ملفات وتقارير

في الذكرى الـ77 للنكبة.. التطهير العرقي يتجدد في غزة والضفة والشتات

تتواصل الجرائم الإسرائيلية في صور أخرى تتمثل بحرب الإبادة والتهجير وسرقة الأراضي وهدم المنازل والاستيطان- جيتي
تتواصل الجرائم الإسرائيلية في صور أخرى تتمثل بحرب الإبادة والتهجير وسرقة الأراضي وهدم المنازل والاستيطان- جيتي
تحل ذكرى النكبة الفلسطينية الـ77 وسط تفاقم الأوضاع للفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، سواء في قطاع غزة مع تواصل حرب الإبادة، والضفة الغربية جراء تصاعد الاستيطان وعمليات الضم، أو حتى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 ومحاولات الطمس، وفي دول الشتات حول العالم مع تصاعد عمليات قمع التضامن والحراك العالمي.

وتوافق أحداث النكبة الـ15 من أيار/ مايو سنويًا، وهي الحدث المؤسِّس للكارثة الوطنية الفلسطينية التي حلّت بالشعب الفلسطيني عام 1948، حين أُجبر أكثر من 750 ألف فلسطيني على مغادرة مدنهم وقراهم قسرًا، تحت وطأة المجازر والقتل والتهجير المنهجي الذي مارسته العصابات الصهيونية، تمهيدًا لإقامة دولة "إسرائيل" على أنقاض أكثر من 500 بلدة وقرية فلسطينية.

ولم تكن مجرد نتيجة لحرب، بل خطة ممنهجة تقوم على التطهير العرقي، هدفت إلى تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين، وتغيير طابعها الديموغرافي والجغرافي، حيث نفذت العصابات الصهيونية، مثل "الهاجاناه" و"شتيرن" و"إرجون"، عشرات المجازر بحق المدنيين، أبرزها مجزرة دير ياسين، التي راح ضحيتها أكثر من 250 شهيدًا، بينهم نساء وأطفال، وهدفت لبث الرعب في نفوس القرى المجاورة ودفع السكان إلى الفرار.

ومع إعلان قيام دولة الاحتلال في 14 أيار 1948، بدأ الفصل الأكثر قسوة من النكبة، حين مُنع اللاجئون الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم رغم القرارات الدولية، وفي مقدمتها القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي نص صراحة على حق العودة والتعويض، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية.

وتتواصل الجرائم الإسرائيلية حاليًا في صور أخرى تتمثل بحرب الإبادة والتهجير المتواصل وسرقة الأراضي وهدم المنازل ومشاريع الاستيطان التوسعية، إضافة إلى محاولات ممنهجة لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية، خاصة في القدس المحتلة.

اظهار أخبار متعلقة


وتبقى النكبة رمزًا للظلم التاريخي الذي وقع على شعب أعزل، وتُعدّ محطة تأسيسية في النضال من أجل الحرية والاستقلال، بينما لا يزال الشعب الفلسطيني متمسكًا بحقوقه الوطنية، وعلى رأسها حق العودة، باعتباره حقًا فرديًا وجماعيًا غير قابل للتصرف، لا يسقط بالتقادم، وهو ما تؤكده كافة مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية الرسمية والشعبية.

قطاع غزة
يعاني قطاع غزة، الذي يضم في معظمه سكانًا يبلغ عددهم نحو 1.5 مليون لاجئ فلسطيني من عموم فلسطين، من حرب إبادة إسرائيلية واسعة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تمثلت بالقتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، خلافًا لكافة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت حرب الإبادة التي تدعمها الولايات المتحدة أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين حتى الآن، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

وبحسب إحصائيات 2023، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة نحو 1.58 مليون شخص، يمثلون حوالي 80 بالمئة من إجمالي سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، وفقًا لبيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

ويعيش هؤلاء اللاجئون في ثمانية مخيمات رئيسية داخل القطاع، تتوزع على مناطق مختلفة، وتعد من بين أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، وهي مخيم جباليا والشاطئ والنصيرات ومخيم في مدينة خانيونس، إضافة إلى مخيم البريج والمغازي ودير البلح، ومخيمات مختلفة في رفح.

وتعرضت هذه المخيمات إلى تدمير واسع في قطاع غزة، بهدف إعادة تهجير اللاجئين من قطاع غزة وإجبارهم على "الهجرة الطوعية" بحسب تأكيدات رسمية من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي.

