نشرت صحيفة "غازيتا" الروسية تقريرا يسلط الضوء على احتمالات التصعيد بين واشنطن ونيودلهي بعد التهديدات التي وجهها الرئيس الأمريكي للهند بسبب شراء
النفط الروسي.
وقالت الصحيفة في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب اتهم
الهند بتمويل القوات الروسية في النزاع مع أوكرانيا من خلال شراء النفط الروسي.
وصرّح ستيفن ميلر، نائب كبيرة موظفي البيت الأبيض، خلال مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس"، بأن ترامب يعتبر أن الهند متورطة في تمويل النزاع في أوكرانيا، نظراً لاستمرار حكومة ناريندرا مودي في شراء النفط الروسي.
وقال ميلر: "لقد أكد بوضوح أنه من غير المقبول أن تموّل الهند هذه الحرب من خلال شراء النفط من
روسيا"، كاشفا أن ترامب يدرس عددا من أدوات الضغط من أجل تسوية النزاع في أوكرانيا، بما في ذلك الوسائل الدبلوماسية والمالية.
وردا على تهديدات الرئيس الأمريكي، أوضح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن بلاده ستواصل شراء النفط الروسي، مؤكدا أن حكومته ستفعل كل ما يصب في مصلحة الهند ويخدم رفاهية شعبها.
ودعا رئيس الوزراء الهندي إلى التوقف عن التركيز على السوق الأمريكية والاتجاه نحو شراء المنتجات المحلية.
الاعتماد على النفط الروسي
وذكرت الصحيفة أن النفط الروسي يشكل ما بين 35 إلى 40 بالمئة من إجمالي استهلاك النفط الخام في الهند، موضحة أن سعره المنخفض نسبيًا يساعد البلاد على تقليل الإنفاق العام على واردات الطاقة والحفاظ على استقرار أسعار الوقود في السوق المحلية والحد من التضخم، وقد يؤدي التوقف عن استيراد النفط الروسي إلى خسائر بمليارات الدولارات.
ورغم الأزمة الحالية، أكد بوب ماكنالي رئيس شركة الاستشارات "رابيدان إنرجي" لشبكة "سي إن بي سي" بأن الهند لن تُقدم على قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب النفط الروسي.
وقال ماكنالي: "تواجه الهند، واحدة من أكبر مشترِي النفط الروسي، موقفًا صعبًا يتمثل في الاختيار بين الاستمرار في استيراد الهيدروكربونات من روسيا أو المخاطرة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، ومن الصعب أن تواصل نيودلهي شراء النفط الروسي إذا كانت علاقاتها مع واشنطن على المحك".
وكان ترامب قد أعلن سابقا عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على الواردات من الهند بدءا من آب/ أغسطس، مبررا ذلك بـ"الحواجز التجارية والتعاون العسكري والطاقي بين دلهي وموسكو".
تهديدات جوفاء
وأدان عدد كبير من الخبراء الروس تصريحات ترامب التي اتهم فيها الهند بالمساهمة في النزاع بين روسيا وأوكرانيا.
ونقلت الصحيفة عن أليكسي تشيبا، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي أن الرئيس الأمريكي غارق في تناقضاته.
وأوضح تشيبا: "يدلي ترامب بعدد من التصريحات المتناقضة. ينبغي أن نبدأ بالقول إنه لو لم تكن الولايات المتحدة تدعم كييف وتزودها بالسلاح، لكان النزاع في أوكرانيا قد انتهى منذ زمن طويل. على واشنطن التركيز على مصالحها أولاً قبل توجيه الاتهامات إلى نيودلهي".
وأضاف تشيبا أن الهند دولة مستقلة، يعود إليها قرار اختيار مصادر وارداتها بشكل كامل.
وتابع قائلا: "لطالما اتخذت الهند مواقف محايدة، بما في ذلك موقفها من النزاع الروسي الأوكراني. الجميع يدرك ذلك جيدًا، بما في ذلك ترامب، وهذه التصريحات غالبًا ما تهدف إلى تعزيز صورته كرئيس قوي بين الناخبين الأمريكيين".
ويرى أليكسي زوبيتس، مدير معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية، أن الرئيس الأمريكي لن يقطع علاقاته مع الهند على الإطلاق، مستبعدا أن تتحول تصريحات ترامب إلى إجراءات فعلية.
