في خطوة وصفت
بـ"الصادمة"، قدّم تسعة من
قضاة المحكمة الاتحادية العليا في
العراق
(أعلى سلطة قضائية بالبلد) استقالاتهم من مناصبهم، وسط تحذيرات من تسبب هذه الأزمة
في تعطيل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
الاستقالات الجماعية
أحدثت زلزالا في السلطة القضائية العراقية، خصوصا أنها جاءت بعد سلسلة قرارات صدرت
عن المحكمة تسببت بجدل واسع في العراق، سواء محليا بين أربيل وبغداد، أو على مستوى
الإقليم بعد قرارها إلغاء اتفاقية تتعلق بالحدود المائية للبلاد مع
الكويت.
ما علاقة الكويت؟
ورغم أن القضاة لم
يفصحوا عن استقالاتهم الجماعية، لكن نوابا في البرلمان العراقي ومحللون تحدثوا عن
أنها جاءت بسبب ضغوطات سياسية تعرضوا لها مؤخرا، وخصوصا فيما يتعلق بقضية اتفاقية
خور عبد الله بين العراق والكويت التي ألغتها "المحكمة الاتحادية" مطلع
أيلول 2023.
وقال عضو اللجنة
القانونية البرلمانية، النائب رائد المالكي، في بيان إن "الحكومة وجهات عليا
أخرى تسعى إلى تحويل المحكمة الاتحادية إلى أداة مطيعة، لتنفيذ قراراتها تحت ذريعة
حماية المصالح العليا"، مؤكدا أن هذه "سابقة خطيرة" في مسيرة القضاء
العراقي.
من جهته، قال الخبير
القانوني والسياسي العراقي، أمير الدعمي لـ"عربي21" إن "أحد
الأسباب الرئيسة وراء الاستقالات هي الضغوطات التي تمارس من السياسيين على المحكمة
الاتحادية، وخصوصا في مسألة اتفاقية خور عبد الله مع الكويت"، متوقعا أن
"تبقى هذه القضية معلقة ولن تحلها الأزمة الحالية".
وكان الرئيس العراقي
عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد قدما في 15 نيسان/أبريل
الماضي طعنين منفصلين بقرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء اتفاقية خور عبد
الله، وكان من المقرر أن تبت المحكمة بالطعون في 22 حزيران/يونيو الجاري.
وأشار الدعمي إلى أن
"رئيس المحكمة الاتحادية، جاسم العميري، أخطأ في طلب عقد اجتماع مع ائتلاف
إدارة الدولة (يضم زعماء جميع القوى السياسية المشاركة بالحكومة) والرئاسات
الثلاث، والتباحث بمسائل قضائية، وهذه سابقة خطيرة لتسيس الشأن القضائي بشكل علني".
وتابع: "لا
نستبعد التسيس أو الضغوط السياسية على السلطة القضائية، وخاصة المحكمة الاتحادية،
لكن أن يكون بهذا الشكل العلني، فإن هذا يمس مصداقية القضاء وحياديته، خصوصا إذا
ما علمنا أن الدستور ينص بأنه لا سلطان على القضاء إلا القانون".
ولفت الدعمي إلى أن
"أحد أسباب استقالة القضاة قد يكون أيضا الصراع بين المحكمة الاتحادية ومجلس
القضاء الأعلى، خصوصا بعد قرارات لمحكمة التمييز نقضت فيها الكثير من قرارات
الاتحادية، رغم أن قرارتها باتة وملزمة للسلطات كافة، ولا يمكن الطعن بها من أي
جهة".
تعطيل الانتخابات
وبخصوص انعكاس استقالة
القضاة من المحكمة الاتحادية على الانتخابات البرلمانية، قال الدعمي إن "تعطل
هذه الجهة القضائية يعني أن موضوع الانتخابات البرلمانية يصبح في خبر كان، لأنه لا
يمكن أن تمضي العملية الانتخابية من دون مصادقة هذه المحكمة على نتائجها".
وطرح الخبير القانوني
ثلاث مسارات لإنهاء الأزمة الحالية، الأول هو "عدول هؤلاء القضاة عن
الاستقالة خلال مدة 15 يوما، والمسار الثاني، هو اجتماع الأطراف الأربعة: مجلس
القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية، والادعاء العام، والإشراف القضائي، لاختيار
بدلاء عن المستقيلين".
ورأى الدعي أن
"اختيار بدلاء غير ممكن في الوقت الحلي، وذلك في ظل الصراع الكبير بين مجلس
القضاء والمحكمة الاتحادية، إضافة إلى وجود المحاصصة الطائفية والعرقية في اختيار
القضاة".
أما المسار الثالث،
يضيف الدعمي، هو أن "تكون هناك تسوية معينة باتجاه أن يحال رئيس المحكمة
الاتحادية إلى التقاعد ويعود الأعضاء المستقيلين إلى أماكنهم".
من جانبه، قال الخبير
القانوني العراقي، علي التميمي لـ"عربي21" إن "أسباب الاستقالة
للقضاة غير معلومة حتى الآن، لكن الأمر وارد أن يستقيل القاضي حالة حال موظفي
الدولة الآخرين، وأن المحكمة الاتحادية مكونة من رئيس ونائبه، إضافة إلى سبعة قضاة
أصيلين، إضافة إلى أربعة احتياط".
وأكد التميمي أن
"من يكشف أسباب الاستقالة هو مجلس القضاء الأعلى، والتحقيق في حال وجود تدخل
في شؤون المحكمة أو ضغوطات تمارسها جهات عليها، وبالتالي يحيل القضية إلى إحدى
المحاكم، وكذلك يحق للإشراف القضائي أن يفعل الشيء نفسه".
وشدد الخبير القانوني
على أن "دور المحكمة وعملها مهم جدا في البلاد، وقراراتها باتة وملزمة، فهي
تفسر الدستور وتحل النزاعات بين المركز والإقليم، وتصادق على النتائج النهائية
للانتخابات البرلمانية، وأن الفراغ الذي حصل في المحكمة سيحل قريبا لأن المدة
طويلة إلى الانتخابات".
ورأى التميمي أن
"استقالة هؤلاء القضاة لا يعني أن المحكمة أصبحت بحكم المنتهية، لأنها هيئة
قضائية متكاملة، وأنه في حالة قبول الاستقالة من مجلس القضاء الأعلى يجري اختيار
آخرين مكانهم".
وخلص الخبير القانوني
إلى أن "اختيار القضاة يجري من أربعة أطراف هي مجلس القضاء الأعلى والمحكمة
الاتحادية والإشراف القضائي والادعاء العام، وترسل الأسماء إلى رئيس الجمهورية
للمصادقة عليهم".
وجرى تأسيس المحكمة
الاتحادية العليا في عام 2005، ومقرها في بغداد، وتتركز مهمتها طبقا للقانون، في
فض النزاعات الدستورية، وتتميز في أن قراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة،
ولا يحق الطعن فيها.
ورغم أنها- طبقا
للدستور العراقي- جهة قضائية مستقلة، لكن الأحزاب النافذة في العراق دأبت منذ
تأسيسها عام 2005 على الزج بقضاة يمثلونها في المحكمة، الأمر الذي جعلها تواجه في
كثير من الأحيان اتهامات بإصدار قرارات خاضعة للتأثيرات السياسية.