شهد العام الثاني من حرب الإبادة الإسرائيلية
المستمرة على قطاع
غزة العديد من المحطات، والتي شكّلت علامات بارزة في المشهد
الفلسطيني، لعل أبرزها التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار لمدة ستين يوما، وتخلله
عمليات تبادل أسرى استمرت على مدى ستة أسابيع.
بعد أكثر من عام على بدء حرب الإبادة، استشهد قائد
حركة المقاومة الإسلامية
حماس يحيى السنوار خلال اشتباك مسلح مع قوات
الاحتلال
الإسرائيلي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ذلك بتاريخ 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
استشهاد يحيى السنوار
ورغم أن اغتيال السنوار كان صدفة، إلا أنّه شكل
علامة بارزة في العام الثاني من حرب الإبادة، خصوصاً أنه اشتبك مع جيش الاحتلال
قبيل استشهاده في حي تل السلطان غرب مدينة رفح، وذلك في عملية عسكرية وُصفت بأنّها
"غير مخطط لها وعشوائية".
ووُصف السنوار بأنّه مهندس طوفان الأقصى الذي نفذتها
كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، وقاد حماس في
غزة منذ 2017، وكرّس حياته لتعزيز قوة المقاومة وتوطيد العلاقات مع إيران وحزب
الله، وأصبح أكثر الشخصيات تأثيراً في الساحة الفلسطينية.
ورغم أنه كان هدفا دائما لقوات الاحتلال، إلا أنه لم
يتراجع أو يختبئ، وظل يقاتل على الأرض حتى النهاية، مرتديا زيه العسكري وحاملا
بندقيته، وترك السنوار وراءه إرثا من المقاومة والإرادة لأجيال قادمة، وهو الذي
طالما قال إن الموت في سبيل الوطن والدين شرف لا يخافه.
وقف مؤقت للإبادة
وبعد نحو 3 شهور من استشهاد السنوار، وافق الاحتلال
الإسرائيلي وحركة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار بتاريخ 15 كانون الثاني/ يناير
2025، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 19 من الشهر ذاته، ويتضمن مقترح الاتفاق ثلاث
مراحل تبدأ بوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، ومن ثم الإفراج عن جميع
الأسرى
الإسرائيليين مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، ثم وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب
كامل لجيش الاحتلال من غزة، وعملية إعمار تستمر من 3 إلى 5 سنوات.
ونصت المرحلة الأولى على إجراء عملية تبادل أسرى تشمل
33 أسيراً إسرائيلياً معظمهم من النساء، مقابل إطلاق سراح 30- 50 فلسطينيا (بدءا
بالنساء والأطفال) عن كل إسرائيلي، وخلال هذه المرحلة، يتوجب على الاحتلال
الإسرائيلي السماح بكميات كافية من المساعدات الإنسانية وعودة النازحين إلى
منازلهم.
وتتضمن هذه المرحلة أيضا بدء الانسحاب التدريجي لجيش
الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، إلى جانب بدء مفاوضات لوقف دائم لـ"الأعمال
العدائية".
وفي المرحلة الثانية، يقبل الاحتلال بوقف دائم
لإطلاق النار وتطلق حماس الأسرى الذكور المتبقين (مدنيين وعسكريين) مقابل إطلاق
سراح عدد محدد من الأسرى الفلسطينيين. وفي المرحلة الثالثة، ستفرج حماس عن جثث
الأسرى المتوفين. وفق مقترح 5 أيار/ مايو 2024، وتلتزم إسرائيل برفع الحصار عن غزة.
شهدت الصفقة ثماني جولات من تبادل الأسرى بين الاحتلال
الإسرائيلي وحركة حماس، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وُجهت
اتهامات مستمرة لإسرائيل بانتهاكه، من خلال قتل الفلسطينيين بشكل شبه يومي وعرقلة
وصول المساعدات.
في 1 آذار/ مارس 2025، وهو اليوم الذي كان من المقرر
أن تنتهي فيه المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، رفضت حماس اقتراحا إسرائيليا
بتمديد المرحلة وإطلاق المزيد من الأسرى. وأكدت حماس أن المرحلة الثانية يجب أن
تمضي كما تم الاتفاق عليها في الأصل.
صرح مكتب نتنياهو بأن إسرائيل وافقت على خطة أمريكية
لتمديد الهدنة في غزة خلال فترتي رمضان وعيد الفصح. وبموجب هذه الخطة، سيتم إطلاق
نصف الأسرى الأحياء والأموات في اليوم الأول من الهدنة الممتدة، وسيتم إطلاق بقية
الأسرى في نهاية الفترة إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. وذكرت المصادر أن
الاتفاق الأولي سمح لإسرائيل باستئناف الحرب في أي لحظة بعد 1 آذار/ مارس 2025 إذا
اعتبرت المفاوضات غير فعالة.
بعد رفض حماس تمديد وقف إطلاق النار وفقًا للخطة
الأمريكية، أوقفت إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة في اليوم التالي بتاريخ 2 آذار/ مارس
2025، وأدان الوسطاء مصر وقطر، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، الحصار المفروض على
المساعدات الإنسانية، معتبرين أنه انتهاك لوقف إطلاق النار، والذي نص على أن
المرحلة الأولى سيتم تمديدها تلقائيًا طالما أن مفاوضات المرحلة الثانية مستمرة.
