المقاومة كقيمة استراتيجية
جاءت تصريحات أسامة، حمدان عضو
المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أخيرا في منتدى الجزيرة لتكون
فاصلة في كثير من الموضوعات الشائكة في ظل ثلة من التحولات السياسية والاجتماعية
تشهدها المنطقة العربية كلها، فجاءت تصريحات حمدان لتؤكد على أهمية المقاومة كقيمة
استراتيجية لا غنى عنها في مواجهة الاستبداد والاحتلال. هذه التصريحات لم تكن مجرد
كلمات عابرة، بل كانت رسالة واضحة ومباشرة لكل الحركات الإسلامية والقوى السياسية
التي اختارت الصمت أو التراجع أمام التحديات الكبرى التي تواجه الأمة.
فبعد مرور عامين بعد عقد كامل على
انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 في مصر، يظل السؤال قائما: لماذا لم تتحرك الحركات
الإسلامية والقوى المناصرة للعدالة لدعم الشعب المصري؟ كيف يمكن لهذه الحركات أن
تستعيد دورها الحقيقي كقوة
تغييرية في المجتمع؟ هذه الأسئلة تكتسب أهمية خاصة في
ضوء التحديات المستمرة التي تواجهها الشعوب العربية والإسلامية.
دروس من التجربة الفلسطينية
منذ تأسيس حركة حماس عام 1987، أصبحت
تمثل نموذجا فريدا لمقاومة الاحتلال والاستبداد. عبر سنوات طويلة، أثبتت الحركة أن
المقاومة ليست مجرد شعار، بل هي استراتيجية شاملة تشمل كل جوانب الحياة: السياسية،
الاجتماعية، وحتى الاقتصادية.
بعد مرور عقد على الانقلاب في مصر يقدم لنا درسا واضحا في أهمية الوحدة والمقاومة. فقد تعرض الشعب المصري لواحدة من أسوأ الفترات في تاريخه الحديث، كان هناك نقص كبير في الدعم الإقليمي والدولي، خاصة من قبل الحركات الإسلامية التي كان يُنتظر منها أن تكون في الصفوف الأمامية لدعم العدالة والديمقراطية
تعكس تصريحات أسامة حمدان هذا الفهم
العميق للمقاومة، حيث يشدد على أهمية استمرار النضال ضد الظلم والطغيان، وأن
الحديث عن نزع سلاح المقاومة درب من الخيال وأن المقاومة هي الخيار الأوحد سواء
كان ذلك في فلسطين أو في أي مكان آخر.
ووفقا لتقرير صادر عن "مجموعة الأزمات
الدولية" (International Crisis Group) عام 2021، فإن حركة حماس نجحت في بناء نظام اجتماعي وسياسي قوي
رغم الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عقدين. هذا النظام يعتمد على عدة عوامل
رئيسية، منها:
- الوحدة الداخلية: حرصت الحركة على
الحفاظ على تماسك صفوفها وتعزيز الثقة بين أعضائها.
- التنمية الاقتصادية: إطلاق مشاريع
تنموية محلية لتخفيف آثار الحصار واقامة مشاريع اقتصادية تدعم المقاومة.
- التعاون المجتمعي: بناء شبكة دعم
مجتمعي قوية تعتمد على مشاركة المواطنين في مختلف المجالات.
هذه العوامل تجعل من حماس نموذجا
يمكن أن تستلهم منه الحركات الإسلامية الأخرى، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي
تواجهها اليوم.
مصر: درس في أهمية الوحدة والمقاومة.
بعد مرور عقد على الانقلاب في مصر
يقدم لنا درسا واضحا في أهمية الوحدة والمقاومة. فقد تعرض الشعب المصري لواحدة من
أسوأ الفترات في تاريخه الحديث، كان هناك نقص كبير في الدعم الإقليمي والدولي،
خاصة من قبل الحركات الإسلامية التي كان يُنتظر منها أن تكون في الصفوف الأمامية
لدعم العدالة والديمقراطية.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة
"هيومان رايتس ووتش" (Human Rights Watch) عام 2023، فإن السلطات المصرية قامت بحملة قمع واسعة ضد المعارضة
السياسية والحركات الإسلامية، أدت إلى اعتقال الآلاف وإغلاق المنظمات الحقوقية
والنقابات المهنية. هذه الحملة القمعية لم تقتصر فقط على الجوانب السياسية، بل
امتدت لتشمل حرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع، عبر
الاعتقال والتنكيل والتشريد.
تأتى تصريحات أسامة حمدان في هذا
السياق لتذكّر العالم العربي والإسلامي بأن المقاومة ليست خيارا، بل هي ضرورة.
المقاومة هنا لا تعني فقط العمل العسكري، بل تشمل أيضا العمل السياسي والثقافي
والاجتماعي الذي يستهدف بناء مجتمعات قوية قادرة على مواجهة التحديات.
