كتاب عربي 21

قمة نأمل أن تختلف عن سابقاتها

شريف أيمن
"اختيار القصف في قطر مرتبط برسالة موجهة إليها، وبالتالي هي رسالة صهيونية موجهة إلى بقية الدول العربية"- جيتي
"اختيار القصف في قطر مرتبط برسالة موجهة إليها، وبالتالي هي رسالة صهيونية موجهة إلى بقية الدول العربية"- جيتي
ستنعقد يوم الأحد المقبل قمة عربية طارئة على وقع الهجوم الصهيوني على دولة قطر، الوسيط الدولي الناجح في نزاعات كثيرة، والوسيط الأساسي بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني المارق من كل الاعتبارات القانونية والأخلاقية والسياسية، ورغم غياب رد الفعل العربي المؤثر تجاه ما يجري في قطاع غزة طوال عامين، فإن هذه القمة تأتي في سياق تهديد جديد للأنظمة العربية، وليس الشعوب فقط، وهذا تطور جديد غير متوقَّع، ما استنفر الدول العربية للاجتماع، رغم أنه سبق الاعتداء على اليمن ولبنان وسوريا وتونس، وبالطبع فلسطين في الضفة وغزة.

سارع الكيان الصهيوني بإعلان مسؤوليته عن هذه الجريمة، وأعلن رئيس ما يسمى الكنيست بأنها عملية موجهة إلى الشرق الأوسط كله. وهذا صحيح، فالعربدة الصهيونية باتت متحللة من كل قيد، وبمباركة أمريكية، أو مشاركة كما حدث في ضرب المفاعلات الإيرانية، والعمليات العسكرية في اليمن، ولم تعد هناك دولة عربية بمنأى عن احتمالية اختراق أجوائها بالطيران أو الصواريخ التابعة للجيشين الأمريكي أو الصهيوني، أو حتى قصف أراضيها تحت أي ذريعة كما حدث في تونس وقطر.

لا بد أن يتوجه الغضب إلى الأمريكان قبل الصهاينة الذين منحوا العملية الضوء الأخضر، إذ بات واضحا أن المليارات العربية لم تكفِ لاستحقاق الأمريكان الشراكة الأمنية

لم تكن هذه الضربة موجهة إلى حماس فقط بل كانت قطر في قلب قرار القصف، فالعدو يعرف تحركات هؤلاء القادة في دول عدة من بينها روسيا التي لا يستطيع فعل ذلك على أرضها، وأيضا مصر وإيران ولبنان وبعض دول المغرب العربي، واختيار القصف في قطر مرتبط برسالة موجهة إليها، وبالتالي هي رسالة صهيونية موجهة إلى بقية الدول العربية تقول إن العلاقات مع أمريكا سقفها يقف عند مصالحنا لا مصالحكم.

بالتالي، لا بد أن يتوجه الغضب إلى الأمريكان قبل الصهاينة الذين منحوا العملية الضوء الأخضر، إذ بات واضحا أن المليارات العربية لم تكفِ لاستحقاق الأمريكان الشراكة الأمنية، فضلا عن تمتع دولة الاحتلال بجزء من هذه الأموال عبر المنح والمساعدات الأمريكية غير المسبوقة لدولة أخرى، وأي تجاهل للدور الأمريكي في هذه العربدة سيكون دفنا للرأس في الرمال.

من جهة أخرى، ينبغي على دول الخليج تحديدا إدراك زيف الترويج الصهيوني السابق للخطر الإيراني على دولهم، وخداع الدعوة للتحالف الخليجي-الصهيوني في مواجهة الخطر الإيراني، فالقصف العدواني لمناطق سكنية جاء من الجانب الصهيوني. وهنا لا بد من الوضع في الاعتبار معنى حصول قصف بصواريخ وطائرات حربية، وعدم تمرير الكلمة ببساطة، كذلك كانت عملية اغتيال محمود المبحوح في الإمارات عام 2010، وهذا انتهاك لسيادة الإمارات. فالعدو يريد أن يوصل رسالته بأن أي دولة في المنطقة ستظل في درجة أدنى منه، وأنه يفعل بها ما يريد، تماما كما يفعل معظم حكام المنطقة بشعوبهم.