الضفة الغربية
تشهد الضفة الغربية، بما فيها القدس، تصعيدًا خطيرًا في الهجمات الإسرائيلية منذ بداية عام 2023، وذلك من خلال هجمات عسكرية متكررة، واقتحامات للمخيمات والمدن، واعتقالات جماعية، وهدم منازل، وتهجير قسري للسكان.

ووصفت الحكومة الفلسطينية هذا التصعيد بأنه عدوان شامل يستهدف الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، محملةً سلطات الاحتلال والإدارة الأمريكية المسؤولية عن تداعياته الخطيرة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 962 فلسطينيًا، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، واعتقال أكثر من 17 ألفًا.

ترافق هذا التصعيد مع عمليات عسكرية واسعة النطاق، خاصة في شمال الضفة الغربية، حيث نفذت قوات الاحتلال اقتحامات لمخيمات جنين وطولكرم وطوباس، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وتدمير البنية التحتية، وتهجير آلاف السكان.

وأظهرت تقارير فلسطينية أن هذه العمليات تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، وتوسيع الاستيطان، وتقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

حتى منتصف عام 2023، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس، حوالي 912 ألف لاجئ، ويعيش ربع هؤلاء اللاجئين تقريبًا في 19 مخيمًا رسميًا معترفًا بها من قبل الوكالة، بينما يقيم الباقون في مدن وقرى الضفة الغربية.

توزعت هذه المخيمات على مناطق مختلفة من الضفة الغربية، ومن أبرزها: مخيم شعفاط، والأمعري، والجلزون، ودير عمار، وبلاطة، إضافة إلى مخيم عسكر القديم والجديد، ومخيم طولكرم، ونور شمس، ومخيم جنين، وقلنديا، والدهيشة، وعايدة، والفوار.

اظهار أخبار متعلقة


تعاني هذه المخيمات من اكتظاظ سكاني كبير، حيث يعيش اللاجئون في مساحات محدودة مع بنى تحتية وخدمات أساسية محدودة، كما تواجه تحديات أمنية واقتصادية نتيجة للاحتلال الإسرائيلي المستمر، بما في ذلك التوغلات العسكرية والقيود على الحركة.

وتصاعدت خلال العامين الماضيين الهجمة السياسية والإعلامية التي تقودها "إسرائيل" ضد الأونروا، وترافقت هذه الحملة مع إجراءات ميدانية ودبلوماسية تهدف إلى إقصاء الوكالة الدولية وتقويض دورها التاريخي في دعم اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارها إحدى أبرز تجليات الاعتراف الدولي بحق العودة.

واتهمت الحكومة الإسرائيلية العشرات من موظفي الأونروا بـ"الضلوع في أنشطة إرهابية"، مدعية وجود ارتباط مباشر بين عدد منهم وبين حركة حماس، لا سيما في سياق أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وقدّمت تل أبيب تقارير استخباراتية إلى الأمم المتحدة والدول المانحة تزعم استخدام منشآت الأونروا لتخزين الأسلحة أو إطلاق الصواريخ، ورافقت هذه الحملة اتهامات للمناهج التعليمية التي تُدرّسها الوكالة بأنها "تحرض على العنف"، وسط ضغط مكثف لإعادة صياغة البرامج التعليمية أو نقل مسؤوليتها إلى جهات أخرى.

وأعلنت "إسرائيل" خلال عام 2024 عن سلسلة من الإجراءات التصعيدية، أبرزها: منع الأونروا من العمل في القدس، وسحب التفويض الممنوح لها في الضفة الغربية، مع إغلاق مكاتبها في مناطق عدة.

وجرى حظر عودة الوكالة للعمل في قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية، والسعي لإنشاء بديل "محايد" عبر منظمات دولية لا ترتبط بالأمم المتحدة، مع دفع الدول المانحة نحو تجميد التمويل، وهو ما تحقق مؤقتًا حين أوقفت 18 دولة، بينها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، دعمها المالي استنادًا إلى الاتهامات الإسرائيلية.

وفي موازاة الضغط السياسي، طرحت "إسرائيل" عدة مقترحات لإعادة هيكلة آليات دعم اللاجئين، تتضمن نقل مهام الأونروا إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أو إلى منظمات غير حكومية تُدار دوليًا، أو حتى إلى السلطة الفلسطينية بإشراف خارجي، بما يمهد لتفكيك الوكالة تدريجيًا.

