ملفات وتقارير

مخاوف من إملاءات أمريكية بعد تعيين ترامب مبعوثا له في العراق.. هل التطبيع أحدها؟

تعيين سافايا جاء بعد أيام من اتهام ترامب للعراق بأنه فشل في إدارة ثرواته النفطية- حساب سافايا
تعيين سافايا جاء بعد أيام من اتهام ترامب للعراق بأنه فشل في إدارة ثرواته النفطية- حساب سافايا
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين "مارك سافايا" مبعوثًا خاصًا إلى العراق صخبًا واسعًا في الأوساط العراقية السياسية والإعلامية والشعبية، خصوصًا فيما يتعلق بطبيعة المهام الموكلة لصاحب أحد أكبر المتاجر لتوزيع الماريجوانا، لما يحمله القرار من دلالات على توجه أمريكي جديد للتعامل المباشر مع الملف العراقي، بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية التقليدية.


امبراطور القنب
اكتسب سافايا شهرة واسعة من خلال حملاته الإعلانية الجريئة، بينها لوحات دعائية كُتب عليها "تعال خذها.. ماريجوانا مجانية"، ما جعله "رمزًا للثقافة الجديدة" في ميشيغان بعد تشريع بيع القنّب عام 2018، ورغم أن نشاطه التجاري مشروع في ولايات مختلفة في الولايات المتحدة، إلا أن اختياره من قبل ترامب شكّل مفاجأة حتى داخل أوساط حزبه الجمهوري، وفقًا لصحيفة الإندبندنت.

Image1_10202522182837864903990.jpg

أما في العراق حيث سيرسله ترامب، فتفرض الحكومة عقوبات تصل إلى الإعدام على الاتجار بالمخدرات، وهو ما جعل التعيين متناقضاً ومثيراً للبس في نظر كثير من وسائل الإعلام. من جهته، يصف ترامب سافايا بأنه "لاعب رئيسي" في حملته الانتخابية في ولاية ميشيغان، حيث ساهم هو وآخرون في تحقيق نسبة تصويت قياسية بين الأمريكيين المسلمين، في وقت كان ترامب فيه يسعى إلى توسيع قاعدته الانتخابية في هذه الولاية متأرجحة الأصوات.

جدل الأصل والهوية
أثار التعيين أيضاً موجة من التكهنات بشأن خلفية المبعوث الجديد، خاصة بعد أن أشاد ترامب بمساهمته في "حشد أصوات المسلمين". ووفقاً لوسائل إعلام أمريكية، فإن مقربين من سافايا أوضحوا أنه ينتمي إلى الطائفة الكلدانية المسيحية في العراق، وليس مسلماً كما توقع البعض، ما زاد من تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي تعمد الإيحاء بانتمائه الديني لكسب ود فئات معينة من الناخبين، وفق تقرير لإذاعة مونت كارلو.


ورغم أن ترامب معروف بموقفه المتشدد من المخدرات، إلا أنه دعم تقنين الماريغوانا في فلوريدا عام 2024، بينما دعا في الوقت نفسه إلى إعدام تجار المخدرات، مشيداً بسياسات الصين في هذا المجال، علماً أن ولاية ميشيغان شرعت بيع القنب عام 2018، وتم تشريع استخدامه طبياً قبل عقد من الزمن، لكنه لا يزال غير قانوني بموجب القانون الفيدرالي.

دعوة لجلسة برلمانية طارئة
الإعلان، الذي جاء عبر منصة "تروث سوشيال" الخاصة بترمب، لم يكن مجرد تعيين دبلوماسي روتيني، بل إشارة إلى أن واشنطن تُعيد رسم خطوط علاقاتها مع بغداد خارج الأطر التقليدية بعد التفرغ نسبيًا من أزمة الحرب في غزة، وهو ما أثار مخاوف أعضاء في البرلمان العراقي، وأرجعوا القرار إلى وجود أزمة قائمة أو أزمة مقبلة على البلاد، مع التحضير لعقد جلسة طارئة لمجلس النواب، المعطّل أصلًا.


وبعد ساعات على إعلان تعيينه، قال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إن "من يحمل السلاح أمامه خيار الانخراط في المؤسسات الأمنية، أو الانتقال للعمل السياسي، وهذا المسار متفق عليه ونمضي بتنفيذه"، وهو تصريح أثار تساؤلات عن توقيته، حيث يرى مختصون أن التقاطع الزمني بين تعيين مبعوث ترامب وحديث السوداني عن السلاح المنفلت ليس مصادفة، إذ لطالما دعت واشنطن إلى نزع سلاح الميليشيات في العراق ودمجها مع الأجهزة الأمنية، وهو ما ترفضه الفصائل المسلحة.

اظهار أخبار متعلقة


سبق تصريحات رئيس الوزراء، اتصال أجراه وزير الخارجية الأمريكي روبيو مع محمد شياع السوداني أبلغه بشأن تطلع الولايات المتحدة إلى العمل مع العراق لتعزيز المصالح المشتركة وضمان سيادة العراق، والاستقرار الإقليمي، وتعميق العلاقات الاقتصادية التي ستعود بفوائد حقيقية لكل من الأمريكيين والعراقيين.


عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مختار الموسوي، علّق على قرار تعيين سافايا، قائلاً: "الخطوة تعكس عودة الاهتمام الأمريكي المباشر بالشأن العراقي، بعد مرحلة من التراجع النسبي في الانخراط المباشر"، داعياً الحكومة العراقية إلى "التعامل مع هذا التعيين بحذر ووفق رؤية واضحة، تضمن استمرار الحوار مع الولايات المتحدة من جهة، وتحافظ على استقلال القرار العراقي من جهة أخرى". وحذّر الموسوي من استخدام العراق ليكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية"، وهو ما يوحي بوجود هواجس لدى السلطة العراقية بشأن إمكانية ممارسة واشنطن سلسلة من الضغوط على بغداد متعلقة إما بنفوذ إيران في العراق أو العلاقات مع إسرائيل.

ائتلاف السوداني يرفض الإملاءات من جهتها، اعتبرت انتصار حسن، النائبة عن ائتلاف يقوده رئيس الحكومة محمد السوداني، تعيين مبعوث أمريكي خاص للعراق بأنه "تدخل جديد في الشأن العراقي وفي وقت حساس"، قائلة إن "الساحة العراقية لن ترضى بفرض إملاءات جديدة على الإرادة الوطنية".

وأضافت النائبة انتصار حسن أن الرئيس الأمريكي عين مبعوثًا بمهام مجهولة وغير معلومة للآن، في وقت لا يوجد سفير أمريكي بمهام واضحة وصريحة بالتزامن مع ما تشهده الساحة العراقية من عملية انتخابية، وما رافق الفترة الماضية في سوريا ولبنان وحرب إيران وإسرائيل، وأيضًا الأوضاع في غزة وتطوراتها.

ووفق تفسير النائبة عن ائتلاف السوداني، فإن "تعيين المبعوث الخاص الأمريكي يعني إما وجود قضية مهمة للولايات المتحدة سيتدخل فيها ويتابعها، أو توجد قضية سيقوم بفرضها على العراق ومتابعة تنفيذها، وبالتالي على الحكومة العراقية التعامل بحذر بعد وصول المبعوث الخاص وبحث ما سيتم طرحه خلال تواجده حتى يتم اتخاذ الموقف المناسب".

وأشارت النائبة إلى أن "العراق له موقف واضح وصريح من القضايا المطروحة في المنطقة، ولا يمكن سحبه إلى مسارات غير ملائمة للواقع العراقي والساحة العراقية التي تتنوع بمكوناتها وتوجهاتها السياسية"، وهو تلميح ضمني لإمكانية سحب العراق لقائمة الدول التي تتجه نحو تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال.

ائتلاف المالكي يتوقع "تداعيات كبيرة"
باغر الساعدي، النائب عن ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، أكد أن العراق يشهد مشاكل كثيرة وخاصة على صعيد الحكومة والملفات الشائكة التي على طاولتها، كاشفًا عن أن تعيين مبعوث أميركي خاص للعراق سيتم مناقشته في جلسة طارئة للبرلمان لبحث دواعي القرار، لافتًا إلى أن "مجلس النواب سيُفاتح الحكومة بهذا الموضوع وفقًا للمادة 61 من الدستور العراقي التي تعطي صلاحية للبرلمان ونوابه مساءلة رئيس الوزراء.

وأشار الساعدي إلى أن "هذا الأمر فيه تداعيات كبيرة، ومن المتوقع أن المبعوث يحمل ملفات تريد الإدارة الأميركية طرحها، كما حصل بوجود مبعوث خاص في لبنان، وآخر في سوريا، والأوضاع التي يشهدها البلدان والمنطقة"، وتحمل تصريحات الساعدي في طياتها تحذيرًا مبطنًا لرئيس الحكومة محمد السوداني من الخضوع لمطالب ترامب وفق سيناريو بيروت ودمشق، ما بين نزع سلاح الحشد الشعبي والفصائل المسلحة كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، فضلاً عن الدفع باتجاه عقد اتفاقيات مع إسرائيل.

أما هوشيار زيباري، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي سبق وصرح بأن كل التطمينات بشأن الوضع العراقي غير صحيحة، وأن التصعيد خلال الفترة القادمة قادم لكون البلاد باتت في قلب العاصفة، فأشار إلى أن تعيين سافايا دليل على اعتراف أمريكا بأن الوضع في العراق غير طبيعي، ويحتاج إلى إجراءات وقرارات خارج الأطر الدبلوماسية والرسمية المعتادة لتصحيح وتقويم الوضع المضطرب والمشوش، متمنياً النجاح لمبعوث ترامب في مهامه.


وبحسب شبكة فوكس نيوز الأمريكية، فقد أشارت ضمنياً إلى أن تعيين مارك سافايا يأتي في إطار خطة ترامب لتوسيع اتفاقيات (أبراهام) وضم دول جديدة إليها من بينها العراق، مشيرةً إلى أن "سافايا يتمتع بعلاقات إقليمية واسعة، ويتوقع أن يلعب دوراً محورياً في تمهيد الطريق أمام تحقيق مصالح الولايات المتحدة وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط".

