قالت صحيفة
الغارديان،
إن
الاحتلال يمضي في حملة تدميرغزة بوتيرة متسارعة، إلى درجة دفعته للبحث عن سائقي
جرافات عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف تسريع عمليات
الهدم الممنهجة للأحياء
والمباني السكنية في القطاع.
وفي مقال للصحفية أروى
مهداوي، قالت إن الاحتلال في تنفيذ
إبادة جماعية لا يحتاج إلى تحليل سياسي، بل
يكفي النظر إلى مشهد تجنيد المتعهدين من خارج الجيش لتشغيل الآليات الثقيلة وتجريف
ما تبقى من المدينة المحاصرة.
ولفتت إلى أن جيش
الاحتلال، نشر عشرات الإعلانات عبر موقع فيسبوك تطلب سائقي جرافات، عارضا عليهم
أجورا يومية تصل إلى نحو 882 دولارا. وهذه
الإعلانات ظهرت علنا في صفحات عامة مخصصة لهذا النوع من الوظائف.
ويتقاطع هذا الكشف مع
تحليل للمؤرخ الإسرائيلي - الأمريكي عومير بارتوف، أحد أبرز الباحثين في دراسات
الإبادة الجماعية، والذي قال إن ما تشهده
غزة "غير مسبوق في القرن الحادي
والعشرين". وأضاف أن نحو 70 بالمئة من مباني غزة إما دمرت بالكامل أو تضررت
بشكل بالغ، مؤكدا أن ما يحدث ليس حربا، بل عملية هدم شاملة باستخدام الجرافات، وأن
التدمير يتم بشكل ممنهج أسبوعيا.
ورغم فداحة ما يجري،
تبقى التغطية الإعلامية قاصرة بسبب رفض الاحتلال السماح بدخول الصحفيين الأجانب
إلى القطاع، بالتوازي مع استهداف الصحفيين الفلسطينيين.
وقالت مهداوي إن العالم
لا يسمع الحقيقة لأن من يفترض أن ينقلوها يمنعون من الوصول إليها أو يستهدفون
جسديا.
وفيما تسلط الكاتبة
الضوء على ضعف التغطية الإعلامية، تكشف أيضا تفاصيل عن الاستعانة بمصادر خارجية
لهدم غزة، إذ أوردت صحيفة هآرتس أن الجيش يعرض أجورا تصل إلى 1500 دولار مقابل هدم
المباني الكبيرة، ونصفها للمباني الصغيرة.
وحولت هذه المعادلة الجرافة
إلى أداة مركزية في مشروع تدمير القطاع، كما يشير أستاذ القانون الدولي نيف
غوردون، الذي قال إن "الجيش لا يحتاج إلى خصخصة هذه العمليات، إذ يمكنه تجنيد
سائقين من الاحتياط، لكن يبدو أن هناك اتجاها متعمدا نحو الاستعانة بمدنيين لأداء
دور مباشر في مشروع إبادة".
وأضاف غوردون أن "تحويل
عمليات الهدم إلى قطاع خاص يشكل، مساهمة مباشرة في ارتكاب جرائم دولية فالقانون
الدولي، وإن كان في حالة تراجع من حيث التطبيق، لا يبيح تدمير الأحياء المدنية إلا
في ظروف عسكرية استثنائية محدودة. أما ما يحدث في غزة من تسوية قرى وأحياء بأكملها
بالجرافات، فيعد انتهاكا صارخا".
وقال مهداوي، إن القضية
لا تتعلق فقط بمشروعية الهدم، بل أيضا بمنصات التواصل التي سمحت بنشر هذه
الإعلانات، فقد رفضت شركة ميتا التعليق على وجود منشورات تطلب سائقين للعمل في
غزة، فيما قامت بحذف مقاطع فيديو نشرها الحاخام أفراهام زاربيف، الذي تباهى
بعمليات الهدم، مع أن الإعلانات نفسها بقيت قائمة. ويعتبر غوردون أن هذه الإعلانات
تشكل تحريضا على العنف ومساهمة في جرائم محتملة، ويجب التعامل معها على هذا الأساس
القانوني.
الأستاذ في القانون
الدولي جون رينولدز من جامعة مينوث الإيرلندية يرى أن الإعلانات، سواء بوصفها
وظائف أو دعاية، قد تندرج ضمن المساعدة على ارتكاب جرائم حرب، بل وقد تعد نوعا من
أشكال التواطؤ في الإبادة الجماعية.
ونقلت عن بارتوف قوله
إن العمليات الإسرائيلية تنطوي على هدف استراتيجي واضح، وهو حصر سكان غزة في منطقة
محدودة لا تتجاوز 25 بالمئة من القطاع، بعد تدمير الـ75 بالمئة الأخرى، وهذا
التدمير يتم بالقنابل والجرافات، وغالبية هذه الجرافات من طراز D9 أمريكية الصنع.
ويعتقد بارتوف أن
المخطط الإسرائيلي يقوم على تجويع السكان وإنهاكهم، ثم دفعهم إما إلى الفرار
الجماعي أو القبول بالخروج الطوعي من القطاع.
التحولات في خطاب
الحكومة الإسرائيلية مؤخرا تؤكد هذا التوجه، حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي نية
تجميع سكان القطاع في "معسكر اعتقال" على أنقاض مدينة رفح، في مشهد يعيد
للأذهان أكثر نماذج التهجير القسري قسوة في التاريخ الحديث.