منذ
نيسان/ أبريل 2025، عُيّن مايك هَقَبي (هاكابي)، وهو بروتستانتي إنجيلي أبيض وقس معمداني،
سفيرا للولايات المتحدة لدى
إسرائيل. في إطار تزمّته البروتستانتي، يؤمن هَقَبي، وهو
متعصب ديني يميني شغل سابقا منصب حاكم ولاية أركنساه وكان مرشحا رئاسيا جمهوريا سابقا،
بأنه "لا وجود للفلسطينيين" وأن الهوية
الفلسطينية مجرد "أداة سياسية
لمحاولة انتزاع الأرض من إسرائيل". يعارض هقبي إقامة الدولة الفلسطينية، ويعتبر
الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على أرض الفلسطينيين مجرد إنشاءات معمارية. وفي معرض
رده على الادعاءات الإسرائيلية بأن ما يبنيه المستعمرون
اليهود على الأراضي المحتلة
هي "مستوطنات"، يُصر هقبي على أن ما يبنيه المستعمرون هو مجرد "مجتمعات"
و"أحياء" و"مدن". وقد كان هقبي مهووسا دينيا بإسرائيل واليهود
منذ شبابه. وقد زار البلاد أكثر من مئة مرة منذ عام 1973.
هقبي
جزء من سلسلة مسيحيين
إنجيليين تعود أصولهم إلى حركة الإصلاح البروتستانتي وحركة الألفية؛
التي نشأت في القرن السادس عشر لدعم "إعادة" اليهود الأوروبيين إلى فلسطين
وتحويلهم إلى البروتستانتية لتسريع ما يسمى بالمجيء الثاني ليسوع المسيح. سبقت الصهيونية
البروتستانتية الإنجيلية الصهيونية اليهودية بثلاثمائة عام؛ وقد كانت الصهيونية البروتستانتية
هي التي أرست أسس المستعمرة الاستيطانية اليهودية التي أصبحت إسرائيل.
هقبي جزء من سلسلة مسيحيين إنجيليين تعود أصولهم إلى حركة الإصلاح البروتستانتي وحركة الألفية؛ التي نشأت في القرن السادس عشر لدعم "إعادة" اليهود الأوروبيين إلى فلسطين وتحويلهم إلى البروتستانتية لتسريع ما يسمى بالمجيء الثاني ليسوع المسيح
شهدت
إنجلترا في نهاية القرن الثامن عشر صعودا في الحماس التبشيري البروتستانتي، والذي تزامن
مع صعود "المسألة الشرقية" و"المسألة اليهودية"، وأعاد ذلك الانشغال
الصليبي السابق بإنهاء سيطرة المسلمين على "الأرض المقدسة"، وبمشاريع الألفية
البروتستانتية لاعتناق يهود أوروبا العقيدة البروتستانتية و"إعادتهم" إلى
فلسطين. وقد تصادف ذلك أيضا مع عصر ازدهار الإمبريالية البريطانية.
اهتمت
جمعيتان تبشيريتان بريطانيتان بالبلاد والمنطقة بشكل عام، وهما جمعية التبشير الكنسية
لأفريقيا والشرق (التي تأسست عام 1799) والمعروفة بـ"سي. إم. إس"، وجمعية
لندن لنشر المسيحية بين اليهود (التي تأسست عام 1809)، والمعروفة شعبيا باسم جمعية
يهود لندن، والتي أسسها يهوديان ألمانيان اعتنقا البروتستانتية. تأسست جمعية يهود لندن
من قبل المجموعة الأنغليكانية الإنجيلية "جمعية الكتاب المقدس البريطانية"،
وهي الذراع التبشيرية لطائفة كلافام، التي أسسها ويليام ويلبرفورس.
