قضايا وآراء

السيسي وحذف بيان الأزهر عن غزة!!

ما يجري في غزة أكبر من بيان يصدر ثم يسحب، وهو ما ينبغي على المشيخة التفكير فيه، واتخاذ حذف بيانها ورقة ضغط لصالح غزة وأهلها..
أصدر الأزهر أول أمس بيانا قويا ومعبرا عن غزة، والحال التي وصلت إليه من الجوع والإبادة بالتجويع، بعد أن شاهد الناس مشاهد يندى لها الجبين، من رؤية أطفال يموتون جوعا، وأشخاصا من أهل غزة جلد على عظم، لا تكاد ترى لهم جسدا يكسوه أي مسحة من اللحم.

على مدار ما يقرب من عامين كاملين، والأزهر متفاعل بشكل كبير مع قضية غزة، لم يتأخر يوما عن موقف من مواقفها، ولا عن نعي شهدائها، أو مواساة جرحاها، ولذا كان بيانه الذي خاطب فيه العالم كله من خلال إنسانيته، بأن يبذلوا ما في وسعهم لإنقاذ أهل غزة، ومحذرا العرب الصامتين، من أن يأتي عليهم يوم يقولون فيه: أكلنا يوم أكل الثور الأبيض، ثم كان في خطابه عبارات مهمة، مثل: أن من يشارك في هذه الجرائم سواء بالصمت، أو التأييد، أو التشجيع، فهو شريك في هذه المقتلة، وهذه الإبادة.

ثم فوجئ الناس بحذف البيان من على منصات الأزهر، وتساءل الناس: ماذا في بيان الأزهر أغضب السيسي، حتى يضغط على المشيخة لتحذف البيان، وهل يمكن أن يستجيب الشيخ أحمد الطيب بهذه السهولة فيحذف بيانا لا يمثل أي حساسية سياسية لمصر؟

ما يجري في غزة أكبر من بيان يصدر ثم يسحب، وهو ما ينبغي على المشيخة التفكير فيه، واتخاذ حذف بيانها ورقة ضغط لصالح غزة وأهلها، ولا تكون تضحية بلا مقابل يصب في مصلحتهم، وهو ما يرجى من الطيب والمشيخة، وليت الجهد يكون جماعيا مع العلامة الخليلي، والجهات الدينية الأخرى، سواء منها الإسلامية أو المسيحية، وشيخ الأزهر معروف بتواصله القوي مع هذه الجهات الأوربية منذ كان رئيسا لجامعة الأزهر.
لكن حقيقة الأمر أن الضغوط أتت من الكيان نفسه، والذي منذ شهور وهو يشكو من علو نبرة شيخ الأزهر، وتفاعله الدائم مع غزة، ومع المقاومة، وهو ما قدرته له، وشكرته أكثر من مرة، مثنية على بياناته وأدائه، وهو ما لا يروق للكيان الصهيوني، وعبرت بكل وضوح عن هذا الغضب سواء للسيسي، أو عبر الإعلام.

إضافة لشكوى دول عربية أخرى، مثل: السعودية، من أن خطاب المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر، يسبب حرجا لمؤسساتها الدينية التي تؤمر فتجيب، وصمتت صمتا مريبا، حتى خطبة يوم عرفة، لا تتعرض لغزة إلا تلميحا، وعلى استحياء، ولم يعد في الخليج كله مؤسسة دينية تسير مع الأزهر جنبا إلى جنب في نفس الخط، سوى مؤسسة الإفتاء العمانية ممثلة في شيخها العلامة الشيخ أحمد الخليلي، فهو والعلامة الطيب يعدان من الرموز الدينية الرسمية النادرة في زماننا في مواقفهما مع فلسطين وغزة، ودعم المقاومة.

سبب بيان شيخ الأزهر مشكلات، وحساسيات لعدة جهات، ومنهم: أنظمة عربية وأذرعها الإعلامية المتصهينة، ولا يفلح مع الطيب أسلوب الضغط، فقد تم تجربة هذا الأسلوب من قبل في قضايا أهون من ذلك، ولم تفلح، كقضية الطلاق الشفوي، ورفضه الشيخ، وقال السيسي كلمته المشهورة: تعبتني يا فضيلة الإمام.

لكن هناك أسلوب آخر يفلح مع الطيب الأزهري الصعيدي، الذي يتحرق لخدمة أهل غزة، ويتألم لمصابها، وهو الجانب الإنساني المصلحي لغزة، فأرسل السيسي وزير الخارجية بدر عبد العاطي، وأخبره أن بيانه لا يصب في مصلحة أهل غزة، حيث إنهم على وشك عقد اتفاق مع الكيان والمقاومة، وربما اتخذ الكيان بيانه ذريعة لتعطيل الإجراءات!

