قضايا وآراء

متى يحل الإخوان تنظيمهم؟!

عصام تليمة
مسألة حل التنظيم، وتحويله لتيار، أو تغيير رؤاه ووسائله، مسألة جديرة بالتفكير الجاد، لكن بعيدا عن الهوس الذي لدى البعض..
مسألة حل التنظيم، وتحويله لتيار، أو تغيير رؤاه ووسائله، مسألة جديرة بالتفكير الجاد، لكن بعيدا عن الهوس الذي لدى البعض..
كلما مرت بالإخوان المسلمين محنة في بلد عربي أو غربي، أو ضاقت عليهم الإجراءات الإدارية والسياسية في بلد ما، إلا وخرجت أصوات تنادي الإخوان بضرورة أن يحلوا تنظيمهم، ويصفوا كل الكيانات الإدارية، بكل مستوياتها، فقد غدا تنظيما بلا فائدة، ولا هم له إلا جلب المحن على أتباعه.

وهذه الدعوة ليست وليدة اليوم فقط، بل هي وليدة سنوات مضت، ولأن من تصدر عنهم هذه الدعوات ليسوا على مزاج واحد، وليسوا في مستوى واحد من الفكر، أو الحرص الحقيقي على الجماعة، فحتى يمكننا أن نقيم هذه الدعوات من حيث جديتها، أو من حيث سوء نوايا من أطلقوها، ينبغي أن نقف عدة وقفات.

أفكار سابقة لمفكرين كبار بالتحول لتيار

الوقفة الأولى: حول تصنيفات من يطلقون هذه الدعوات، فمنهم صاحب العطاء الفكري، والمهموم بهموم العمل الإسلامي، ولذا فهي تنبع من شخص انقدح زناد فكره للبحث عن طريقة أفضل تعمل به الجماعة، سواء صحت فكرته أم لم تصح؟ وسواء ناسبت الجماعة أم لم تناسبها، ولدينا في هذا السياق عدة أشخاص لا يمكن لشخص أن يشكك في نواياهم، فكروا في تحويل الإخوان من تنظيم لتيار.

كان أول من فكر في هذا الاتجاه الأستاذ محمود عبد الحليم، صاحب كتاب: (الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ) والذي صدر في ثلاث مجلدات كبار، وهو يعد من أهم الكتب التي عنيت بتاريخ الإخوان حتى خمسينيات القرن العشرين، فقد كان يرى أن الأفضل للإخوان أن يعملوا بعد خروجهم من السجون في عهد السادات، على أن ينشئوا دارا للنشر، ومؤسسات فكرية، ويهتموا بهذا الجانب. وقد كانت فكرة شيخنا العلامة القرضاوي، فقد كنت أناقشه في مرحلة ما بعد خروج الإخوان من سجون السادات، فقال: كنت أرى أن الأفضل أن يتحول الإخوان لتيار كبير واسع، لا يصنف، ولا يميز بتنظيم معين، ولكنه لم يين كيفية تحول التنظيم لتيار حسبما تراءى له.

تجربة الحل في قطر

ثم نفذت الفكرة بالفعل في بلد عربي، لم يكن من البلاد المركزية في تنظيم الإخوان، حيث تم حل التنظيم في قطر، في سنة 2003م على ما أذكر، وإن نسبت الفعل لشخص واحد هو الدكتور جاسم سلطان، وظل حتى اليوم ينسب إليه، والرجل لم يتخذ القرار وحده، وهو قرار لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض، ويحتاج إلى بيان تفصيلي، بعد مرور ما يزيد عن عشرين عاما، وكنت قابلته وقابلت عددا ممن شاركوا في القرار، ولم يقبلوا بإعطائي التفاصيل، وكل ما سمحوا به وقتها أنه يمكنهم أن يعطوني المعايير التي حكموها في اتخاذ القرار، ولم أجد أي نفع من طلب ذلك، إذ ماذا يفيدني معايير، دون المعلومات التي طبقت عليها المعايير؟!