ويقول في هذا السياق: "واشنطن غير مستعدة إطلاقًا لقطع علاقاتها مع نيودلهي، تمثل الهند شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في مواجهة
الصين في المنطقة، وبالتالي لن يستفيد يكون ترامب من قطع العلاقات بين البلدين".
ويعتقد فلاديمير فاسيليف، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن ترامب لا يمتلك أدوات ضغط فعالة، إذ أنه استنفد خلال أول ستة أشهر من رئاسته كل الخيارات المتاحة، ولذلك بات يلجأ الآن إلى تهديدات جوفاء.
وقال فاسيليف: "أعتقد أن ترامب لم يعد يمتلك أي أدوات ضغط فعلية ضد الصين والهند، وهو يقوم الآن بمناورات كلامية تؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا. بدلاً من تعزيز النفوذ الأمريكي، فإن ترامب يفاقم الشكوك حول قدراته القيادية".
ويرجّح فاسيليف أن تتزايد مثل هذه التصريحات في المستقبل القريب، دون أن تُحدث أي تأثير حقيقي على الهند أو الصين أو البرازيل أو روسيا.
ويضيف: "السياسة الجمركية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية تشبه إلى حد كبير أسلوب رعاة البقر، وهو ما يعكس في جوهره أزمة في الدبلوماسية الأمريكية. حتى رعاة البقر كانت لديهم أخلاقيات وقواعد، أما ترامب فإنه يلعب حتى الآن دون أي قواعد".
مأزق داخلي
وأشارت الصحيفة إلى تصريح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بأن نظيره الأمريكي يحاول من خلال فرض الرسوم الجمركية التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، بما في ذلك البرازيل.
وقال دا سيلفا: "أعتقد أن من حق الرئيس فرض ضرائب على من يريد، لكن ترامب تجاوز كل الحدود. إنه يسعى إلى إجهاض فكرة النظام العالمي متعدد الأطراف"، مؤكدا أن بلاده لا تعتزم الرضوخ للولايات المتحدة في القضايا التي تمس سيادتها.
ويشير العديد من الخبراء في الوقت الراهن إلى أن مستوى الثقة الشعبية بالرئيس الأمريكي شهد تراجعًا ملحوظًا تحت تأثير المشاكل الداخلية.
ويقول فاسيليف: "دخل ترامب دخل في مواجهة مع جميع القوى الدولية الكبرى، وأطلق داخليًا العديد من التصريحات التي أهان بها الجميع، حتى حلفاءه داخل الحزب. ويرى كثير من المحللين أن هذه التصريحات ليست سوى خدعة موجهة أساسًا للرأي العام، لكن مثل هذه التهديدات لا تلقى الرد المتوقع من الجهات المستهدفة".
ويرى فاسيليف أن سعي ترامب المستمر للبقاء في دائرة الاهتمام الإعلامي قد ينقلب عليه ويؤدي إلى نتائج عكسية.
ويضيف:" في الوقت الحالي، لا تحمل الخطابات والتهديدات أي وزن. تقليديًا، لم يتصرف رؤساء الولايات المتحدة كما يفعل ترامب. كانوا يقومون بدور الحكم والشرطي الجيد، في حين توكل مهام ممارسة الضغوط للمساعدين ووزراء الخارجية والسفراء. أما ترامب، فقد غيّر قواعد اللعبة تمامًا وأصبح يشبه مصاص الدماء الذي يتغذى فقط على الاهتمام الإعلامي".
وأشار زوبيتس بدوره إلى أن الرئيس الأمريكي تجاوز الحد في تصرفاته، وقال: "تجاوز ترامب الحدود، ويظهر ذلك في تراجع نسبة تأييده بين الأمريكيين. الجميع يعلم أن هذه الحرب التجارية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتضخم، مما سيؤثر سلبًا على مستوى معيشة المواطن العادي في الولايات المتحدة. الأمريكيون غير مستعدين لتحمل تبعات تحقيق ترامب أهدافه الجيوسياسية على حساب المستهلكين العاديين".
ويختم زوبيتس: "إذا فقد الحزب الجمهوري الأغلبية في الكونغرس، سيقضي ترامب العامين المتبقيين من ولايته مثل بايدن، في وضعية البطة العرجاء، وهذا ما تتجه إليه الأمور حاليًا. لن يؤثر ذلك على ترامب فحسب، بل على جميع أنصاره من الجمهوريين".