كالعادة ننسى
سريعا خذلان الحكام العرب لغزة والضفة الغربية، وتواطؤ خمسة حكام عرب مع
إسرائيل
وحثها على سرعة القضاء على
المقاومة الفلسطينية، وتجاهل هؤلاء الحكام لعمليات
الإبادة الجماعية على مدار شهور عديدة، تصاعدت خلالها أرقام الشهداء والمصابين
بعشرات الآلاف، وسكوتهم وربما تنسيق بعضهم للتدمير المُخطط لمناطق شمال
غزة منذ
الأسبوع الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى وقف إطلاق النار في الشهر الماضي،
والذي اتضحت أهدافه بجعل معظم غزة مناطق غير قابلة للعيش، كوسيلة لدفع السكان
للخروج الطوعي من غزة عندما يتم فتح الحدود.
وربما جاءت دعوة
الرئيس الأمريكي لتهجير سكان غزة كفرصة للحكام العرب للهروب من إمكانية مساءلتهم بعد
وقف الحرب، عن مسؤوليتهم عن هذا العدد الضخم من الشهداء والمصابين في غزة والضفة
الغربية، مع انشغال الناس بموضوع التهجير، ونفس النسيان الذي نعاني منه عربيا فيما
يخص قضية التهجير الذي ظل هدفا رئيسيا للاحتلال، وتصريح الجنرال المصري الشهير
بدعوته لتهجير سكان غزة إلى صحراء النقب بدلا من سيناء. وبالتالي فإن الجديد في
الأمر هو تبني الرئيس الأمريكي للأمر علانية بدلا من كونه موضوعا رئيسيا في الاتصالات
السرية مع الحكام العرب خلال جولات بلينكن المتكررة للمنطقة خلال الحرب.
ماذا فعل هؤلاء الحكام فيما يخص قرارات أكثر من قمة عربية إسلامية لمساندة الفلسطينيين؟ وماذا فعلوا من قبل حين تم اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ وماذا فعلوا مع قراره بالاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان؛ إلا مزيدا من عمليات التطبيع مع إسرائيل والوقوف بالطابور استعدادا للتطبيع من جانب آخرين
ويزداد الأمر
غرابة حين نسمع عن تصريحات الحكام العرب لرفضهم للتهجير، رغم إدراكنا بمشاركتهم
الفعلية في صنع هذا الواقع الأليم بغزة والضفة الغربية تمهيدا له، وحتى لا يتسبب
ضعف الذاكرة في اختلاط الأمر على الكثيرين، نتساءل: ماذا فعل هؤلاء الحكام فيما
يخص قرارات أكثر من قمة عربية إسلامية لمساندة الفلسطينيين؟ وماذا فعلوا من قبل
حين تم اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ وماذا فعلوا مع قراره بالاعتراف بضم إسرائيل
لهضبة الجولان؛ إلا مزيدا من عمليات التطبيع مع إسرائيل والوقوف بالطابور استعدادا
للتطبيع من جانب آخرين.
استمرار اعتقال
مناصري غزة وإرسال مساعدات
وحتى بعد وقف إطلاق
النار الأخير، ماذا فعلوا من خلال اتصالاتهم المفتوحة بحكومة الاحتلال، من أجل
تسهيل دخول المساعدات وخاصة المساكن الجاهزة خاصة مع البرد القارص، والعيش في مخيمات
تفتقد أبسط سبل الحماية من المطر والرياح ونحن في فصل الشتاء، وكذلك مع تقليل دخول
معدات رفع الأنقاض والتجهيزات الطبية؟
لذا يصبح من السذاجة
أن ننتظر من هؤلاء أي موقف جاد مساند للحقوق الفلسطينية، فحتى استقبال عدد من
الجرحى من غزة، قالت بعض المصادر إن العلاج سيتم على نفقة قطر وهو ما لم تنفيه
مصادر مصرية، وحتى حين نطالب بوحدة الصف الفلسطيني علينا أن لا ننسى أن تعنت رأس
السلطة الفلسطينية، من أسبابه إرضاء بعض الحكام العرب الكارهين لحماس، وحتى يستمر
تدفق معوناتهم عبر السلطة.
لذا يصبح كالسراب
انتظار أية مواقف جادة من هؤلاء الحكام، وقد كانت لديهم العديد من الفرص للتأثير
على الموقف الإسرائيلي لو أرادوا، سواء بتجميد العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع
دولة الاحتلال أو منع مرورها بالمجال الجوي أو بالممرات الملاحية، أو حتى بالانضمام
لجنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، لكن شيئا من ذلك لم
يحدث.
كما كان بإمكانهم
السماح بالتظاهرات الشعبية الرافضة للعدوان من باب رفع الروح المعنوية للفلسطينيين،
أو التغاضي عن حملات المقاطعة للسلع التي تنتجها الشركات الداعمة لإسرائيل، أو حتى
الصمت عن عدم تقديم العاملين للخدمات الملاحية في الموانئ العربية لسفن وطائرات
الدول الداعمة لإسرائيل، لكن تم اعتقال بعض المتظاهرين المناصرين لغزة والذين ما زالوا
رهن الاعتقال حتى الآن، رغم الإعلان من قبل هؤلاء عن إرسال مساعدات إغاثية لسكان غزة،
واستخدام موانئ بعض الدول لتوصيل أسلحة لدولة الكيان، بل وتصدي البعض للمسيّرات
الإيرانية المتجهة للإغارة على مناطق إسرائيلية.