مدخل يقبله الطيب، فهو نفس المدخل الذي دخلوا إليه به في بيان يوم الانقلاب الثالث من يوليو سنة 2013م، وهو: ارتكاب أخف الضررين، إذ نحن أمام حرب أهلية بين أنصار الرئيس مرسي والمعارضة، ورعاية للمصلحة، وارتكابا لأخف الضررين، يعزل مرسي، وتجرى انتخابات رئاسية مبكرة، وتم استدعاؤه بطائرة عسكرية من بلدته في الصعيد.

استجاب الطيب لهذا العرض، وهو حذف البيان، وجرى تسريب ما حدث بينه وبين عبد العاطي، لأن مجرد حذف البيان دون تفاصيل تسرب، جعل الناس تسب وتلعن في السيسي، فلا بد من رمي كرة الغضب في جهة أخرى، حيث إن تفاعل الناس مع البيان، وإعادة نشره، والتعليق عليه، ووضع عبارات منه مهمة في برواز مميز، جعلهم يصبون جام غضبهم على السيسي، فلا بد من كبش فداء آخر، وهو عبد العاطي، بتسريب أسباب حذف البيان، وأن من أقنع الطيب بذلك هو هذه الشخصية، حيث إن ملف المفاوضات في جانب كبير منها يشترك فيها، مع جهاز المخابرات المصرية.

هل صدق عبد العاطي والسيسي في الحجة التي أقنعا بها الطيب؟ الحقيقة التي لا مرية فيها، أنهما كاذبان، فتحجج الكيان ببيان للشيخ ليس وليد اليوم، فالكيان منذ شهور يشكو منه، ومن بياناته ومواقفه، فما الجديد؟! ثم إن البيان يتحدث عن الأزمة الإنسانية من الجوع والهلاك للناس، وهو ما يتكلم به الكثيرون، والتحجج بالاقتراب من إبرام اتفاقية لا يصح كذلك، فقد كانت هناك بيانات للطيب بنفس القوة وأكثر، في وقت كانت المفاوضات سائرة على قدم وساق، ومن المعروف أن المشيخة لا تمثل وزارة تمت بصلة للمفاوضات ولا الدبلوماسية.

هناك أسلوب آخر يفلح مع الطيب الأزهري الصعيدي، الذي يتحرق لخدمة أهل غزة، ويتألم لمصابها، وهو الجانب الإنساني المصلحي لغزة، فأرسل السيسي وزير الخارجية بدر عبد العاطي، وأخبره أن بيانه لا يصب في مصلحة أهل غزة، حيث إنهم على وشك عقد اتفاق مع الكيان والمقاومة، وربما اتخذ الكيان بيانه ذريعة لتعطيل الإجراءات!
البيان وحذفه، جاء في وقت كانت الحملة والهجوم على شيخ الأزهر على أشدها، ممن يؤملون كثيرا في الأزهر وشيخه، وكان هناك عتاب للطيب، أنه لماذا لا يمضي إلى معبر رفح، ويقف أمامه، ويسبب حرجا للكيان، ولهذه السلطة التي تتعاون معه، ولماذا لا يدعو للإضراب عن الطعام تضامنا مع أهل غزة؟ وكلها أفكار مشروعة، ولكنهم يتحدثون عن شيخ للأزهر، وليس عن ناشط سياسي، ولا برلماني، وتحكمه أدوات ووسائل تختلف تماما عن حال الآخرين.

نعلم أن الرجل يتحرك في مسارات عدة قدر استطاعته في التحرك لأجل غزة، وقد كان يؤمل كثيرا في بابا الفاتيكان الراحل، الذي كان له مواقف إنسانية مشهودة، لكن البابا الجديد لا يعرف له مثل هذا الحراك، ولم يصدر عنه ـ حتى الآن ـ أي مواقف تشجع الطيب للمضي معه في اتخاذ مواقف إنسانية، وإذا خذله بابا الفاتيكان ممثل الكاثوليك في العالم، فإن خذلان بابا الأرثوذوكس العربي المصري تواضروس، أكثر تخييبا للآمال، فلم يتحرك تحركا جادا للكنائس ولا المسيحيين المضارين في غزة.

ما يجري في غزة أكبر من بيان يصدر ثم يسحب، وهو ما ينبغي على المشيخة التفكير فيه، واتخاذ حذف بيانها ورقة ضغط لصالح غزة وأهلها، ولا تكون تضحية بلا مقابل يصب في مصلحتهم، وهو ما يرجى من الطيب والمشيخة، وليت الجهد يكون جماعيا مع العلامة الخليلي، والجهات الدينية الأخرى، سواء منها الإسلامية أو المسيحية، وشيخ الأزهر معروف بتواصله القوي مع هذه الجهات الأوربية منذ كان رئيسا لجامعة الأزهر.

Essamt74@hotmail.com