سياسة عربية

محللون عن خطة ترامب: "وثيقة تصفية" تستهدف المقاومة والقضية الفلسطينية

محللون فلسطينيون.. خطة ترامب ونتنياهو التفاف على الهزيمة وتكريس للإبادة والتهجير - جيتي
أثار الإعلان عن خطة ومبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إنهاء الحرب في غزة٬ والتي أيدها ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ردود فعل واسعة في الأوساط الفلسطينية، حيث أجمع محللون وكتاب سياسيون على اعتبارها محاولة لشرعنة الإبادة المستمرة منذ عامين، وفرض واقع جديد يستهدف المقاومة وحقوق الفلسطينيين.

رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد السلام حايك٬ أن هذه المبادرة جاءت في توقيت يكشف حجم المأزق الإسرائيلي، قائلا: “هذه الحرب فقدت مشروعيتها وتحولت إلى إبادة موثقة بالتفاصيل أمام العالم. حتى إسرائيل اعترفت بخسارتها لمعركة السردية، فكل يوم إضافي هو خسارة جديدة مما لا يمكن إصلاحه”.

وأشار حايك في منشور على منصة فيسبوك إلى أن الغرب فقد الثقة في الرواية الإسرائيلية التي تأسست تاريخيا على “الهولوكست” ومعاداة السامية ومكافحة الإرهاب، مضيفا: “لم يبق لإسرائيل سوى مجموعة من المليارديرات المتسلطين على القرار العالمي، بينما أصبحت رمزا للوحشية في نظر الشعوب الغربية”.



وأكد أن العرب كذلك باتوا ينظرون إلى الاحتلال الإسرائيلي باعتباره عدوا مباشرا، مضيفا أن الظروف الحالية “حاسمة لإنهاء الحرب بشروط أفضل”، محذرا من أن القبول الفوري بالخطة يعادل الرفض في نتائجه لأنه يحقق أهداف الاحتلال.

وحول مضمون الخطة، أوضح حايك أن ترامب منح نتنياهو تفويضا حتى السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لإنهاء الحرب دون التزامات إسرائيلية ملموسة تجاه غزة، مقابل وعود فضفاضة للعرب، قائلا: “في النهاية، الهدف هو وقف الحرب، استسلام حماس، عودة الأسرى، ثم ترك السكان محاصرين في جيب ضيق ومدمر، ما يتيح استكمال التهجير والإبادة تحت غطاء الهدوء والحاجات الأمنية”.

وشدد على أن المطلوب اليوم هو تحويل هذه الوعود إلى التزامات وجداول زمنية محددة، مؤكدا أن “طرف التفاوض ليس حماس وحدها، بل أيضا الدول العربية، وإذا وقع الفلسطينيون على بياض فلن يتحرك أحد للدفاع عنهم”.

كما حذر حايك من أن أي قبول بالخطة لن يصمد طويلا، متوقعا أن يرفضها سكان القطاع لاحقا بشكل عنيف إذا مُنعوا من العودة إلى بيوتهم المدمرة رغم توقف القتال، وهو ما سيعيد الأمور إلى المربع الأول.

وأضاف: “تفكيك حماس سيؤدي إلى ظهور عشرات الحماسات الجديدة، فمرارة الهزيمة لا تُثمر هدوءا، ومن نجا من الموت لن يخشى مواجهته مرة أخرى. هذا ما يغفله ترامب حين يظن أن أقصى ما يريده الناس هو مجرد النجاة”.


ثلاثة خيارات للمقاومة
من جهته، قدم المحلل السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة ثلاثة خيارات أمام المقاومة في التعامل مع الخطة:

- رفض مطلق للخطة، والعمل على إفشالها سياسيا عبر الحوار مع الدول العربية والإسلامية والفصائل الفلسطينية، وميدانيا عبر الاستمرار في حرب العصابات والاحتفاظ بالأسرى، رغم إدراكه أن لهذا الخيار مخاطر وتبعات كبيرة على جمهور غزة.

- قبول مشروط مع محاولة إدخال تعديلات على الخطة لتقليل أضرارها، وهو ما استبعد أبو شمالة نجاحه استنادا إلى التجارب السابقة، معتبرا أن غزة تمثل العقبة الكبرى أمام مشروع إقليمي أوسع يتصل بـ“إسرائيل الكبرى” وبرامج التطبيع وصفقة القرن.

- خيار وسط يتمثل في قبول الشق المتعلق بتبادل الأسرى والمساعدات، وإحالة القضايا الأخرى إلى حوار وطني شامل برعاية مصر أو أطراف إقليمية أخرى، وهو خيار يرى أنه لن يخلو من العقبات لكنه ينقل المسؤولية إلى الإطار الوطني العام.

"خطة صاغها عقل شيطاني"
أما الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة فذهب أبعد في توصيفه للخطة، واصفا إياها بأنها “خطة صاغها عقل شيطاني، تريد استعادة ما خسره الغزاة خلال عامين من الإبادة، وتفتح المجال أمام أحلام نتنياهو بأن يكون تشرشل، بينما يراه الإسرائيليون أسوأ زعيم في تاريخهم”.

وحذر الزعاترة من أن قبول بعض الدول العربية والإسلامية للخطة تحت ضغط التهديدات أو مقابل “فتات الوعود” سيجعلها تتحمل الوزر أمام شعوبها، مؤكدا أن “حماس ليست ملزمة بقبول خطة لا تعدها إلا بالسحق، ومعها سحق القضية الفلسطينية برمتها”.

وأشار إلى أن جوهر الخطة لا يتعلق بسلاح حماس فقط، بل بتصفية القضية الفلسطينية بأكملها، مذكرا بأن ترامب نفسه سبق أن اعترف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي وبسيادتها على الجولان السوري المحتل، وهو ما يؤكد أن “منطق الخطة أبعد ما يكون عن مسار السلام أو حل الدولتين”.

ولفت الزعاترة إلى أن أحد بنود الخطة (البند 17) ينص على أن المساعدات وإعادة الإعمار ستُنفذ في “المناطق الخالية من الإرهاب” فقط، حتى دون موافقة حماس، معلقا بالقول: “إذا كان ذلك ممكنا، فما الحاجة لإجبار الحركة على التوقيع على وثيقة حقيرة تمنح الشرعية لمشاريع صهينة المنطقة؟”

وبينما يسوق ترامب ونتنياهو الخطة باعتبارها “مخرجا سياسيا” للحرب، يرى المحللون الفلسطينيون أنها ليست سوى محاولة لفرض استسلام على المقاومة، وتثبيت واقع الحصار والدمار، مع منح الاحتلال اليد الطولى لمواصلة سياساته في الضفة والقدس.

ويخلص المراقبون إلى أن الخطة، رغم ما تحمله من وعود، تفتقر إلى أي التزامات واضحة أو ضمانات فعلية، وهو ما يجعلها بالنسبة للفلسطينيين حلقة جديدة من “صفقات تصفية القضية” التي تستهدف إنهاء الصراع لصالح الاحتلال وتكريس غزة كسجن كبير تحت مسمى “الهدوء الأمني”.