عرف العالم في 1971م صدمة نيكسون، التي من خلالها اتخذ الرئيس الأمريكي نيكسون سلسلة من التدابير
الاقتصادية وأهمها إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى ذهب، وهو ما أدى بعد ذلك إلى انهيار نظام بريتون وودز، وبرر نيكسون هذا القرار بدعوى حماية الأمن القومي الأمريكي.
وقد جاء
ترامب وبدأ ولايته بالصدمات، بدءا من وعد ترامب الذي سار على نفس وعد بلفور برغبته في الاستيلاء على غزة وتحويلها من ميدان للكرامة والدفاع عن الأرض والحقوق إلى اغتصاب للأرض، وإلى ريفيرا تداس فيها الحقوق وتنتهك فيها الحرمات. وقد قوبلت تلك الصدمة بسندان من الصمود من أهل غزة الذين ما زالوا يدافعون عن عرض وكرامة أمة ماتت الغيرة منها، وبأيديهم ستكتب نهاية المشروع الصهيوني.
ثم جاءت صدمة ترامب الثانية من خلال دعمه بقوة لإجرام رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو في غزة، وإمداده بالمال والسلاح، بل وتبني الصهيونية أكثر من نتنياهو نفسه. وما زال الكيان الصهيوني يقتل البشر والشجر والحجر في غزة، في ظل حصار خانق، وخذلان عربي وإسلامي، بل وتواطؤ فاضح، ومقابل كل ذلك صمود لأهل غزة، وصبر ورباط واضح.
يدير ترامب اقتصاد أمريكا على أنه شركة تجارية من شركاته، محمية بمليشيا عسكرية، فلم يكتف بنار الحرب في غزة وما أصاب الناس فيها من مظالم لا يتحملها البشر، بل أعاد إشعال نار هذا العدوان الصهيوني المجرم، وامتدت حروبه إلى الحرب الاقتصادية ظنا بأن القوة الباطشة حامية، ناسيا أو متناسيا أن القوة بغير العدل إذا كان لها قدرة على تدمير الغير، فإنها في نهاية المطاف ستدمر صاحبها
ثم جاءت صدمة ترامب الثالثة من خلال
الضرائب الجمركية التي فرضها على دول العالم بنسب تراوحت بين 10 في المئة و 67 في المئة، باسم حماية الأمن القومي الأمريكي، ملتفا على قواعد منظمة التجارة العالمية التي لم تحرك ساكنا، وهو الأمر الذي أدى إلى خسائر فادحة بالمليارات في الأسواق الأمريكية. وقد حذر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي من تداعيات قرار ترامب، حيث وصف تلك الضرائب الجمركية بأنها الأعنف منذ نصف قرن، وأنها ستدمر الاقتصاد الأمريكي. كما حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم بأول من من قرار ترامب، مؤكدا أنه زاد من مخاطر ارتفاع معدل البطالة، مرجّحا أن يؤدي إلى زيادة التضخم وتباطؤ النمو. وفي الوقت نفسه طالبه ترامب بخفض سعر الفائدة. كما حذر رئيس مؤسسة بلاك روك المالية لاي فينك؛ من أن الدولار قد يفقد مكانته كعملة احتياطية.
وما يقوله الأمريكان أنفسهم هو دليل كاشف لقرارات ترامب وصدماته، حيث يدير ترامب اقتصاد أمريكا على أنه شركة تجارية من شركاته، محمية بمليشيا عسكرية، فلم يكتف بنار الحرب في غزة وما أصاب الناس فيها من مظالم لا يتحملها البشر، بل أعاد إشعال نار هذا العدوان الصهيوني المجرم، وامتدت حروبه إلى الحرب الاقتصادية ظنا بأن القوة الباطشة حامية، ناسيا أو متناسيا أن القوة بغير العدل إذا كان لها قدرة على تدمير الغير، فإنها في نهاية المطاف ستدمر صاحبها حتما لا محالة.
