ما أن يأتي خبر وفاة حاكم أو قاض، أو شخصية
ذات ارتباط بالظلم، سواء كان ظالما مباشرا، أو أداة للظالم، ويختلف الناس ليس حول
الظلم، بل حول مصير الظالم، وهو ما حدث بالأمس حين توفي أحد القضاة الذين اشتهروا
بأحكامهم القاسية، والتي تصل للإعدام، وسرعان ما خرجت وسائل التواصل الاجتماعي،
يحكي فيه المظلومون المظالم التي تعرضوا لها على يد القاضي، وذكروا بقضاة آخرين
مارسوا نفس الظلم الشديد الذي طال أشخاصا وعائلاتهم، أدى ذلك لفقدان حياة ذويهم،
أو تفرق آباء وأمهات عن أبنائهم، كم المظالم التي ذكرت مرعب بمعنى الكلمة، حتى كتب
أحد الصحفيين المستقلين، بأن كل ما كتب لم يكن شماتة، بل كان لعنات تصب على الشخص،
ودعوات بالويل والثبور.
خرجت في هذا التوقيت صفحات وأصوات، تصف ما
حدث بأنه شماتة مخالفة للخلق والدين، ومخالفة للشرع الإسلامي الحنيف، وهو كلام في
الحقيقة ينطوي على أكاذيب على الشرع، فلا يوجد نص يمنع من فرح الإنسان بهلاك
طاغية، أو بهلاك أحد أدوات الطغيان، من قضاة، وإعلاميين، ومشايخ دين، وسياسيين،
فهل توجد نصوص تؤيد ذلك التوجه؟ وهل الدعاء على الظالم بالنار، وعقاب الله له
بجهنم، والتنبؤ بمصيره يعد تأليا على الله؟ ولماذا يدافع هؤلاء عن زملائهم في
مساندة الظلم والطغيان، هل هو دفاع عن مبدأ، أم دفاع عن مستقبل ينتظرهم حين يرحلون
كما رحل هؤلاء؟!
النصوص تؤيد الفرح بهلاك الظلمة
إن الفرح بهلاك الظالم، لم يحرمه أحد فيما
بحثت وقرأت، بل الأمر يدور بين الجواز والاستحباب، ومنهم من أوجبه في حالات معينة،
ودلت النصوص الصريحة على ذلك، وكذلك ممارسة السلف الصالح وصلحاء الأمة على مدار
تاريخها، لأن وفاة الظالم، أو من يعاونوه، هو نهاية لظلمه، وتوقف هذه الوسيلة، وإن
وجدت وسائل أخرى.
ومن بحث في مفردات الفرح والحمد في القرآن
الكريم، سيجد بعضها ورد في سياق هلاك الظالمين، ومن أهم الأدلة التي في الموضوع
قوله تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ
لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) الأنعام: 45. وقد قال الإمام السمرقندي في معناها:
هذا تعليم ليحمدوه سبحانه على إهلاك الظالمين. وقال الزمخشري: إيذان بوجوب الحمد
عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم. وعللوا ذلك بأن الظالمين لما
هلكوا، كان هلاكهم نعمة من الله عز وجل يستحق الحمد عليها، إذ هلاك الظالم راحة
للناس، فهو مستريح ومستراح منه.
السلف الصالح يفرحون بهلاك الظالم
ومارس السلف الصالح ذلك، فهناك شخصية لم
يختلف الناس على ظلمها، وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، رغم أن الرجل خدم الإسلام في
مساحات أخرى، لكن ذلك لم يعفه من أن يذكر في التاريخ باستبداده وظلمه، وقد كان
أداة للبطش والظلم، فرأينا الحسن البصري وقد جاءه رجل فقال: مات الحجاج. فسجد
الحسن شكرا لله، وقال: اللهم قد أمته فأمت عنا سننه، ثم قال: إن الله عز وجل قال
لموسى عليه السلام: ذكر بني إسرائيل أيام الله، وقد كانت عليكم أيام كأيام القوم.
إن الفرح بهلاك الظالم، لم يحرمه أحد فيما بحثت وقرأت، بل الأمر يدور بين الجواز والاستحباب، ومنهم من أوجبه في حالات معينة، ودلت النصوص الصريحة على ذلك، وكذلك ممارسة السلف الصالح وصلحاء الأمة على مدار تاريخها، لأن وفاة الظالم، أو من يعاونوه، هو نهاية لظلمه، وتوقف هذه الوسيلة، وإن وجدت وسائل أخرى.
وعن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج
تلا قوله تعالى: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)
الأنعام: 45، وقال حماد بن أبي سليمان: لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى
من الفرح. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان،
قال: قال زياد بن الربيع الحارثي لأهل السجن: يموت الحجاج في مرضه هذا في ليلة كذا
وكذا. فلما كانت تلك الليلة لم ينم أهل السجن فرحا، جلسوا ينتظرون حتى سمعوا
الناعية.
هل الظالم الذي لم يتب في النار؟!
بقيت نقطة يثيرها مؤيدو الظلمة، بأن
المظلومين أحيانا يدعون على الظالم بأن يدخله الله النار، وأن ذلك تأليا على الله،
وهو كلام غير صحيح، فمن يدعو بذلك لا يفرض على الله شيئا، فهو ليس من باب التألي
على الله، بل من باب الثقة في يقين وموعود الله، فالله قد أخبر في كل الكتب
السماوية بهلاك الظلمة، وبعقوبتهم في الآخرة، وأنه لا مفر لهم من ذلك، ولم يرد أي
استثناء في الشرع لأي ظالم، إلا إذا عفا عنه المظلوم، فما بالنا بقضاة ظلموا كل
هذا الكم من الناس، وماتوا ولم يتوبوا من مظالمهم، ولم يطلبوا العفو ممن ظلموهم.