وتحقق ذلك مؤخرًا بعد إعلان أن "مؤسسة غزة الخيرية" هي التي ستتولى مسؤولية توزيع المساعدات في قطاع غزة، بعد إعادة دخولها المتوقع قبل نهاية أيار/ مايو الجاري بموافقة إسرائيلية.

ويُنظر إلى هذه المقترحات باعتبارها جزءًا من محاولة إسرائيلية لتغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني في القانون الدولي، عبر حصر الصفة في جيل النكبة الأصلي دون توريثها للأبناء، ما من شأنه تقليص عدد اللاجئين المعترف بهم من عدة ملايين إلى مئات الآلاف فقط.

حول العالم
يتواجد أكثر من 3.5 مليون فلسطيني مسجلين بشكل رسمي كلاجئين ضمن الأونروا في الأردن ولبنان وسوريا، ويُعتبر هؤلاء اللاجئون من أقدم وأكبر تجمعات اللاجئين في العالم، حيث يشكلون أكثر من ربع إجمالي عدد اللاجئين عالميًا.

ويعيش العديد من اللاجئين الفلسطينيين في عشرات المخيمات التي تديرها الأونروا في الأردن وسوريا ولبنان، حيث يعانون من ظروف معيشية صعبة، بما في ذلك الفقر والبطالة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وتتواجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين في دول عربية أخرى تشمل السعودية والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، ويُقدّر عددهم بحوالي 700 ألف شخص، معظمهم لا يحملون صفة لاجئ مسجّل لدى الأونروا، ويعيشون كعمال مغتربين أو مقيمين، ويخضع وضعهم لقوانين العمل والإقامة في تلك الدول.

وفي العراق: انخفض العدد بعد الغزو الأميركي عام 2003، ويُقدّر المتبقون ببضعة آلاف فقط، بينما في ليبيا: تراجعت أعداد الفلسطينيين أيضًا بعد 2011، ويُقدّر عددهم حاليًا بـ30 ألف حد أقصى، أما في مصر، فيُقدّر بـ100 ألف، معظمهم لاجئون قدموا من غزة بعد 1948 و1967، بينما يُقدّر أن 100 ألف آخرين وصلوا بعد بدء حرب الإبادة الحالية.

اظهار أخبار متعلقة


وفي أوروبا، وخاصة في ألمانيا والسويد وفرنسا، يُقدّر عدد الفلسطينيين اللاجئين والمهاجرين بنصف مليون، أما في الأمريكتين فيُقدّر عددهم بـ350 ألف فلسطيني، بينهم نسبة من اللاجئين أو أبناؤهم.

ما بين 1.5 إلى 2 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون خارج نطاق الأونروا، في دول الشتات حول العالم، وغالبيتهم لا يتمتعون بنفس الحقوق القانونية أو الحماية التي توفرها الأونروا للاجئين المسجلين لديها، بحسب تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وتقارير الأمم المتحدة.

في السنتين الماضيتين، تصاعدت وتيرة استهداف وملاحقة الفلسطينيين في الخارج، سواء من قبل "إسرائيل" أو عبر أطراف أخرى مرتبطة بأجهزتها الأمنية، وتتراوح أشكال هذا الاستهداف بين الاعتقال والتشهير والملاحقة القانونية، والتهديدات الإلكترونية، والتضييق على النشطاء والمؤسسات.

وتعرّض عدد من الناشطين الفلسطينيين في أوروبا لضغوط قانونية وملاحقات أمنية، وفي بعض الحالات، وُجهت لهم اتهامات متعلقة بـ"دعم الإرهاب"، ما أدى إلى تجميد أرصدة أو ترحيل أفراد.

وواجهت مؤسسات تعمل في دعم اللاجئين الفلسطينيين أو في توثيق جرائم الاحتلال، خاصة في ألمانيا، بريطانيا، والنمسا، حملات تشويه ووقف تمويل.

وتعرض عشرات الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين في الشتات لقرصنة هواتفهم أو استهدافهم ببرمجيات تجسس مثل برنامج بيغاسوس الإسرائيلي، كما تم تسجيل حالات تهديد علني أو مبطّن ضد أكاديميين وناشطين على وسائل التواصل.

وتصاعد الضغط الدبلوماسي من قبل "إسرائيل" على بعض الدول الأوروبية والعربية لمنع ظهور أشخاص يدعمون القضية الفلسطينية، وتم منع فعاليات تضامنية في أكثر من دولة بحجة معاداة السامية، رغم أنها كانت تسلط الضوء على حقوق الفلسطينيين.
التعليقات (0)