منذ تأسیس الجمهوریة العراقیة على يد
البريطانيين عام 1921 وإلحاق ولاية الموصل (منطقة كردستان) بولاية بغداد والبصرة
قسرا وإطلاق اسم
العراق عليها "والذي كان يطلق على المنطقة الممتدة من تكريت
شمالا حتى عبادان جنوبا في السابق".
طوال هذه الفترة الطويلة من الدمج الإجباري، عانى الشعب الكردي الأمرين على يد الأنظمة المتعاقبة لهذه الدولة الهجينة غير
المتناغمة قوميا ودينيا وثقافيا وتخضعه لسياساته القمعية وتستخدم إقليمه كحقل
تجارب لأسلحتها العسكرية الفتاكة المحرمة دوليا مثل قنابل النابالم المحرمة دوليا
التي استعملتها في سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي ضد الشعب الكردي وفي
الثمانينات (1988) من نفس القرن ضرب نظام البعث الصدامي القنابل الكيمياوية على
مدينة الحلبجة وقتلت الآلاف من الناس الأبرياء تزامنا مع تصفية 182 ألف إنسان بريء في عملية إبادة جماعية سميت بـ"الأنفال"
تيمناً بالسورة القرآنية التي نزلت بعد معركة "بدر" وهي تعني الغنائم.
وقد تكون هذه الإبادات الجماعية المروعة
التي تعرض لها الكرد مقصودة ومنظمة لأنهم دافعوا بإخلاص عن الإسلام وحاربوا أعداءه
و"كانوا بحق رأس حربة الإسلام"، على حد قول الكاتب المصري الدكتور فهمي
الشناوي و"لم يصادف أن ظهر بينهم أحد يشق عصا الطاعة على الخلفاء وأولياء
أمور المسلمين ويثور عليهم أو يدعو إلى أفكار وفلسفات دخيلة تناقض مبادئ الإسلام،
ولم تظهر في بلدانهم فرق وجماعات خارجة عن الإسلام تدعو إلى البدع والضلالة!".. ويضيف الشناوي: ".. وبرز منهم قادة فكر وسياسة عظام ساهموا بشكل مباشر في
التقدم الحضاري والثقافي الذي شهدته الأمة عبر تاريخها الطويل".
كل هذه التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الكردي في إقليم كردستان لم تشفع له لدى التحالف الدولي بقيادة أمريكا من تأييد ودعم لعملية الاستفتاء التي أجريت في الإقليم عام 2017 والتي أقرت بالاستقلال وإقامة الدولة القومية للكرد! هذا التحالف الغربي بقيادة أمريكا لم يرفض الاستقلال الكردي فحسب بل أعطى الضوء الأخضـر لحكومة العراق وقواته الميليشياوية بالزحف على المدن الكردية وطرد القوات الكردية منها وانتزاع مدينة كركوك "قدس الأقداس" من قبضتها إلى الأبد!
وإذا كانت فترة حكم البعثيين محسوبة على
السنة، فإن الكرد قد لاقوا على يدهم أشد أنواع العذاب وأقساها.. وبسقوط نظام البعث
عام 2003 وإقامة الحكم الشيعي، شارك في بناء الدولة الجديدة "الديمقراطية"
القائمة على الاتحادية الفدرالية يحكمها برلمان ودستور راق ضامن لحقوق الجميع ومن
ضمنهم الكرد الذين تنفسوا الصعداء وبشروا بمرحلة جديدة وأمل جديد وبدأوا بإعادة إعمار
بلدهم وفتحوا الأبواب للاستثمارات الأجنبية وبنوا الجسور والمباني والمؤسسات
المتطورة واهتموا بالتعليم وفتحوا المدارس والجامعات الأهلية، كل ذلك تم في غضون
عدة سنوات من حكم "نيجيرفان بارزاني"، ولكن الحقد والحسد على التطورات
العمرانية للإقليم أغاض الحكام الجدد وأقض مضجعهم وبدأوا بحياكة المؤامرات
والدسائس بهدف تقويض تجربته الحضارية، حتى وصلت إلى استعمال الصواريخ والدرونات
لضرب مطاراتهم ومؤسساتهم المدنية وقطعوا حصتهم من الميزانية الاتحادية ومنعوا
تصدير النفط وقطعوا الرواتب عن موظفيهم وحاصروا الإقليم من كل الجهات!
وبالرغم من مرور أكثر من مائة عام على
اتفاقية سايكس بيكو (1916) الملعونة، التي قسمت بموجبها كردستان والمنطقة إلى
دويلات وممالك وإمارات متناحرة، فإن القوى العظمى ـ بزعامة الولايات المتحدة
الأمريكية ـ سارت على الاستراتيجية الاستعمارية نفسها التي تمخضت عن هذه الاتفاقية
ولم تجر أي تعديل يذكر على خارطتها، والمتضـرر الأوحد من هذه المتغيرات
الجيوسياسية الخطيرة التي شملت المنطقة هم الكرد.
وبالرغم من دخولهم في تحالفات استراتيجية
مهمّة مع تلك القوى العالمية الكبرى بقيادة أمريكا، ومشاركتهم معها في الكثير من
العمليات العسكرية ضد تنظيم (القاعدة) و(داعش) وإسقاط نظام البعث الدكتاتوري، ومن
ثم دعم إعادة تأسيس الدولة العراقية الجديدة.. كل هذه التضحيات الجسيمة التي قدمها
الشعب الكردي في إقليم كردستان لم تشفع له لدى التحالف الدولي بقيادة أمريكا من
تأييد ودعم لعملية الاستفتاء التي أجريت في الإقليم عام 2017 والتي أقرت
بالاستقلال وإقامة الدولة القومية للكرد! هذا التحالف الغربي بقيادة أمريكا لم
يرفض الاستقلال الكردي فحسب بل أعطى الضوء الأخضـر لحكومة العراق وقواته
الميليشياوية بالزحف على المدن الكردية وطرد القوات الكردية منها وانتزاع مدينة
كركوك "قدس الأقداس" من قبضتها إلى الأبد!