الحركات الإسلامية: بين الصمت
والمسؤولية
السؤال المطروح الآن هو: لماذا
اختارت بعض الحركات الإسلامية الصمت أمام الانقلابات العسكرية والانتهاكات
الحقوقية؟ هل هذا الصمت نابع من ضعف حقيقي أم من حسابات سياسية؟
أجرى مركز "كارنيغي للشرق
الأوسط" عام 2022 دراسة أظهرت أن العديد من الحركات الإسلامية في العالم
العربي قد فقدت جزءا كبيرا من شعبيتها بسبب ما اعتبره البعض "ضعف
موقفها" أمام التحديات الكبرى. هذه الدراسة أشارت إلى أن الحركات الإسلامية
أصبحت أكثر تركيزا على الحفاظ على مكتسباتها المحلية بدلا من دعم قضايا الحرية
والعدالة في الدول الأخرى.
تدعو تصريحات أسامة حمدان تدعو إلى
إعادة النظر في هذه السياسات. المقاومة ليست فقط حقا مشروعا، بل هي واجب أخلاقي
وسياسي. وعلى الحركات الإسلامية أن تدرك أن صمتها ليس فقط خسارة لها، بل هو خيانة
للقضايا التي قاتلت من أجلها.
دور الإعلام في تعزيز المقاومة
في الحرب الأخيرة لعب الإعلام بصفة
عامة والشعبي بصفة خاصة؛ دورا اظهر قيم المقاومة وتعزيزها داخل المجتمع الفلسطيني
والمجتمع العالمي ونشر ثقافة التغيير.
ووفقا لتقرير صادر عن "المعهد
الدولي للإعلام" (IIM) عام
2023، فإن الإعلام العربي يعاني من نقص كبير في تغطية قضايا المقاومة والعدالة
الاجتماعية. معظم وسائل الإعلام العربية تركز على الأخبار السياسية والاقتصادية
دون تقديم صورة شاملة عن معاناة الشعوب تحت وطأة الاستبداد، ولم يكن هناك صوت إلا
صوت الجزيرة.
دعا أسامة حمدان في تصريحاته الأخيرة
إلى إنشاء منصات إعلامية جديدة قادرة على نشر رسائل المقاومة وتعزيز الوعي العام
حول أهمية النضال ضد الظلم. هذه المنصات يمكن أن تكون أداة فعالة في بناء جسور
التواصل بين الشعوب المختلفة وتعزيز الروح النضالية.
التحديات المستقبلية: نحو استراتيجية
مشتركة
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه
الأمة اليوم، يتطلب الأمر استراتيجية مشتركة تقوم على التعاون بين جميع القوى
المناصرة للحرية والعدالة. يجب أن تكون المقاومة خيارا استراتيجيا يجمع بين العمل
السياسي والعسكري والثقافي، بهدف تحقيق تغيير حقيقي ومستدام.
ففي دراسة أجرتها جامعة
"برينستون" عام 2022 أشارت إلى أن النجاح في مواجهة الاستبداد يتطلب
ثلاثة عناصر أساسية:
1- التخطيط طويل الأمد: وضع خطط
استراتيجية تأخذ في الاعتبار التحديات المستقبلية.
المقاومة ليست مجرد شعار، بل هي فعل يومي يستلزم التضحية والتكاتف. وعلى الحركات الإسلامية أن تختار بين أن تكون جزءا من الحل أو أن تبقى أسيرة الماضي. الخيار واضح، والوقت قد حان لاتخاذ موقف واضح لا لبس فيه
2- التعاون الإقليمي: بناء تحالفات
قوية بين الحركات الإسلامية والقوى الديمقراطية.
3- التواصل مع الشعب: تعزيز الثقة
بين الحركات السياسية والشعوب من خلال الشفافية والمشاركة.
تقدم تصريحات أسامة حمدان إطارا فكريا
وعمليا لتحقيق هذه الأهداف، فهي تذكرنا بأن المقاومة ليست فقط حقا مشروعا، بل هي
واجب أخلاقي وسياسي.
الإسلام السياسي: بين الماضي
والحاضر.
للأسف، الإسلام السياسي في السنوات
الأخيرة قد تعرض لانتقادات واسعة بسبب ما اعتبره البعض "ضعف أدائه" في
مواجهة التحديات الكبرى. تقرير صادر عن "مركز دراسات الشرق الأوسط" (MEC) عام 2023 أشار إلى أن الإسلام السياسي
يحتاج إلى إعادة تعريف نفسه بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
تفتح تصريحات أسامة حمدان الباب أمام
نقاش هام حول مستقبل الإسلام السياسي. هل يمكن لهذه الحركات أن تتجاوز الخلافات
الداخلية والضغوط الخارجية لتكون صوتا واحدا يدافع عن العدالة والحرية؟ الإجابة
تعتمد على مدى استعدادها للتغيير والتكيف مع الواقع الجديد.
ختاما: المقاومة خيار استراتيجي
بعد مرور أكثر من عقد على الانقلاب
في مصر، ومع تصاعد التحديات في المنطقة، تأتي تصريحات أسامة حمدان كنداء للوعي
والمسؤولية. المقاومة ليست مجرد شعار، بل هي فعل يومي يستلزم التضحية والتكاتف.
وعلى الحركات الإسلامية أن تختار بين أن تكون جزءا من الحل أو أن تبقى أسيرة
الماضي. الخيار واضح، والوقت قد حان لاتخاذ موقف واضح لا لبس فيه.