صحافة دولية

هل يُمكن إقناع ترامب بإنقاذ الفلسطينيين في غزة؟

ترامب أعلن مرارا قرب التوصل لوقف إطلاق النار في غزة- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش والأستاذ الزائر في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة برنستون، كينيث روث، تناول مساعي ترامب لوقف الحرب في غزة.

وقال روث إن من المفارقة أن نعتمد على دونالد ترامب لإنقاذ الفلسطينيين، ومع ذلك لم يكن أي رئيس أمريكي في الآونة الأخيرة في وضع أفضل للإصرار على أن توقف الحكومة الإسرائيلية قمعها ووحشيتها غير العاديين.

وأضاف، أنه حتى الآن، منح ترامب إسرائيل تفويضا مطلقا لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة، لكن بنيامين نتنياهو سيكون مهملا إذا اعتمد على الرئيس الأمريكي المتقلب والأنانيّ. وقد تكون هناك طريقة لتغيير ترامب.

وتمسك معظم رؤساء الولايات المتحدة بالحكومة الإسرائيلية بغض النظر عن فظائعها، لأن التداعيات السياسية للانحراف كانت كبيرة جدا. من المؤكد أن أي ضغط على إسرائيل سيثير غضب المسيحيين الإنجيليين (أكبر مجموعة مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة) والجزء المحافظ من اليهود الأمريكيين الذين تمثلهم جماعة الضغط "أيباك"، وفقا للكاتب.

وتابع، أن ترامب أقل عرضة لمثل هذا الضغط لعدم وجود شخصية سياسية بارزة على يمينه. يمكن لأنصار إسرائيل الشكوى، لكن ليس لديهم من يلجأون إليه.

وأشار إلى أن ترامب استخدم بالفعل هذا الهامش للاختلاف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في مجموعة من القضايا. فقد رفع العقوبات عن السلطات السورية المؤقتة عندما فضّل نتنياهو جارا مشلولا.

وأبرم اتفاقا مع قوات الحوثيين في اليمن لوقف مهاجمة السفن دون الإصرار على وقف الهجمات على إسرائيل. وأذن بإجراء مفاوضات مباشرة مع حماس، التي اعتبرها نتنياهو أمرا مُحرّما، وسعى في البداية إلى إجراء مفاوضات مع إيران بينما فضّل نتنياهو القصف الفوري.

وزار دول الخليج العربي دون التوقف في إسرائيل. وضغط على نتنياهو مرتين للموافقة على وقف إطلاق نار مؤقت في غزة.

في جوانب أخرى، دعم ترامب حكومة نتنياهو فقد أذن بتجديد تسليم القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي علقها جو بايدن لأن إسرائيل كانت تستخدمها لتدمير الأحياء الفلسطينية. واستخدم حق النقض ضد دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوقف إطلاق نار غير مشروط.

وفرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لاتهام نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بارتكاب جريمة حرب تتمثل في تجويع المدنيين الفلسطينيين وحرمانهم. كما فرض عقوبات على قاضيين من المحكمة الجنائية الدولية لتأكيدهما الاتهامات، وعلى مقررة خاصة للأمم المتحدة لدقة تقاريرها عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية وإدانته لها.

وبرأي الكاتب أن نتنياهو قد يجد الاعتماد على ترامب أمرا محفوفا بالمخاطر. فرغم العروض الدورية للدعم المتبادل، يبدو أن العلاقة بينهما قد انقطعت. علاوة على ذلك، يتغير مزاج ترامب مع تقلبات الطقس. فهو قادر على تغيير مساره في أي لحظة دون أن يحمر وجهه. ولاؤه في المقام الأول لنفسه. نجمه الهادي الوحيد هو مصلحته السياسية أو المالية.

وأوضح روث، أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل ترامب، صاحب التوجهات التجارية، يكره نتنياهو. فبينما يتذمر ترامب من الأموال التي أُنفقت للدفاع عن ديمقراطية أوكرانيا من غزو فلاديمير بوتين، أرسلت الحكومة الأمريكية أكثر من 22 مليار دولار إلى إسرائيل لدعم حربها في غزة، دون نهاية تلوح في الأفق (أكثر من 300 مليار دولار منذ تأسيس إسرائيل عام 1948).

