في ظل كارثة
إنسانية غير مسبوقة في
غزة، تواصل حكومة
نتنياهو التلويح بهجوم عسكري جديد قد يغير
ملامح القطاع إلى الأبد، ورغم الضغوط الدولية والمخاوف على حياة الأسرى، تصر تل
أبيب على التصعيد.
ونشرت صحيفة
"
الغارديان" مقالا لرئيس مركز الدراسات اليهودية في جامعة الدراسات
الشرقية والأفريقية (سواس) في لندن يائير والاش قال فيه إن الحديث عن هجوم جديد
كبير قد يكون مجرد ثرثرة استراتيجية، ولكنه في كلتا الحالتين يُحقق هدفا، فهو
يُظهر أن السياسة المتطرفة أصبحت الآن سائدة.
وأضاف المقال
أنه بعد شهرين من القصف والغارات اليومية والحصار الشامل الذي يمنع دخول الغذاء
والدواء إلى غزة، وافقت إسرائيل يوم الاثنين على خطة عسكرية تزعم أنها ستؤدي إلى
تدمير
حماس نهائيا، وتهدف إلى احتلال أجزاء كبيرة من القطاع والحفاظ على وجود
إسرائيلي دائم هناك.
اظهار أخبار متعلقة
وأكد كاتب
المقال أن العملية أُطلق عليها اسم "عملية عربات جدعون"، ولكن قد يكون
من الأدق تسميتها "خارطة الطريق إلى الجحيم"، وسيجبر المزيد من السكان
على الانتقال إلى "منطقة إنسانية" تتقلص باستمرار، بينما تبحث إسرائيل
عن خيارات لتهجيرهم الدائم من القطاع.
وتابع والاش أنه
في حين يُوضح المسؤولون الإسرائيليون أن الهجوم المتجدد سيساعد على إطلاق سراح الأسرى،
فمن الواضح تماما أن تكثيف العمليات العسكرية لن يؤدي إلا إلى تعريضهم لخطر أكبر،
وأبدت عائلات الأسرى قلقها البالغ إزاء إعلان مجلس الوزراء، حيث لا يزال 59
إسرائيليا محتجزين في غزة، ويُفترض أن 24 منهم على قيد الحياة، وبينما تُبدي
إسرائيل استعدادها للموافقة على هدنة مقابل إطلاق سراح الأسرى، إلا أنها ترفض رفضا
قاطعا التفاوض على وقف إطلاق نار دائم.
وأضاف والاش أنه
إذا تابعتَ الخطابات والأفعال الرسمية الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، فلن تُفاجئك
خطة بنيامين نتنياهو الأخيرة، حيث دعا وزراء رئيسيون في الحكومة، من حزب الليكود
الحاكم وحلفائه الأكثر تطرفا، مرارا وتكرارا إلى احتلال غزة بالكامل، وطرد سكانها،
وإقامة مستوطنات إسرائيلية هناك.
وأشار إلى
أنه منذ أذار/ مارس، أعلن نتنياهو أن الرؤية النهائية لغزة هي الهجرة
"الطوعية" لسكانها، كجزء من "رؤية ترامب" (لقد تراجع ترامب
منذ فترة طويلة عن اقتراحه بنقل الفلسطينيين من غزة، ويبدو أن نتنياهو قد نسي أن
تعليقات ترامب الأصلية تضمنت سيطرة أمريكية دائمة على القطاع).
وتسائل والاش
هل تستعد إسرائيل حقا لمحاولة أخيرة لتحقيق هذه الأجندة المتطرفة؟ مجيبا أن الأمر
ليس واضحا تماما، أولا، تجدر الإشارة إلى أن الخطة لا تتضمن، على ما يبدو، احتلال
القطاع بأكمله، من المتوقع أن يسفر الهجوم العسكري عن خسائر بشرية فادحة، ودمار
هائل، وتهجير قسري للسكان، وتفاقم الكارثة الإنسانية، ومع ذلك، ستبقى جيوب كبيرة
من المناطق التي تسيطر عليها حماس، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الحركة ستستسلم.
اظهار أخبار متعلقة
وتابع كاتب المقال
أنه علاوة على ذلك، لن تبدأ العملية قبل 16 أيار/ مايو، أي بعد زيارة الرئيس ترامب
المقررة إلى السعودية والإمارات وقطر، ومن الواضح أن الإعلان عن تفاصيل عملية
عسكرية كبيرة قبل 10 أيام من تنفيذها سيؤدي إلى نتائج عكسية، مما يوحي بأن
الحسابات الأساسية للإعلان قد تكون سياسية، وليست عسكرية بعد.
