأكيد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الأحد الماضي: "والله إنّ الحشد الشعبيّ لن يُحلّ، ولا يُدمج في أجهزة الدولة"! وهذا الكلام فيه رفض علنيّ للدعوات الحكوميّة بحصر السلاح بيد الدولة!

هذه المراهقات السياسيّة عبثية، ويفترض التوجه لترميم البيت العراقيّ، ومعالجة الخلل في إدارة الدولة، وخصوصا ونحن نتحدّث عن فعاليّات بعيدة كلّ البعد عن العدالة والتعايش والسلم المجتمعيّ، وبالذات بين الفصائل المسلّحة ورئيس الحكومة، والاعتراض الحاليّ على رفع الحكومة لصور قتلى قادة الحشد الشعبي من شارع مطار بغداد الدوليّ!

ولتخفيف حدّة التناحر القائم، أكّد السياسي عبد الرحمن الجزائري أنّ قاآني، قائد فيلق القدس الإيرانيّ، "وصل لبغداد لتأمين القمّة العربية"! فما واجبات رئيس الحكومة والقائد العامّ للقوّات المسلّحة، إن كان قاآني هو الذي يُؤَمِن قمّة بغداد؟

ومن السياسات العبثية عدم التطبيق الحقيقيّ لقانون العفو العامّ الذي أُفرغ من محتواه، وغيرها من صور الخلل!

وبخصوص القمّة المقبلة، يبقى التفاعل السياسيّ والشعبيّ المتعلّق بتكلفتها الباهظة هو الأبرز في الشارع العراقيّ، حيث أفاد النائب زهير الفتلاوي أنّ "تكاليف القمّة بلغت نحو 600 مليون دولار"!

ويبدو أنّ هذه الأموال قُسّمَت على الضيافة وملحقاتها، ومنها "استيراد 1000 سيارة BMW موديل 2025، سعر الواحدة أكثر من 85 ألف دولار" لاستخدامها خلال القمّة!

وذكر السياسيّ وائل عبد اللطيف أنّ "تكلفة تبليط شارع مطار بغداد بلغت 100 مليون دولار"، وأنّ الحكومة أنفقت 13 مليون دولار "لشراء الملاعق والسكاكين والشوكات للضيافة"، فيما قال النائب "مصطفى سند" إنّ "سعر القلم الواحد لكبار المسؤولين بلغ 12 ألف دولار"!

فهل القمّة مناسبة لطور جديد من الفساد الماليّ في بلاد تُعاني من آفاتِ فساد حَرَق أموال الدولة والناس!

وبمناسبة القمّة المقبلة، ذَكّر مركز الرافدين للعدالة باعتقال "3500 شخص قبل القمّة العربيّة ببغداد في العام 2012، وإلى اليوم لا يُعرف مصيرهم"!

وتأكيدا لسياسة تكميم الأفواه، منعت حكومة بغداد تنظيم أيّ تظاهرة للفترة من 11 ولغاية 20 من الشهر الحاليّ مهما كانت أسبابها، وهناك "تعليمات باعتقال مَن يحاول التظاهر"!

الملاحظ أنّ القمّة تُعقد في أجواء قلقة، وعليه من المستبعد أن تُحدث نتائجها تحوّلًا جذريًا في السياسات العربيّة، خصوصا بعد قمّة الرياض، ولقاء الرئيس ترامب بالرئيس السوريّ أحمد الشرع!

نحلم بعودة العراق لحضنه العربيّ، ولكنّنا نأمل أنّ يكون العراق الجامع لجميع المواطنين وليس لطائفة منهم فقط!

ويبدو أنّ قرار الرئيس ترامب برفع العقوبات عن سوريّا سحب البساط من أيّ أهمّيّة مرتقبة لقمّة بغداد المقبلة، وخصوصا بعد اللغط العراقيّ المتعلّق بمعارضة حضور الرئيس الشرع للقمة!

وقد حسم الرئيس ترامب الجدل بخصوص مخرجات قمّة بغداد بقوله: "إنّ الأعاجيب التي تحدّث في الرياض وأبو ظبي لم يقم بإنشائها هؤلاء الذين ينفقون تريليونات الدولارات ويفشلون في التطوير، كما حدث في بغداد وكابول وغيرهما"!وهذا الكلام فيه الكثير من الألغاز التي ستَظهر تداعياتها خلال المرحلة القادمة!

والأخطر من ذلك التصريح المرعب لوزير الخارجيّة العراقيّ الأسبق هوشيار زيباري قبل أربعة أيّام، وقوله: "الوضع سيتفجّر نهاية الشهر، أو منتصف الشهر المقبل، في المنطقة، والعراق سيكون في قلب العاصفة"!

فهل ستكون قمّة بغداد بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار للشرق الأوسط، أم أنّ نتائجها ستظلّ محدودة التأثير؟ ولا أدري بعد القمّة الخليجيّة في الرياض واجتماعات الدوحة ماذا بقي من دور مرتقب لقمّة بغداد!

نحلم بعودة العراق لحضنه العربيّ، ولكنّنا نأمل أنّ يكون العراق الجامع لجميع المواطنين وليس لطائفة منهم فقط!

x.com/dr_jasemj67
التعليقات (0)