ويبدو أن نتنياهو يتعامل مع الصنبور المفتوح من واشنطن كحق مشروع، لكن ترامب قد يُصاب بسهولة بحساسية تجاه هذه النفقات الهائلة.

ثم هناك غرور ترامب، كان إعلان نتنياهو خلال زيارته للبيت الأبيض هذا الشهر ترشيحه لترامب لجائزة نوبل للسلام مُحرجا في تبريره، خاصة من رجل يُمثل استعداده لقتل المدنيين الفلسطينيين بلا هوادة كوسيلة للاحتفاظ بالسلطة وتجنب تهم الفساد المُعلقة العقبة الرئيسية أمام وقف إطلاق النار بحسب المقال.

ويرى روث أن ترامب يريد حقا جائزة نوبل للسلام. لن يتحقق ذلك بتمويل التطهير العرقي في غزة، الذي اقترحه ترامب في البداية ويطالب به وزراء نتنياهو اليمينيون المتطرفون، القادرون على تقويض ائتلافه الحاكم. ولن يتحقق ذلك أيضا بعزل الفلسطينيين في "معسكر اعتقال"، كما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت اقتراح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، باحتجاز الفلسطينيين على أنقاض جزء من غزة.

ويستحق ترامب الإشادة لإنهاء الصراع حقا وتمكين إعادة إعمار غزة. لكن من غير المرجح أن ينتهي الصراع حقا، وستتردد دول الخليج العربية في دفع المليارات اللازمة لإعادة الإعمار، لمجرد العودة إلى نظام الفصل العنصري الذي فرضته إسرائيل على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. إن نهاية جديرة بجائزة نوبل للصراع ستكون قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيلية بحسب كاتب المقال.

وكرس نتنياهو مسيرته المهنية لتجنب هذا الاحتمال. فالمشروع الاستيطاني الضخم مصممٌ لمنعه، لكن بما أن أيا من البدائل - الطرد الجماعي، أو الفصل العنصري الذي لا نهاية له، أو المساواة في الحقوق في دولة واحدة - غير قابل للتطبيق أخلاقيا أو سياسيا، فإن الدولة الفلسطينية هي الخيار الأفضل.

ومن الصعب تصور ترامب يدفع باتجاه قيام دولة فلسطينية لقد عيّن سفيرا لدى إسرائيل، مايك هاكابي، الذي تتمثل رؤيته للدولة في إقامتها في أي مكان آخر غير فلسطين. ولكن إذا كان سعي ترامب للحصول على الأوسمة، وسعيه إلى دخول كتب التاريخ، يحظى بالأولوية في ذهنه، وهو أمر وارد تماما، فلا ينبغي لنا أن نتجاهل هذا المسار في الأحداث.

وتحدث روث عن انقلاب ترامب على بوتين الأسبوع الماضي عندما أعلن: "نتعرض للكثير من الهراء من بوتين، إذا أردتم معرفة الحقيقة. إنه لطيف للغاية طوال الوقت، لكن يتضح أن كلامه لا معنى له". وهذا وصف دقيق لنتنياهو.

وتساءل الكاتب، لماذا يسمح ترامب لنتنياهو بمواصلة التلاعب به كما فعل بوتين؟ كيف يُعلن ترامب نفسه المفاوض الخبير في حين أنه لا يستطيع استخدام نفوذه الهائل على نتنياهو لحمله على وقف قصف المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم؟ أليس ترامب ذكيا بما يكفي للانتقال من صفقات العقارات إلى المفاوضات الدولية؟

وختم قائلا، "أنا متأكد من أن ترامب سيكره أن تُطرح عليه هذه الأسئلة. المتملقون من حوله لن يفعلوا ذلك. يمكن للآخرين، بل يجب عليهم، أن يفعلوا. قد يكون غرور ترامب الهش، ورغبته الشديدة في الثناء، أفضل فرصة للفلسطينيين لتوجيهه نحو مسار بناء".