استئناف الإبادة
في فجر يوم الثلاثاء 18 آذار/ مارس 2025، شن جيش
الاحتلال الإسرائيلي هجوما جويا واسعا على جميع أنحاء قطاع غزة، معلنا بذلك انهيار
وقف إطلاق النار قبل التوصل إلى المرحلة الثانية، واستئناف العدوان على غزة، وشنت
طائرات الاحتلال عدوانا واسعا أسفر عن استشهاد أكثر من 300 فلسطيني وجرح المئات في
أول ثلاث ساعات.
وفي 23 آذار/ مارس 2025، صدّق الكابينت السياسي
الأمني على إقامة مؤسسة حكومية إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، أُطلق
عليها اسم "مديرية نقل سكان غزة طوعيًا إلى دول أخرى"، ما شكّل سابقة في تاريخ مخططات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين،
والتي دأبت دوما على إبقاء مثل هذه القرارات سرية.
وحدد الكابينت السياسي الأمني لمديرية تهجير
الفلسطينيين من القطاع مجموعة من المهمات، من بينها الاستعدادات اللازمة لتوفير
الممرات الآمنة لسكان القطاع لإخراجهم إلى دول أخرى، وذلك بتمهيد الطرق وتأمين
تحرّكهم فيها، وإقامة مراكز فحص للمشاة في الممرات المزمع إنشاؤها، والتنسيق
لإقامة بنية تحتية في داخل القطاع وإسرائيل تتيح عبور الطرق البرية والبحرية
والجوية إلى الدول التي سيتم تهجير الفلسطينيين إليها من غزة.
وتحدث
نتنياهو في مستهل اجتماع حكومته في 30 آذار/ مارس 2025، أن الضغط العسكري
الإسرائيلي المرافق للضغط السياسي هو الأمر الوحيد الذي يعيد الأسرى الإسرائيليين،
مشيرا إلى أن خطة الحكومة الإسرائيلية لليوم التالي للحرب هي: نزع سلاح حماس
وإبعاد قادتها إلى خارج قطاع غزة، ووضع الأمن العام في القطاع تحت سيطرة إسرائيل،
وتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـتهجير الفلسطينيين طوعيا من قطاع غزة.
وتصاعدت حرب الإبادة خلال تزامنا مع تشديد الحصار
ومنع إدخال مساعدات، وأصدرت 28 دولة بتاريخ 11 تموز/ يوليو 2025، بيانا مشتركا
يدعو إلى إنهاء الحرب في غزة على الفور، قائلة إنها وصلت إلى مستويات جديدة من حيث
معاناة المدنيين.
وتأكدت المجاعة في مدينة غزة لأول مرة بتاريخ 22 آب/
أغسطس 2025، بعد أن رفعت الهيئة الأممية المسؤولة عن مراقبة الأمن الغذائي تصنيفها
إلى المرحلة الخامسة، وهي أعلى وأسوأ مستوى، وأفاد التصنيف المرحلي المتكامل أن
أكثر من 500 ألف شخص يواجهون "الجوع والعوز والموت".
محاولة اغتيال وفد حماس المفاوض في الدوحة
شكّلت غارات الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة القطرية
الدوحة بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 2025 علامة بارزة جديدة في العام الثاني للإبادة،
والتي حاولت اغتيال وفد حركة حماس المفاوض، ويعد الهجوم الإسرائيلي الفاشل هو
الأول لتل أبيب الذي يطال إحدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وأدانت قطر الغارة الجوية ووصفتها بأنها "هجوم
إسرائيلي جبان" وانتهاك للقانون الدولي والسيادة. ونفت وزارة الخارجية القطرية على لسان متحدثها
ماجد الأنصاري ما يُتداول من تصريحات حول إبلاغ دولة قطر بالهجوم مسبقا، مؤكدة أن
الاتصال الذي ورد من أحد المسؤولين الأمريكين جاء خلال سماع دوي الانفجارات.
وأعلنت حركة حماس فشل الاحتلال الإسرائيلي في اغتيال
قادة الحركة في الوفد المفاوض، واعتبرت أن المحاولة جريمة بشعة وعدوان سافر
وانتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن
نتنياهو وحكومته لا يريدان التوصل إلى أي اتفاق للسلام.
خطة ترامب لإنهاء الحرب
قدم الرئيس الأمريكي في 29 أيلول/ سبتمبر 2025 خطة
شاملة من عشرين بندا لإنهاء الحرب الدائرة منذ عامين في قطاع غزة، وتتضمن البنود
وقف القتال، وإطلاق سراح الأسرى، وإدخال المساعدات وإعادة إعمار القطاع، إلى جانب
نزع سلاح حماس وإقامة حكم انتقالي.
وأعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو موافقته على خطة ترامب، بينما منح الأخير مهلة لحركة حماس بالموافقة على
الخطة، عقب اجتماع عقده مع عدد من الدول العربية والإسلامية في نيويورك، على هامش
اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أعلنت حركة حماس
موافقتها على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين ضمن خطة ترامب، وسارع الأخير
إلى دعوة الاحتلال الإسرائيلي لوقف القصف فورا، تمهيدا لتنفيذ المرحلة الأولى من
الخطة.
وبتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، بدأت محادثات
غير مباشرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي في مدينة شرم الشيخ المصرية، لبحث
آلية تنفيذ خطة ترامب وتهيئة الظروف الأمنية والميدانية للشروع في صفقة تبادل
أسرى، إلى جانب مناقشة بنود تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من غزة وضمانات لإنهاء
الحرب.