سياسة عربية

بعد بتر ساقيها.. الطفلة سيلا تواجه الموت البطيء في غزة (شاهد)

غارة إسرائيلية تحوّل أفراد عائلة فلسطينية إلى أصحاب إعاقة دائمة.. و"سيلا" رمز الألم المستمر - وكالة وفا
غارة إسرائيلية تحوّل أفراد عائلة فلسطينية إلى أصحاب إعاقة دائمة.. و"سيلا" رمز الألم المستمر - وكالة وفا
في إحدى زوايا مستشفى ميداني تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" وسط قطاع غزة، ترقد الطفلة "سيلا نضال ماضي" (8 أعوام) على سرير ترفض أن تصدّق أن قدميها لم تعودا هناك. 

صدمة البتر ما زالت تسيطر عليها، بعد أن فقدت ساقيها جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي الدموي في 17 أيار/ مايو الماضي، استهدف مخيماً للنازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس.

ذلك اليوم لم يكن عادياً في ذاكرة عائلة "ماضي". عند الساعة الحادية عشرة والربع صباحاً، اخترقت طائرة حربية إسرائيلية من طراز F-16 أجواء المدينة، وأطلقت صاروخاً موجهاً نحو مجمع خيام للنازحين المدنيين.

أحد الصواريخ سقط على مقربة من خيمة العائلة، ليحوّلها إلى ساحة للموت والبتر والدماء.



الطفلة المقذوفة.. وجسد تتآكله الالتهابات
تروي العائلة أن سيلا قُذفت بفعل الانفجار لمسافة 20 متراً خارج الخيمة، وكانت قدمها اليمنى قد تحولت إلى أشلاء لم يُعثر عليها حتى الآن. 

أما قدمها اليسرى، فتمكّن الأطباء من إنقاذها مؤقتاً، قبل أن تتدهور حالتها لاحقاً نتيجة التهابات حادة وعدم توفر مضادات حيوية أو مستلزمات طبية، ليضطر الفريق الطبي لبترها أيضاً بعد 6 أيام.

ويشرح أحمد ماضي٬ خال الطفلة حجم المعاناة بقوله: "سيلا تعاني من التهابات شديدة، ارتفاع دائم في الحرارة، وانتفاخات مستمرة في البطن، وكل ذلك نتيجة تدهور الرعاية الصحية وشحّ الأدوية".

أسرة غزية تحوّلت إلى ضحايا إعاقة جماعية
ولم تكن سيلا الوحيدة التي فقدت جزءاً من جسدها في تلك المجزرة، إذ أصيبت والدتها "نسرين ماضي" (42 عاماً) بشظايا أدت إلى بتر أحد أصابع يدها، وبتر جزء من قدمها اليسرى. 

أما شقيقتها التوأم "رهف" (19 عاماً)، فقد خضعت لعملية بتر في قدمها اليسرى بعد إصابتها بشظية، فيما شقيقها التوأم "محمد" أصيب إصابة مباشرة في ركبته.

وتحاول العائلة في غرفة واحدة داخل المستشفى٬ لملمة شتات أجسادها ووجعها. حيث تنظر الأم بعين دامعة إلى صغيرتها التي تبكي كلما حاولت الجلوس، فيما يحاول الأب "نضال ماضي" جاهدًا أن يمنح بناته وزوجته بعض الأمل، وهو يرى بأم عينه كيف تحوّلت الأسرة التي كانت تعجّ بالحركة والفرح، إلى كتلة من العجز والآهات.

اظهار أخبار متعلقة


نظام صحي منهار وغذاء مفقود
ويشير أحمد ماضي إلى أن أفراد الأسرة المصابين، خاصة النساء، يعانون من سوء تغذية حاد، لعدم توفر غذاء صحي في المستشفيات، قائلاً: "أحياناً تخرج رهف أو نسرين من العمليات الجراحية، وكل ما نستطيع تقديمه لهن هو حبة بندورة وقطعة خبز.. لا شيء آخر". 

ويضيف: "المرضى في غزة يصومون قهراً قبل العمليات، ثم يخرجون منها ليجدوا أنفسهم في مواجهة الجوع مجدداً، والأسعار جنونية".

وتفاقمت أزمة العائلة، كما حال آلاف العائلات الفلسطينية، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للمستشفيات والمراكز الطبية، ما أدى إلى انهيار شبه تام في المنظومة الصحية بغزة، وتوقف العديد من الأجهزة الحيوية، وفقدان الأدوية والمضادات الحيوية والمستلزمات الأساسية للعمليات الجراحية والعناية المركزة.

مناشدة إلى الأردن.. "أنقذوا سيلا"
وسط هذا الوضع الإنساني الكارثي، وجهت الأم نسرين ماضي مناشدة إلى الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا العبد الله، طالبةً التدخل الإنساني العاجل لنقل أفراد أسرتها إلى مستشفى خارجي لتلقي العلاج اللازم، وإنقاذ حياة طفلتها التي ما زالت تخضع لعمليات متكررة وحالتها الصحية تتدهور يوماً بعد آخر.

وقالت نسرين في رسالتها: "طفلتي سيلا تصرخ ألماً، وابنتي رهف عاجزة عن الحركة، وأنا لا أقوى حتى على الوقوف.. هل من رحمة تنقذنا؟".

وعائلة "ماضي" لم تكن هدفاً عسكرياً، بل كانت نازحة في خيمة مؤقتة بمخيم إنساني، تحتمي به من الموت، فلم تسلم من القصف. وتُضاف مجزرة المواصي إلى سجل طويل من الجرائم الإسرائيلية التي حوّلت الأطفال إلى مبتوري أطراف، والأمهات إلى ضحايا إعاقات دائمة، والأسر إلى كتل من الوجع المفتوح.

ولم تعد سيلا صاحبة الأعوام الثمانية، قادرة على اللعب ولا حتى على الجلوس بشكل طبيعي. لكنها، رغم ذلك، تُجسد قصة كل طفل في غزة، فقد بيته، وساقه، وربما طفولته كلها، تحت القصف.
التعليقات (0)