من يقرر حل التنظيم أو بقاؤه، هم الإخوان أنفسهم، ولن يكون ذلك بقرار من مفكر أو كاتب، أو باحث، أو مباحث، بل لو أن مرشد الإخوان خرج وقرر حل التنظيم، دون موافقة القواعد، فلن يكون قراره مجد، أو فعال، فالتنظيم ليس ملكا لمسؤول حالي أو سابق، بل صار فكرة امتلكتها فئات مختلفة
ثم كتب تأييدا للفكرة بعد ثلاث سنوات، الدكتور عبد الله النفيسي، حيث كتب دراسة نشرها في مجلة (المنار الجديد)، بعنوان: الحالة الإسلامية في قطر، وكتب مؤيدا فكرة حل التنظيم، وقد رددت عليه وقتها بمقال في موقع (المصريون)، حيث لم سمع من طرف واحد، وهو من قام بالحل، ولم يسمع للطرف الآخر، الذي بقي، بغض النظر عن صحة ما ذهب إليه، أو لا.

تلك الطروحات التي تطرح كل فترة، من ذوي أقلام وأفهام مخلصة، لا يشكك أحد في حبها للعمل الإسلامي، وترشيده، لكن هناك فئات أخرى، تطلق الكلمة، من واقع شخصنة بحت، فهم لهم مواقف شخصية مع قيادات إخوانية، سواء كانوا أصحاب حق في هذه المواقف، أم خرجوا من التنظيم لفقدانهم مصالحهم، أو انكشفت سوءات بعضهم في مواقف معينة، فراح يلقي الكلام بمناسبة وبدون مناسبة، عن ضرورة حل التنظيم لأنه تنظيم انتهت صلاحيته، بينما ترى خطابهم للمستبدين والظلمة وفسدة الأنظمة خطاب الاعتراف بسلطاتهم!!

حجج حل التنظيم

مسألة حل التنظيم، وتحويله لتيار، أو تغيير رؤاه ووسائله، مسألة جديرة بالتفكير الجاد، لكن بعيدا عن الهوس الذي لدى البعض، لكن السؤال الأهم: هل بالفعل الإخوان تحتاج لحل تنظيمها؟ ما العلة والحجة؟ إن الحجة الأبرز التي يبرزها أصحاب هذا الطرح، هو: أن التنظيم بات بعبعا للعرب والغرب، وبات مطاردا من كل الأنظمة، وهي مسألة يرد عليها واقع نعيشه، فأي الجماعتين كانت أولى بالتغيير وعدم القبول: الجماعات الجهادية التي حملت السلاح، وصفنت منظمات إرهابية على مستوى العالم، وكان من هؤلاء: أحمد الشرع، الرئيس السوري، والذي تحول في خلال بضع شهور إلى مسؤول يقابله أكبر رؤساء العالم، وإسقاط ما عليه من تهم، وعلى من معه؟ فهل هذا هو النظام العالمي الذي سنحتكم إليه لبقاء تنظيم الإخوان أو حله؟!

ولو رحنا نسرد حجج هؤلاء حجة وراء الأخرى، سنجد الردود من الواقع حاضرة بشكل مربك، بل إن الشرع نفسه ترك خطه، وجاء لخط الإخوان، الذين يطالبهم البعض بحل تنظيمهم، فهل المطلوب إقصاء التيار الإسلامي الوسطي، لأنه أقدر على المنافسة، وأقدر على الوصول للمجتمع؟ أم ماذا؟

من يقرر حل التنظيم؟

من يقرر حل التنظيم أو بقاؤه، هم الإخوان أنفسهم، ولن يكون ذلك بقرار من مفكر أو كاتب، أو باحث، أو مباحث، بل لو أن مرشد الإخوان خرج وقرر حل التنظيم، دون موافقة القواعد، فلن يكون قراره مجد، أو فعال، فالتنظيم ليس ملكا لمسؤول حالي أو سابق، بل صار فكرة امتلكتها فئات مختلفة، من قيادات كبرى، لوسطى، لقواعد تمثل جمعية عمومية، وفي كل قطر له ظروفه وملابساته، وبخاصة في ظل انقسامات الإخوان، لو قرر فصيل منهم الحل، ستخرج فصائل أخرى ترفضه، فالأجدى والأهم الآن تفكير الإخوان ودوائرهم القريبة، المهتمة بهم، التفكير في تطوير الجماعة، فكرا، ولوائح، ومشاريع، وعلاقات.

[email protected]
التعليقات (0)

خبر عاجل