لم يجزم أحد ممن يدعون على الظلمة حين موتهم بالنار أو العذاب، لكنهم موقنون بأن الله عز وجل ليس بظلام للعبيد، وأن ميزان عدله وحقه قائم، وبخاصة أن أصحاب الحقوق لم تعف
وقد وردت النصوص النبوية تعتد بشهادة الناس
في الميت، خاصة من لهم معاملة معه تجعل من شهادتهم معتبرة، وليست مبنية على أهواء،
فقد ورد في السنة النبوية أنهم: مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة،
فأثنوا عليها خيرا في مناقب الخير، فقال: "وجبت" ثم مرت عليه جنازة
أخرى، فأثنوا عليها شرا في مناقب الشر، فقال: "وجبت" ثم قال: "إنكم
شهداء في الأرض".
قال الإمام السندي معلقا على الحديث: وقوله:
"وجبت"، قال: أي: الجنة، أو المغفرة، وفي الثاني النار، أو العقوبة شرا،
من باب المشاكلة، إذ الثناء لا يتعلق بالشر، وظاهر الحديث أن ثناء الناس علامة على
ما سبق له من خير أو شر.
ولم يجزم أحد ممن يدعون على الظلمة حين
موتهم بالنار أو العذاب، لكنهم موقنون بأن الله عز وجل ليس بظلام للعبيد، وأن
ميزان عدله وحقه قائم، وبخاصة أن أصحاب الحقوق لم تعف، والعجيب أن هؤلاء الذين
يؤيدون الظلمة، ويكرهون من يعارضون الحكام، هم من يحكمون عليهم بالنار، فكثيرا ما
ترى الشيخ علي جمعة وتلامذته، يحكمون على المعارضين بأنهم: خوارج، وكلاب أهل
النار، وبخاصة الإخوان!!
انزعاج الظلمة من دعاء المظلومين
اللافت للنظر في تاريخ الظلمة، أنهم ينزعجون
جدا من دعاء المظلومين عليهم، وإيمانهم بأن الله سيستجيب لهذا الدعاء، وهو أمر
مرصود نلحظه لدى المسلم وغير المسلم، فأبو سفيان قبل إسلامه، وهم يصلبون خبيب بن
عدي، دعا قبل صلبه فقال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا،
وكان أبو سفيان وابنه معاوية حاضرين قبل إسلامهما، فأمسك أبو سفيان بمعاوية
وانبطحا أرضا، كي لا تواجههم دعوة الصحابي، وقد كان لدى المشركين اعتقاد أن دعوة
المظلوم مستجابة، خاصة لو واجهك بدعوته، ولكي تتجنب ذلك، انبطح أرضا، حتى تمر
دعوته فوق رأسك، تصور ساذج ومضحك، لكنه دال على مدى خوفهم من ذلك.
ويحكي فتحي رضوان أنه ذهب لجمال عبد الناصر
صباح إعدام عبد القادر عودة، ولم يكن يعلم أنه شنق، وصدم رضوان بأن عبد الناصر
يخبره أن عودة قد شنق فجرا، وهو يعلم أن عودة مظلوما، ولم يكن مدانا في حادث
المنشية، يقول رضوان: وفجأة سمعت جمال يقول: تصور إن الأخ عبد القادر عودة كان
يصيح بالأمس على باب السجن بهذه الأدعية: الله يخرب بيتك يا عبد الناصر، الله ييتم
أولادك يا عبد الناصر، الله يعذبك في الدنيا والآخرة يا عبد الناصر. وكان يحفظ
الأدعية عن ظهر قلب، وأضاف: وعبد القادر نفسه كان يصرخ وهو في طريقه إلى المشنقة:
أنا بريء، أنا بريء، ودمي على الذين ظلموني وشنقوني.
ليس دفاعا عن الظالم بل عن أنفسهم
والمتأمل لدفاع شريحة مشاركة في مساندة
الظلم، عن القضاة والإعلاميين الذين يموتون، فهم في حقيقة الأمر لا ينافحون عن
مبدإ، ولا عن الأشخاص الذين لقوا حتفهم، بل هو دفاع عن أنفسهم فيما سيحل بهم
مستقبلا عند وفاتهم، فهم يستبقون الأحداث
بمحاولة حشد نصوص ونقول ليست في الموضوع، لترهب الذين يصبون لعناتهم على الظلمة،
حتى يصمتوا، ومن يرجع لمواقفهم من قبل، سنجد تناقضا عجيبا منهم، فارجعوا إلى صفحات
ومواقف نفس هؤلاء الإعلاميين والمشايخ، ستجد عند وفاة معارضين، أو مخالفين
لتوجههم، قالوا أشد مما يقال في الظلمة، وفرحوا في غير موضع الفرح الجائز، وهذا
سبب خوفهم على نفس المصير.
والعاقل من ينظر لهذه الدعوات على الظلمة،
ليستدرك ما فاته، وليتب مما فعل، وليطلب العفو ممن ظلمهم، وهو حي يرزق الآن، يملك
الحصول على العفو، قبل أن يأتي يوم قال عنه الله تعالى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا
تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا
شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ) البقرة: 123.
[email protected]