ينسجم هذا السلوك مع رؤية ما تسمى "إسرائيل الكبرى"، التي تمتد من العراق إلى مصر، مبتلعة بلاد الشام، وشمال السعودية، بمساحة تقدَّر بنحو 1.5 مليون كم مربع، فالأراضي العربية -بالنسبة إليهم- لا تمثل سوى امتداد لدولة هذه العصابات الصهيونية المتطرفة، التي نشأت على القتل والتهجير منذ عقود طويلة، وتحولت هذه العصابات إلى سلطة تُطلق على نفسها دولة، بينما هي تمارس سلوك العصابات والخارجين على القانون المعتاد في سلوك المجرمين.

هذه الرؤية الاحتلالية أصبحت رسمية على لسان رئيس وزراء الاحتلال، وقادة دولته المتطرفين، كقول بتسلئيل سموتريتش إن حدود القدس تنتهي في دمشق، وقول وزير الاتصالات المدعو شلومو كرعي إن نهر الأردن له ضفتان وهما لنا.

أوراق الضغط بيد العرب كثيرة وفاعلة، ومجرد التلويح بتعليق الاتفاقيات السياسية والتجارية والأمنية سيُشعل أضواء الإنذار في كل العواصم الدولية، وفي مكتب مجرم الحرب المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو

المطلوب بشكل رئيسي من هذا الاجتماع العربي، إعلان تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك في مواجهة أي خرق صهيوني مستقبلي تجاه الدول العربية، ولو كانت الأمنيات ممكنة لدعوناهم إلى تفعيل الاتفاقية بأثر رجعي لا مستقبليَّ، لكن حال حكامنا معلوم.

كذلك ينبغي سحب مبادرة السلام العربية التي وُلدت مشوَّهة عام 2002، عندما كان عرفات محاصرا في رام الله بدبابات شارون، ووضْع أسس جديدة لأي اتفاقية مستقبلية مع الكيان المحتل، وأيضا نتمنى عدم وضع أسس لأي اتفاق مستقبلي، فهذا الكيان لن يوفّر فرصة للتوسع وسحق الكرامة العربية.

أما الخطوة الرئيسية عقب انتهاء القمة، فهي إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، تحت حماية قوات عربية، والسماح للجرحى والمصابين بالعلاج سواء بإدخال مستشفيات ميدانية كاملة التجهيز إلى القطاع، أو السماح بإخراجهم للعلاج في الخارج، وبدء عملية الإعمار في القطاع بحماية عربية، وتشكيل لجنة محلية لإدارة القطاع وعملية الإعمار.

وفي السياق ذاته، إعلان توفير التسهيلات كافة للأساطيل الداعمة للفلسطينيين، سواء كانت برية أو بحرية، وتوفير الغطاء السياسي والإنساني لتحركاتها، والمساهمة في احتياجاتها اللوجستية.

إن أوراق الضغط بيد العرب كثيرة وفاعلة، ومجرد التلويح بتعليق الاتفاقيات السياسية والتجارية والأمنية سيُشعل أضواء الإنذار في كل العواصم الدولية، وفي مكتب مجرم الحرب المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو، ويكفي للتدليل على ذلك أن مسألة بسط السيادة على الضفة الغربية، تم سحبها من جدول أعمال الوزارة، بعد تهديد إماراتي، غير متوقَّع، بمراجعة اتفاقيات أبراهام حال إعلان بسيط السيادة، ورغم أن عمليات بسط السيادة لم تتوقف فعليّا فلقد تعطلت سياسيّا بالتلويح الإماراتي، ما يشير إلى وفرة الإمكانيات العربية لتحقيق ما تريد بالأوراق السلمية دون المواجهة العسكرية.
التعليقات (0)