وأضاف والاش أنه
بالنسبة لنتنياهو، هذا أسلوب عمل نموذجي: إعلان دراماتيكي لإعادة تشكيل النقاش
الدولي والمحلي، مع ترك الوقت والخيارات الكافية له لتغيير المسار، إذا لزم الأمر،
وأحد المستهدفين المحتملين في الخطاب هو الإدارة الأمريكية، وقد يكون هذا الموقف
العدواني مصمما لاستباق الضغط الأمريكي، نتيجة محادثات ترامب المقبلة مع قادة
الخليج، وتزايد احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي أمريكي-إيراني، ضد رغبات إسرائيل.
وأكد والاش أنه
لشن عملية بالحجم المطلوب لاحتلال أجزاء من قطاع غزة، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى
دعم عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، حيث تشير التقارير إلى أن الجيش بدأ
باستدعائهم، لكن من غير الواضح ما إذا كان حشد هذه القوات سيكون سهلا، فهناك
بالفعل إرهاق وخيبة أمل واسعي النطاق.
وفي عام
2024، خدم متوسط جندي الاحتياط في الوحدات القتالية 136 يوما - مقارنة بثمانية
أيام فقط سنويا قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهذا يُشكّل عبئا ثقيلا على جنود
الاحتياط وعائلاتهم والاقتصاد الإسرائيلي.
وأضاف كاتب
المقال أنه مع استمرار الحرب وانقلاب الرأي العام ضدها، انخفض عدد جنود الاحتياط
الذين التحقوا بالخدمة إلى 50 بالمئة في بعض الوحدات، وأظهر استطلاع رأي هذا
الأسبوع أن معظم الإسرائيليين (53بالمئة) يعتقدون أن توسيع الحرب مدفوع بمصالح
نتنياهو السياسية، بينما يعتقد 35 بالمئة فقط أن الحكومة تعمل لصالح الأمن القومي،
إذا ظل الرأي العام معارضا للهجوم، فمن الصعب أن نرى الحكومة تقوم بتنفيذه.
اظهار أخبار متعلقة
وتابع والاش أن
مع تزايد الضغط الشعبي حول الأسرى، إلى جانب الفضائح والإخفاقات العديدة المرتبطة
بحكومة نتنياهو، فإن الوعد بهجوم وشيك يوفر للحكومة وسيلة لإعادة تشكيل الرواية،
على أمل أن تحفز طبول الحرب دعما شعبيا متجددا.
وقال إن هذه
ليست المرة الأولى التي يعد فيها نتنياهو بأن تدمير حماس في الأفق، في كانون
الأول/ ديسمبر 2023، مع توسع إسرائيل في عملياتها العسكرية، تعهد نتنياهو بتحقيق
نصر سريع وشامل، وقبل احتلال إسرائيل لرفح في أيار/ مايو 2024، قال نتنياهو إن
النصر "على بعد خطوة واحدة"، وأن رفح هي المفتاح لتدمير حماس. استمرت
الحرب الآن لمدة 19 شهرا - الأطول في تاريخ إسرائيل - دون نهاية في الأفق، حتى مع
الإعلان الأخير.
في غضون ذلك،
تشتد مجاعة غزة، منذ 2 آذار/ مارس، لم تسمح إسرائيل بدخول أي طعام إلى القطاع، هذا
هو الحصار الأطول والأقسى والأكثر إحكاما في تاريخ غزة الحديث.
وأعلن برنامج
الغذاء العالمي نفاد مخزونه الغذائي في 25 نيسان/ أبريل، وحذرت اليونيسف من أن
المساعدات الإنسانية، التي كانت شريان الحياة الوحيد لأطفال غزة، "على وشك
النفاد"، ومع تدمير إسرائيل للأراضي الزراعية، يعتمد سكان غزة البالغ عددهم
2.1 مليون نسمة بشكل شبه كامل على الغذاء القادم من الخارج. كما أن الأدوية آخذة
في النفاد، والمياه النظيفة شحيحة.
اظهار أخبار متعلقة
واختتم والاش
مقالة قائلا سواء تم تنفيذ الهجوم الجديد بالكامل أو بشكل محدود، أو أُجّل لفترة
أطول، فإن أهداف الحكومة الإسرائيلية واضحة، فهي عازمة على شن حرب مفتوحة متفاوتة
الشدة، مما يجعل قطاع غزة غير صالح للسكن بشكل متزايد. ويتمثل الأفق البعيد في
التطهير العرقي للقطاع وإعادة احتلاله من قبل إسرائيل، كجزء من رؤية لدولة يهودية
خالصة بين النهر والبحر، ما كان في السابق رؤية جماعة متطرفة صغيرة محظورة مثل
الحاخام مائير كاهانا أصبح الآن سياسة حكومية رسمية، وسواء من خلال عمل عسكري
حاسم، أو تجويع جماعي، تعمل حكومة نتنياهو على جعل هذه الرؤية قابلة للتطبيق.