لذا يصبح توقع
استخدام هؤلاء الحكام ورقة تجميد عمليات التطبيع كرد عملي على مخطط التهجير أمرا
مشكوكا فيه، ونفس الأمر لإمكانية تعطيل السماح بالمرور بالأجواء، أو وقف التبادل التجاري
أو نحو ذلك، فشغلهم الأول هو الحفاظ على عروشهم والذي يتأتى من البوابة الإسرائيلية
وتنفيذ ما تكلفهم به الدول الغربية.
استمرار التبرعات
لغزة لدعم صمودها
ولهذا يجب
التعويل على الجهود الشعبية أساسا من خلال أساليب متعددة، أهمها التبرعات المادية
والعينية لسكان غزة بشكل متواصل، لمساعدتهم على المعيشة وسط الظروف غير الآدمية التي
يمرون بها، من طعام وشراب وملابس وأغطية وأدوية ومواد بناء، فسكان غزة هم حائط
الصد الأول في مقاومة التهجير، لذا يجب التمترس خلف هذا الحائط وجعله قويا باستمرار.
كما أن قوة المقاومة كفيلة بتذكير جنود الجيش الأمريكي بما نالهم من قبل من أضرار
من قبل أنفاق فيتنام عندما يفكرون في الذهاب إلى غزة بما لديها من أنفاق استعصت
أسرارها على مخابرات العديد من الدول الغربية، ومن قبلها إسرائيل التي لم تترك
مكانا بالقطاع لم تحتله لمرات.
لولا تضحيات سكان غزة والمقاومة ما كان وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مع الإدراك خلال وقف إطلاق النار بأن ترامب يسعى لتحقيق نفس الأهداف الإسرائيلية بوسائل أخرى بديلة عن الحروب، تتضح معالمها في التضييق على السكان من خلال تقليل إدخال المساعدات، وتأخير عمليات إعادة الإعمار ومحاولة الوقيعة بين السكان والمقاومة
وكذلك استمرار
المقاطعة لمنتجات الدول التي ساندت العدوان على غزة، وأبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا
ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، فالصراع تاريخي وطويل الأجل وغير مرتبط بوقف مؤقت لإطلاق
النار، مع دولة لديها مخطط توسعي لن يقتصر على غزة والضفقة الغربية فقط، وألا نقلل
من تأثير مثل تلك المقاطعة حيث أشارت البيانات الرسمية الأمريكية إلى بلوغ قيمة
الصادرات الأمريكية إلى دول منظمة التعاون الإسلامي في العام الماضي 137 مليار
دولار، موزعة ما بين: 68.2 مليار دولار كصادرات أمريكية للدول العربية، و68.5
مليار دولار كصادرات لدول المنظمة غير العربية، مع تحقيق الولايات المتحدة فائضا
تجاريا مع 33 دولة من دول المنظمة السبع والخمسين.
وهو الفائض الذي
بلغ مع تلك الدول 33.3 مليار دولار، وتعود أهمية ذلك إلى العجز التجاري الأمريكي
المزمن، فما بالنا إذا امتدت المقاطعة إلى التجارة الخدمية بأنماطها المختلفة، من
سياحة ونقل وخدمات مالية وتأمينية وصحية وتعليمية وغيرها من الخدمات، كذلك فضح
المؤامرات التي يتم تدبيرها بالخفاء للتواطؤ ضد الحقوق الفلسطينية، وزيادة الوعي
بتلك المخططات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.
وإذا كنا نحذر من
خديعة انتظار ردود فعل إيجابية عملية من قبل الحكام العرب، الذين تعتبرهم الدول
الغربية بمثابة وكلاء لها بالمنطقة لتنفيذ أجندتها، فإن نفس التحذير يمتد إلى عدم الانسياق
وراء الأوهام، بالتنويه برفض مسعى ترامب لتهجير سكان غزة من قبل بريطانيا وألمانيا
وفرنسا والصين وغيرهم، فإن تلك التصريحات تأتي مثل سابقتها خلال عمليات الإبادة
لسكان غزة وضمن أهدافها لمجرد الإرضاء الشكلي لخواطر الشعوب العربية والإسلامية،
حتى تستمر تلك الشعوب في الإقبال على منتجاتها السلعية والخدمية، خاصة وأن كثيرا
منها تعاني من عجز تجاري مزمن.
وعلينا أن نقر
بأنه لولا تضحيات سكان غزة والمقاومة ما كان وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى الفلسطينيين
في سجون الاحتلال، مع الإدراك خلال وقف إطلاق النار بأن ترامب يسعى لتحقيق نفس
الأهداف الإسرائيلية بوسائل أخرى بديلة عن الحروب، تتضح معالمها في التضييق على
السكان من خلال تقليل إدخال المساعدات، وتأخير عمليات إعادة الإعمار ومحاولة
الوقيعة بين السكان والمقاومة، واستخدام الحرب النفسية من خلال الأبواق الإعلامية
العربية، المستمرة في الطعن في المقاومة ودس السم في العسل خلال تغطيتها للأحداث.
x.com/mamdouh_alwaly