أعلنت
قطر، السبت، عن نجاحها في التوصل إلى اتفاق سلام بين حكومة جمهورية
الكونغو الديمقراطية وحركة "23 آذار/ مارس" المتمردة، في خطوة اعتُبرت تحولاً محوريا في مسار النزاع الدموي الذي شهدته المناطق الشرقية من البلاد لسنوات.
وجاء الإعلان عن الاتفاق في مراسم توقيع علنية ومتلفزة استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، بحضور رسمي من الطرفين، عقب جولة
مفاوضات مكثفة بدأت في آذار/مارس الماضي، وبلغت ذروتها مطلع تموز/ يوليو الجاري.
ويشمل الاتفاق وقفا لإطلاق النار وتعهدا بوقف القتال، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة، وفق ما أعلنه وزير الدولة القطري في وزارة الخارجية، محمد بن عبد العزيز الخليفي، الذي أكد أن الاتفاق يُمهّد لمرحلة جديدة من المصالحة الوطنية في الكونغو الديمقراطية.
دور قطري محوري ومبادرات دولية موازية
وأوضح الخليفي أن الجهود القطرية بدأت منذ قمة آذار/ مارس الماضي، التي جمعت في الدوحة بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي، برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، معتبراً أن ذلك اللقاء "شكّل نقطة انطلاق حقيقية نحو الحوار".
وأشار إلى أن الاتفاق لا يقتصر على إعلان المبادئ أو وقف العنف فحسب، بل يؤسس لخارطة طريق واقعية تُعالج جذور النزاع، بما في ذلك القضايا المرتبطة بالهوية والمشاركة السياسية والتنمية المحلية.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، احتضنت الدوحة اجتماعاً موسعاً شارك فيه ممثلون عن قطر، وتوغو، والولايات المتحدة، وفرنسا، والكونغو الديمقراطية، ورواندا، لبحث الأوضاع المتأزمة في شرق الكونغو، والسبل الكفيلة بتعزيز الحوار بين الحكومة وحركة "23 مارس"، حسبما أفادت وكالة الأنباء القطرية.
ويأتي الاتفاق في ظل تدهور أمني مستمر منذ بداية العام، بعد أن فرضت حركة "23 مارس" سيطرتها على عدد من المدن الاستراتيجية شرق البلاد، أبرزها غوما وبوكافو، مما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف من المدنيين، وفق تقارير أممية.
وفي تطوّر اعتُبر تمهيدا لإنجاح المحادثات، انسحبت الحركة من بلدة واليكالي الاستراتيجية في نيسان/أبريل الماضي، في بادرة حسن نية، ما فتح المجال لأول لقاء مباشر في الدوحة بين ممثلي الحكومة والحركة منذ اندلاع المواجهات الأخيرة.
وتُتهم
رواندا، من قبل حكومة الكونغو والأمم المتحدة، بدعم حركة "23 مارس" عسكريا ولوجستيا، وهو ما تنفيه كيغالي.
وتعود جذور النزاع إلى ما بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حين لجأ عشرات آلاف الهوتو المتهمين بالمشاركة في المجازر إلى الأراضي الكونغولية، ما فجر نزاعات إقليمية مستمرة حتى اليوم.
وتأسست حركة "23 مارس" (المعروفة أيضًا باسم جيش الكونغو الثوري) عام 2012، من عناصر من قبيلة التوتسي التي ينتمي إليها الرئيس الرواندي بول كاغامي، وذلك على خلفية انهيار اتفاق سلام وُقّع في 23 آذار/مارس 2009، ما يفسر تسمية الحركة.
توافق إقليمي برعاية أمريكية
وكانت العاصمة الأمريكية واشنطن قد استضافت، في نهاية حزيران/ يونيو الماضي، توقيع اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا، نصّ على وقف دعم الجماعات المسلحة، وإنشاء هيئة تنسيق أمني مشتركة، برعاية الولايات المتحدة وبمشاركة قطرية.
وشدد الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، ورفض خطاب الكراهية، والتعاون في مراقبة تنفيذ التعهدات، في خطوة اعتُبرت اختبارا لمدى جدية الأطراف في إغلاق صفحة طويلة من العنف والانقسامات.
ويعزز هذا الاتفاق من مكانة قطر كوسيط إقليمي ودولي في حل النزاعات المسلحة، بعد أدوار بارزة لعبتها في ملفات السودان وأفغانستان وفلسطين، لتضيف النزاع في الكونغو الديمقراطية إلى سجل وساطاتها النشطة.
وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن الوساطة القطرية استفادت من التغيّرات في موازين القوى الإقليمية، ومن الضغط الدولي المتزايد على الأطراف المتورطة في تأجيج الصراع، لإنتاج حل تفاوضي يُرضي الحد الأدنى من تطلعات مختلف المكونات.