قضايا وآراء

"ويل للمصلين"!

محمد الصغير
"لا أدل على شدة ضعفه؛ من خوفه من معارضة غير موجودة إلا في مخيلته وكوابيسه"- إكس
"لا أدل على شدة ضعفه؛ من خوفه من معارضة غير موجودة إلا في مخيلته وكوابيسه"- إكس
سلخ الكلام من سياقه، واجتزاء الجمل من محيطها، ليس وليد اليوم، وإنما ظهرت سطوته على صهوة الإعلام، وانتشرت مع ذيوع وسائل التواصل، ومِن أقدم مَن أقدم على هذه الجريمة الشاعر أبو نواس الذي قال:

دع المساجد للعباد تسكنها    وطف بنا حول خمار ليسقينا

ما قال ربك ويل للأولى سكروا    بل قال ويل للمـصلينا!

"ويل للمصلين" آية في كتاب الله الكريم، ولكن الوقوف عندها وفصلها عن سياقها، يجعل معناها في غير ما أنزلت له، فالويل ليس لعموم المصلين، ولكنه للغافلين عن آثارها ومعانيها:

- "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" (العنكبوت: 45).

- وكذلك للساهين عن الالتزام بوقتها وأحكامها: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابا مَّوْقُوتا". النساء: 103).

جاء مقص التربص فوجه السياق كاملا إلى الحالة المصرية، وجعلها دعوة لاستنساخ الحالة السورية، وأسقط عمدا سياق الخطبة والحالة الفلسطينية، ولا ينكر عاقل أن لكل بلد ظروفه ولكل ثورة طريقتها

ولكن الشاعر الثمل اجتزأ الآية ليبرر سكره ومعصيته، وبقيت سنته في كل مدخول النية سيئ الطوية، يسعى لتحريف الكلم عن مواضعه، أو يفصله عن سياقه لحاجة في نفس صاحبها، أو سعيا لإثبات الوجود، فهناك من يقتات على المعارك الكلامية، ومنهم من يسعى للشهرة الشخصية، على طريقة من بال في ماء زمزم ليعرفه الناس، فتناقل الحجاج اسمه مقرونا باللعنات!

وتذكر كتب الأدب أن شابا مغمورا هجا بشار بن برد، وهو رمز الشعر والبلاغة وقتئذ، وبلغه الخبر فقال هذه حيلة ليغنم ردي عليه، فيقال فلان الذي رد عليه بشار، ولن أنيله مبتغاه؛ وقد تجتمع كل هذه الصور في حالة واحدة، والشواهد على ذلك في دنيا الناس كثيرة.

وبعد هذه المقدمة التي كنت أردت أن أكتفي بها، تعليقا على ما أثير حول خطبة جمعة خطبتها قبل أسبوعين، عن حكم تسليم سلاح المقاومة الفلسطينية، والمآلات المترتبة على ذلك، واستشهدت في ثنايا كلامي بالتجربة السورية في إدلب، التي احتفظت بروح الثورة وقوتها، وتهيأ لها من مظلة الطوفان ومؤازرة الجيران، والوضع الدولي العام، ما جعلها تحرر الشام، وتجعل بشار البراميل يبحث عن مكان للجوء الذي فرضه على نصف الشعب السوري، وذكرت أن جملة "سلميتنا أقوى من الرصاص" إن صحت كتعبير إعلامي في ظرف معين، فهي تحتاج إلى مراجعة، لا أن نضفي عليها هالة من القداسة، لأنها تخالف المعقول والمنقول، فإن من لا يملك شيئا أمام قوة غاشمة، تقابل الكلمات باللكمات، وتحتكم إلى صناديق الذخيرة بدلا من صناديق الانتخابات، كان عليه العودة إلى منهجه الأول وشعاره المعتمد " وأعدوا"، مع كامل التقدير لثبات قائلها وصبره واجتهاده، وكنت آمل أن لو كان من أصحاب الأجرين، وليس الأجر الواحد.

وهنا جاء مقص التربص فوجه السياق كاملا إلى الحالة المصرية، وجعلها دعوة لاستنساخ الحالة السورية، وأسقط عمدا سياق الخطبة والحالة الفلسطينية، ولا ينكر عاقل أن لكل بلد ظروفه ولكل ثورة طريقتها، لذا من يتابع بإنصاف يرى عدم اهتمامي بأي دعوة للتظاهر، لأني أراها لم تستوف وسائل النجاح، وتفتح بابا جديدا للبطش والتنكيل، وتزيد في أعداد المعتقلين،
يظهر ضعف النظام المصري جليا أمام تغريدة أو مقال، وفي حالة الحديث عن برنامج تلفزيوني ربما يدخل معركة يقايض في سبيل كسبها بمصالح عليا أو يقدم تنازلات جسيمة، ولا أدل على شدة ضعفه؛ من خوفه من معارضة غير موجودة
ناهيك أنها تصدر من أناس لا أعرفهم ولا أعرف من يعرفهم، وكشفت الأيام الماضية رجوعهم إلى مصر مع حفاوة كبيرة بعد تمام المهمة، وتهيئة أماكن جديدة لهم في وسائل الإعلام.

ومع قناعتي بالتغيير.. وأن كل الأحداث المحلية والعالمية تمهد لذلك، فإنني لا أدعي امتلاك خريطته أو تحديد وسائله، ولكني أحد دعاته وحداته، وسأظل مبشرا به، ودالا على معالم الطريق الموصلة إليه، وفي الختام ألفت الأنظار إلى جملة أمور:

أولا: أدركت نوعا من الغرام الحرام، بين قطاعات كبيرة فيما يعرف بالمعارضة المصرية، وبين دولة العساكر، وكأن التنافس بينها على من يحل في قلب العسكر أولا، وخاصة بعض الإسلاميين الذين اعتادوا اللدغ من الجحر نفسه، حتى أدمنوا سم الأفاعي.

ثانيا: يظهر ضعف النظام المصري جليا أمام تغريدة أو مقال، وفي حالة الحديث عن برنامج تلفزيوني ربما يدخل معركة يقايض في سبيل كسبها بمصالح عليا أو يقدم تنازلات جسيمة، ولا أدل على شدة ضعفه؛ من خوفه من معارضة غير موجودة إلا في مخيلته وكوابيسه.

ثالثا: خوف النظام يأتي من داخله، والأجهزة الأمنية من مصلحتها أن تبقى مستنفرة، لاستمرار الحاجة إليها وبقائها في الواجهة، ولو كانوا يتابعون بصدق وأمانة، لعلموا بأنه لا توجد معارضة حقيقية أو كيان معارض فعال، وإنما هي حالات فردية، وأصوات ثورية، تعبر عن قناعات أصحابها ولا يربطها زمام ولا خطام.

رابعا: حالة النظام المصري أشبه بعصا سليمان عليه السلام، هي التي تمنع الجسد من السقوط، ولكن لم تظهر حتى الآن دابة الأرض التي تأكل منسأته.
التعليقات (0)