وقد
دعا النشاط التبشيري لطائفة كلافام يهوديا ألمانيا اعتنق المسيحية، اسمه جوزيف صموئيل
كريستيان فريدريك فراي (1748-1827)، وكان اسمه قبل اعتناقه المسيحية جوزيف صموئيل ليفي،
للقدوم من برلين إلى لندن، لتبشير اليهود البريطانيين، وهي مهمة دفعت طائفة كلافام
إلى تأسيس جمعية يهود لندن. وقد تمت رعاية كلتا الجمعيتين، سي. إم. إس، وجمعية يهود
لندن من قِبل نخبة المجتمع والسياسة الإنجليزية، بمن فيهم وزير الخارجية البريطاني
اللورد بالمرستون وصهره الإنجيلي اللورد شافتسبري، من بين آخرين. وقد تواصل بالمرستون
مع السلطان العثماني للسماح بـ"عودة" اليهود الأوروبيين إلى فلسطين. وكان
بالمرستون، الذي أصبح وزير خارجية بريطانيا عام 1830، من دعاة "استعادة"
اليهود إلى فلسطين. وقد حوّلت جمعية يهود لندن العديد من اليهود في بريطانيا إلى
بروتستانت، وأصبح 250 منهم رجال دين أنغليكانيين، وكان العديد منهم حاخامات قبل اعتناقهم
البروتستانتية. وبحلول عام 1841، مُنح منصب راعي جمعية يهود لندن لرئيس أساقفة كانتربري،
رئيس الكنيسة الأنغليكانية.
وانضم
الأمريكيون الإنجيليون المتعصبون والألمان والسويديون وغيرهم إلى هذه "الحملة
الصليبية السلمية" الجديدة، لتحويل اليهود إلى بروتستانت والاستيلاء على فلسطين
طوال القرن التاسع عشر. وبحلول الحرب العالمية الأولى، كان جميع القادة البريطانيين
في السلطة، بما في ذلك رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج ووزير الخارجية آرثر بلفور، من
المسيحيين الإنجيليين المتعصبين الذين دعموا "إعادة" اليهود إلى فلسطين،
والتي تجسدت في عام 1917 بإعلان "وعد بلفور."
في
الولايات المتحدة، تجلّت المسيحية الإنجيلية الصهيونية في إنشاء عدة مستعمرات في فلسطين
في منتصف القرن التاسع عشر، وسعت إلى اعتناق اليهود البروتستانتية وتسريع المجيء الثاني
المزعوم للمسيح. لم يهدأ هذا التيار في القرن العشرين، بل تزايد بشكل ملحوظ بعد قيام
إسرائيل، وخاصة بعد حرب عام 1967. وقد كان القسيسان جيري فالويل وبات روبرتسون في طليعة
المتعصبين البروتستانت الذين دعموا إسرائيل، وكذلك فعل الرؤساء الأمريكيون الذين نشأوا
تنشئة إنجيلية، بمن فيهم بيل كلينتون على حد زعمه.
أما
سفير دونالد ترامب لدى إسرائيل اليوم فهو من ورثة هذا التقليد التاريخي من التعصب الإنجيلي.
ويتشارك هقبي في الاعتقاد بأن الله يقف في صف إسرائيل مع معظم المسيحيين الإنجيليين،
كما يؤكد هقبي بأن الإسرائيليين لم ينتصروا في حروبهم التي غزو فيها أرض الفلسطينيين
وجيرانهم العرب "لأنهم كانوا يتمتعون بقدرات عسكرية أو مدفعية أو قوة جوية متفوقة"؛
أبدا، على الإطلاق، "فقد انتصروا لأنهم قاتلوا كما لو كانوا يعلمون أنهم إذا خسروا
فلن يخسروا بعض العقارات" بل "الأرض التي وهبها الله لهم قبل 3500 عام. ولأنهم
فعلوا ذلك، فأنا مقتنع بأن الله نفسه تدخل نيابة عن شعبه في أرضه".
تزايد دعم الإنجيليين الأمريكيين لإسرائيل بعد عام 1967، عندما أصبحت الولايات المتحدة الراعي الإمبريالي للمستعمرة الاستيطانية، ليس محض صدفة. فلا يفرض التعصب الديني والشوفينية القومية المؤيدة لأمريكا على البروتستانت الإنجيليين تأييد الصهيونية فحسب، بل يفرض عليهم كذلك كراهية الفلسطينيين
وفي حفل عشاء
في مؤسسة تراث إسرائيل، أكد هقبي لجمهوره أن دعمه لإسرائيل نابع من إيمانه بالله:
"نؤمن بأننا نركع لله. نحن لم نخلقه؛ بل هو من خلقنا. ونحن ملزمون باتباع شريعته
بدلا من دعوته لاتباع شريعة وضعناها لأنفسنا بسذاجة".