إن ترامب ليس في الملعب العالمي لوحده، فهناك قوى كبرى لها مصالحها التي تدافع عنها، وقد برز ذلك من خلال الصين التي بدأت في إجراءات معاكسة، ودول الاتحاد الأوروبي تحاول تلملم جراحها لاتخاذ موقف، وللأسف الدول العربية والإسلامية تنتظر ماذا يحدث لها دون تحرك إيجابي، حتى أن ترامب قال للأمريكان -بعد خسارة سوق الأسهم الأمريكية 3 مليار دولار-: "لا تقلقوا، هناك 7 تريليونات دولار في الطريق إلينا، الأسواق ستزدهر". وأخشى ما أخشاه أن تكون هذه الأموال من دماء وأموال الشعوب العربية من حكام فتحوا خزائنهم لجزية ترامب، من أجل المكوث على كرسي زائل في بلاد لا يختلف حالها عن حال بلاد ملوك الطوائف.
إنه مما لا شك فيه أن قرار ترامب له على الداخل الأمريكي، فإذا كان ترامب يعتبر هذا القرار لحماية الصناعة المحلية، لا سيما من المنتجات المستوردة من الصين مثل الصلب والألمونيوم وغيرها من المنتجات من دول العالم، فضلا عن تقوية موقفه التفاوضي مع الدول الأخرى، إلا أن هذا التفاوض كان يمكن أن يتم بغير هذه الصورة العدوانية، كما أن هذه الحماية الموهومة لا تقارن بالخسائر المترتبة على هذا القرار من ارتفاع تكلفة التصنيع في الولايات المتحدة لاعتماد العديد من الشركات الأمريكية علـى مواد خام مستوردة، فضلا عن ارتفاع تكلفة السلع الأمريكية بصفة عامة، وهو ما يزيد من الموجات التضخمية، التي تصيب المواطن الأمريكي في صلب معيشته.
العالم مقبل على تغيير وهناك من يخرب بيته بنفسه لينقضي أجله، ووفقا للمعطيات التاريخية فإن السنين القادمة ستزول فيها دول وتعلو أخرى
كما أن الاقتصاد العالمي معرض للركود والتقلبات في الأسواق الحقيقية والمالية وتباطؤ معدلات النمو نتيجة لتلك الحرب الاقتصادية، وهذا سوف يدفع العديد من دول العالم إلى البحث عن مصالحها وبذل الجهد بقوة لإيجاد بديل للدولار كعملة تسويات دولية إلى أن يتم تحييده ولفظه، فضلا عن زيادة قوة التكتلات الاقتصادية من خلال توحد الدول أصحاب المصالح المشتركة ضد سياسة الولايات المتحدة. وبذلك يخسر ترامب الداخل الذي بدأ ينتفض بالمظاهرات، والخارج الذي يسعى إلى إسقاط التحالف مع الولايات المتحدة من أجنداته.
إن العالم مقبل على تغيير وهناك من يخرب بيته بنفسه لينقضي أجله، ووفقا للمعطيات التاريخية فإن السنين القادمة ستزول فيها دول وتعلو أخرى، وهذه سنة الله في خلقه، فالأمم لها آجال كما للأشخاص آجال، "ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (الأعراف: 34)، فإذا كانت الشرارة الأولى اشتعلت من غزة، فإنها جاءت لاستيقاظ النائمين والكشف عن المتخاذلين المتآمرين، وميلاد جيل جديد يحمل أمانة التحرير ليس لفلسطين فحسب، بل للأمة الإسلامية جميعها. والله عز وجل ييسر من الأسباب ما يحقق ذلك ولو تعاظمت الآلام، فلا تغيير بدون تضحية.
والنظام الأمريكي يهدم نفسه بنفسه، والأوربيون منهمكون في مشاكلهم التي لا تنتهي، ولن يجد الصهاينة يوما ما أنفسهم إلا عراة بدون غطاء أمريكي أو غيره، ووقتها سيتحقق وعد الله، الذي لا يُخلف وعده. فدماء أهل غزة هي وقود النصر والتحرير، وفي الوقت نفسه لعنة على المتخاذلين والمتآمرين. وإن غدا لناظره قريب.
x.com/drdawaba