كتاب عربي 21

هل نزع السلاح يُنهي الحرب؟

محمد عايش
فلسطين غزة المقاومة  الاناضول
فلسطين غزة المقاومة الاناضول
تحاول إسرائيل الإيحاء منذ شهور بأن سبب استمرار الحرب هو تمسك حركة حماس بسلاحها، وأن السبيل لإنهاء هذه الحرب هو التخلي عن السلاح وتسليم الأسرى الإسرائيليين ومن ثم العيش بسلام ووئام في قطاع غزة، والحقيقة أن هذه مجرد خديعة كاذبة وفخ إسرائيلي يُراد للفلسطينيين الوقوع فيه. 

بطبيعة الحال فثمة "جيش إلكتروني" يعمل على مدار الساعة في الترويج لهذه الفكرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو جيش إلكتروني لا يقتصر على الوحدة 8200 الشهيرة التي تقوم بترويج كل ما يخدم الاحتلال باللغة العربية وبكل الوسائل المتاحة، وإنما ثمة متورطون عرب وفلسطينيون يقومون بالترويج لهذه المقاربة، بل يوجد بعض الأبرياء والجاهلين أيضاً ممن اقتنعوا بهذه الرواية ويرون بأن تسليم السلاح قد يكون المخرج لهذه الحرب، والخلاص من هذه المأساة. 

المطلب الإسرائيلي بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية وتجريد غزة من أية أسلحة يُمكن أن يشكل تهديداً لإسرائيل سبق أن جربه الفلسطينيون مع إسرائيل ذاتها؛ ففي العام 1982 انتهى الحصار الإسرائيلي المفروض على بيروت بعد صمود أسطوري بالتوصل إلى اتفاق تُسلم فيه منظمة التحرير الفلسطينية سلاحها وتغادر العاصمة اللبنانية ومقابل ذلك تعهدت إسرائيل بعدم الاعتداء على المدنيين في لبنان وعدم المساس بمخيمات اللاجئين، وذلك بضمانة أمريكية مباشرة، وبحضور الوسيط الأمريكي آنذاك فيليب حبيب، ورغم ذلك كله فقد ارتكبت القوات الإسرائيلية أبشع مجزرة في التاريخ الفلسطيني بعد أقل من 48 ساعة على مغادرة المقاتلين الفلسطينيين وتسليم سلاحهم، وهي مجزرة "صبرا وشاتيلا"، كما اجتاحت قوات الاحتلال مدينة بيروت بشطريها الشرقي والغربي وفعلت فيها ما فعلت، قبل أن يُعاود اللبنانيون استئناف المقاومة. 

وليس بعيداً عما حدث في لبنان في العام 1982 فإن إسرائيل تخرق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع لبنان يومياً على الرغم من عدم تعرضها لأية هجمات منذ شهور عديدة، كما أن القوات الإسرائيلية تستبيح سوريا أرضاً وجواً منذ بداية الحرب على غزة وحتى الآن، وخلافاً لاتفاق الهدنة المبرم سنة 1974، وذلك دون أن يكون ثمة هجمات مصدرها سوريا، بل لا يوجد أصلاً في سوريا أي سلاح للمقاومة ولا أية فصائل تنشط هناك.

وفي الضفة الغربية ثمة مثال أكثر وضوحاً، إذ تستبيح القوات الاسرائيلية أراضي الضفة منذ العام 2002 عندما حاصرت مقر المقاطعة وظل الرئيس ياسر عرفات بداخله حتى استشهد اغتيالاً بالسم الإسرائيلي، والحال ذاته حتى اليوم في الضفة، إذ ليس فيها صواريخ ولا هجمات ولا ما يُهدد الإسرائيليين ومع ذلك فإن العمليات العسكرية هناك مستمرة منذ عدة شهور.

الشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال، ومن يظن أن استمرار الحرب سببه تمسك الفصائل في غزة بسلاحها فهو واهم، إذ في اللحظة التي ستُسلم فيها السلاح فان مشهد بيروت في أواخر العام 1982 سوف يتكرر مرة أخرى في غزة، كما أن السبب الحقيقي لاستمرار الحرب هو أن ثمة مشروعا إسرائيليا يجري تنفيذه وليس له علاقة بالتمسك في السلاح أو إلقائه، إذ يتساوى الامر بالنسبة لهذا المشروع الذي يقوم على التهجير والطرد وتغيير معالم المنطقة.
التعليقات (0)

خبر عاجل