أحرج
دعم هقبي لإسرائيل العديد من مؤيدي المستعمرة الاستيطانية في الولايات المتحدة. فعندما
أعلن الرئيس باراك أوباما عن الوصول لاتفاق نووي مع إيران عام 2015، رد هقبي بأن أوباما
يقود اليهود "إلى باب الأفران" النازية. وقد قامت "رابطة مكافحة التشهير"
المؤيدة بشدة لإسرائيل والسفير الإسرائيلي بذاته بتوبيخه حينها على هذا التصريح. لكن
لا شيء يثني هقبي؛ فهو يستشهد بالكتب الدينية التي تأمر المؤمنين بمباركة إسرائيل لينالوا
البركة، إذ "من يلعن إسرائيل يُلعن".
لكن
هقبي ليس المتعصب البروتستانتي الوحيد الذي تستخدمه إدارة ترامب كسلاح لدعم إسرائيل،
فمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تشارك الآن في الإبادة الجماعية
المستمرة ضد فلسطينيي غزة، يرأسها أيضا متعصب إنجيلي، وهو القس الدكتور جوني مور، المستشار
السابق للبيت الأبيض خلال فترة ولاية ترامب الأولى.
يدعم
مور مشروع ترامب لإقامة "ريفييرا" غزة. وقد "شملت رحلة مور الشخصية
دراسة مذكرات ثيودور هرتزل واستكشاف المساهمات المسيحية الأقل شهرة في الصهيونية المبكرة".
وقد عمل مساعدا لجيري فالويل في الماضي، وحصل على العديد من الجوائز من المؤسسات الصهيونية
مكافأة على التزامه تجاه إسرائيل. وليسا هقبي (هاكابي) ومور وحدهما، فوزير الخارجية
الأميركي ماركو روبيو هو أيضا مسيحي إنجيلي آخر يتنقل بين الكاثوليكية والبروتستانتية
الإنجيلية.
لقد
تزامن صعود الصهيونية الإنجيلية البروتستانتية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن
التاسع عشر، وخاصة في بريطانيا، مع صعود الإمبريالية الأوروبية، لا سيما البريطانية.
ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة، إذ وفرت الإمبريالية البريطانية عالما أوسع بكثير للمتعصبين
البروتستانت للتبشير بعقيدتهم في بقية العالم خارج بريطانيا. في الواقع، أُرسل هؤلاء
المبشرون أولا إلى أجزاء كثيرة من العالم لتمهيد الطريق للغزو البريطاني اللاحق، وسواء
في كينيا، أو نيوزيلندا، أو سيراليون، أو فلسطين، كان دور البروتستانتية الإنجيلية
دائما مكملا للإمبريالية البريطانية.
وفي
حالة فلسطين واليهود، اتخذ الاندماج بين الإمبريالية والإنجيلية سمة خاصة، نظرا لأن
فلسطين هي أيضا أرض ميلاد الديانتين المسيحية واليهودية. إن تزايد دعم الإنجيليين الأمريكيين
لإسرائيل بعد عام 1967، عندما أصبحت الولايات المتحدة الراعي الإمبريالي للمستعمرة
الاستيطانية، ليس محض صدفة. فلا يفرض التعصب الديني والشوفينية القومية المؤيدة لأمريكا
على البروتستانت الإنجيليين تأييد الصهيونية فحسب، بل يفرض عليهم كذلك كراهية الفلسطينيين،
باعتبارهم أعداء "شعبهم المختار" ومصالح الولايات المتحدة الإمبريالية في
الشرق الأوسط. أما كونهم اليوم أكبر جماعة مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، ويدعمون
الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فيُبقي المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين مخلصين
تماما لعقيدتيهما الدينية والقومية.