لم تمر أشهر ثلاثة على تولي، دونالد
ترامب
الرئاسة الأمريكية، حتى انقلب على الموقف الأساسي الذي اعتمده في معركته
الانتخابية، وتهجّمه على جو بايدن الرئيس الأمريكي السابق، رأساً على عقب. يعني
أصبح واقفاً على رأسه، و قدماه إلى أعلى. كيف؟
الكل يذكر أنه راح ينقد بايدن، لتورّطه في
حرب أوكرانيا، وغزة أو اليمن، أو لبنان، مدعيّاً أنه سيحقق الأهداف الأمريكية،
بسياسة الصفقات، بعيداً من الحرب. وأكد قبل أن يصل إلى الرئاسة، أنه يريد تسلّم
السلطة الأمريكية، بلا حروب مشتعلة. وقد لعب دوراً هاماً في الضغط على نتنياهو،
لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، في أواخر عهد بايدن.
ولكن لم تمر أشهر ثلاثة، على رئاسة ترامب،
حتى اندلعت حرب أمريكية مجنونة، ضدّ اليمن، وفي ظل تهديدات مجنونة، لشنّ الحرب ضدّ
إيران، ثم اندلاع الحرب من جديد في قطاع غزة، وبوحشية فاقت في يوم واحد
17/18/3/2025، معدّل الحرب طوال 16 شهراً، في غزة. والأهم، إن اصبعه الآن على
الزناد، لإطلاق حرب إقليمية (ربما شبه عالمية) ضدّ إيران.
عندما يتحوّل ترامب بهذه الشخصية، من رجل "الصفقات" إلى رجل الحرب، واستخدام القوّة العسكرية، أو على حدّ تعبيره الأثير إلى منهجية "فتح أبواب الجحيم"، يعني أن العالم أصبح في مواجهة أخطار شديدة، لم يُحسب حسابها من قبل، أو لم يمرّ بمثلها من قبل.
بكلمة، أصبح ترامب الآن، رجل الحرب، والحرب
فقط، بدل رجل السلم والسياسة والصفقات فقط. الأمر الذي يشهد على فشله، بالنسبة إلى
ما وضعه من
سياسات، قبيل تسّلمه الرئاسة، وما بعدها بشهرين تقريباً. فما يفعله
الآن في حربه في اليمن، وفي غزة، وما يهدّد به إيران، يجعل منه ترامب آخر، من
ناحية الاستراتيجية في تحقيق الأهداف، مع محافظته على شخصيته النزقة الهوائية
الرغائبية، والمتقلبة من فشل إلى فشل.
ومن ثم لم يعد لدى ترامب، من سبب يبقيه في
الميدان، غير رئاسته للدولة الأمريكية، بما تمتلكه من نفوذ وجيش ومال، بما يسمح له
أن يفشل فينقل "البندقية" من كتف إلى الكتف الآخر. ومن دون أن يرمش له
جفن.
عندما يتحوّل ترامب بهذه الشخصية، من رجل
"الصفقات" إلى رجل الحرب، واستخدام القوّة العسكرية، أو على حدّ تعبيره
الأثير إلى منهجية "فتح أبواب الجحيم"، يعني أن العالم أصبح في مواجهة
أخطار شديدة، لم يُحسب حسابها من قبل، أو لم يمرّ بمثلها من قبل. لأن نوع المخاطر
والفوضى، والحروب (ومستواها) قد يُحوّل النظام العالمي السائد، إلى خطر العيش فوق
أرض نووية، قد تنفجر في أيّة لحظة. لأن عقلية ترامب، ستكون العقلية نفسها، في
تعامله مع الصين وروسيا، والدول الكبرى الأخرى، وفقاً للنتائج المترتبة على خريطة
حروبه الراهنة. وذلك بغض النظر، في حالة الفشل، كما في حالة النجاح فيها.
ففي حالة الفشل، سيذهب ترامب لوصفة
"داوني بالتي كانت هي الداء"، وفي حالة "النجاح"، لا سمح
الله، سيذهب لوصفة "هكذا تعالج الأمور".
من هنا يكون العالم كله، أمام تطوّر جديد في
نهج ترامب، يتطلب منه تدارك هذا الجنون، مبكراً، قبل أن يستفحل، ويأخذ مداه. وذلك
من خلال التحرك السريع ضد سياسات الحرب التي أطلقها في اليمن وغزة، ويُهدّد
بإطلاقها ضدّ إيران.
أما على مستوى الذين يتعرضون للحرب، فإن
الصمود أو المواجهة، هما الخيار الصحيح، لإفشاله والمساهمة مع العالم كله، في دفع
هذا البلاء المستطير.