أما الأغرب فجاء عبر ما كشفته الباحثة الروسية - الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، والتي أُفرج عنها من قبضة كتائب حزب الله بعد 903 أيام من الأسر، حيث قالت في تعليق مفاجئ، إنها "تهنئ مارك سافايا على هذا التعيين المهم"، مشيرة إلى أنه لعب دورًا محوريًا في تحريرها دون أي مقابل، وأضافت تسوركوف أن هذا التعيين خبر سيئ للغاية لكل من يخدم مصالح إيران في العراق ويسعى لتقويض السيادة العراقية.


سفارة بلا سفير
ويأتي تعيين سافايا في سياق نهج اتبعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في اختيار مبعوثيه دون المرور على مجلس الشيوخ، ولعل أبرز الموفدين المقربين من ترامب هو رائد الأعمال والعقارات ستيف ويتكوف، رجل مهمات الرئيس الأمريكي الصعبة في الشرق الأوسط الذي لا يدخر ترامب فرصةً لمديح مهاراته في التفاوض سواء في العقارات أو السياسة.

العراق، الذي يضم أكبر سفارة أمريكية في الشرق الأوسط، بميزانية مالية سنوية ضخمة وأعداد كبيرة من الموظفين، تبدو اليوم كأرض مهجورة دبلوماسيًا، حيث لم ترسل إدارة ترامب سفيرًا إلى بغداد منذ تولي الرئيس منصبه، وهو ما يقلل من التمثيل إلى مستوى غير رسمي يشبه الاستشارة أكثر من الشراكة المتكافئة.

أدوات الضغط.. "اقتصادية وأمنية"
اعتبر عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مثنى أمين، التمثيل الأمريكي الحالي بأنه: "دليل على توتر العلاقة واضطرابها وضعفها وعدم قوتها، وكذلك يدل على أن الولايات المتحدة لا تولي الجانب الدبلوماسي أهمية مع العراق بالقدر الكافي".

وأضاف أمين في حديث سابق لـ"عربي21" أن "الولايات المتحدة تمتلك أدوات أخرى غير دبلوماسية لفرض إملاءات معينة على العراق أو التعامل معه في غير الإطار الدبلوماسي، وتكون إما بضغوطات اقتصادية أو تهديدات أمنية أو تقليل التدفقات النقدية، وغيرها من المعوقات الأخرى التي يمكن أن تكون أدوات ضغط على السياسة العراقية". وبخصوص مدى إمكانية التعامل بالمثل، وتقليل التمثيل الدبلوماسي العراقي، قال أمين: "إذا كانت هذه الرغبة أمريكية، فليست هناك رغبة ولا مصلحة عراقية في تقليل هذا التمثيل".

اظهار أخبار متعلقة


الأخطر من تقليل التمثيل الدبلوماسي الأمريكي هو أن العراق لا يزال أشبه ما يكون تحت "الوصاية" حتى اللحظة، نظرًا لكون الأموال العراقية (من بيع النفط) التي تذهب إلى البنك الفيدرالي محمية بقرار من الولايات المتحدة، بالتزامن مع سلسلة عقوبات تفصح عنها الخزانة الأمريكية بين الحين والآخر ضد شخصيات وشركات عراقية بتهمة بيع النفط الإيراني على أنه عراقي، وهو ما يهدد اقتصاد العراق الهش أساسًا حال أوقفت واشنطن التحويلات المالية إلى العراق بعد تحذيرات من تهريب الدولار الأمريكي إلى طهران.

عين ترامب على نفط العراق
تعيين رجل الأعمال سافايا جاء بعد أيام من التصريحات التي أدلى بها ترمب خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة، حيث وصف العراق بأنه "بلد يمتلك كميات هائلة من النفط لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بها"، وأضاف في تعليق دقيق: "وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة، عندما تملك الكثير ولا تعرف كيف تتصرف به".


وفي تقرير مطول لصحيفة "ذا كرايدل" الأمريكية، جاء فيه أن واشنطن حافظت على سيطرتها على عائدات النفط العراقية منذ غزوها البلاد عام 2003، وهو ما يمثل استعباداً مالياً واقتصادياً يقوض السيادة العراقية، خاصة وأن العراق لا يزال خاضعاً لهيمنة مالية أمريكية منذ عقدين، مع تحكم واشنطن بعائدات النفط عبر الفيدرالي الأمريكي.


على أثر ذلك، أعاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقاطع فيديو قديمة تظهر مواقف للرئيس الأمريكي حيال نفط العراق، والتي أعرب فيها ترامب عن رغبته في السيطرة والاستحواذ على نفط العراق، قائلاً: "سأضع قوات أمريكية لحماية شركات النفط في العراق، وسنأخذ كل الثروة، والمنتصر سيستحوذ على الغنائم".
التعليقات (0)

خبر عاجل