نشرت مجلة "
نيو ستيتسمان" البريطانية، مقالا، للقاضي السابق في المحكمة العليا بلندن والمؤرخ وعضو مجلس اللوردات البريطاني، جوناثان سامبشن، قال فيه إنّ: "عملية "عربات جدعون"، أحدث هجوم إسرائيلي على غزة، بدأت ليلة 16 أيار/ مايو 2025. أحيانا تحمل أسماء العمليات العسكرية رسالة".
وأضاف سامبشن، في المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "جدعون هو المحرر التوراتي لإسرائيل من مضطهديها، الذي قاد قوة صغيرة قوامها 300 رجل لهزيمة جيش مَدين الجبّار. تُعبّر "عربات جدعون" عن الرواية التقليدية القائلة بأن إسرائيل هي الطرف الأضعف الذي يُقاتل من أجل البقاء".
وعلق قائلا إنّ: "ذلك خرافة، فإسرائيل أمنها مضمون ضمنيا من قِبل الولايات المتحدة، التي تُساهم بأكثر من 3 مليارات دولار سنويا في دفاعها. بالمقارنة، كانت غزة من أفقر مناطق العالم حتى قبل الدمار الذي حل بها مؤخرا.. وهي شبه عاجزة عن الدفاع عن نفسها في وجه الدبابات والطائرات. إسرائيل في وضع يسمح لها بفعل ما تشاء بغزة، وهي تقوم بذلك".
وأشار إلى أنّه: "حدث ذلك بسبب الطريقة التي اختارتها إسرائيل لنشر قوتها الساحقة ضد سكان غزة المستضعفين. وتسبّب هذا بإصدار المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة جادة ونزيهة مهما قالت الحكومة الأمريكية، مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت".
"وُجّهت انتقادات شديدة لسلوك إسرائيل في غزة من قبل الأمم المتحدة، ودول مثل بريطانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا وأستراليا وكندا. وفرضت العديد من الدول حظرا كليا أو جزئيا على الأسلحة" وفقا للمقال نفسه، مؤكّدا أنّ "هناك أدلة قوية على أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب".
واسترسل: "بموجب القانون الدولي، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن الأساليب التي تستخدمها مقيدة بمعاهدة. وقد وقّعت إسرائيل على اتفاقيات جنيف لعام 1949. وتتضمن الاتفاقية الرابعة حماية واسعة للسكان المدنيين العالقين في مناطق الحرب. ويحظر هذا القانون الهجمات على المستشفيات تحت أي ظرف من الظروف، إلا إذا كانت المستشفيات نفسها تُستخدم لارتكاب أعمال حرب (المادتان 18 و19)".
وتابع: "يحظر تدمير الممتلكات الخاصة إلا إذا "استلزمت العمليات العسكرية ذلك ضرورة قصوى" (المادة 53). وبصفتها قوة احتلال فيما يتعلق بمعظم غزة، فإن إسرائيل ملزمة بضمان توفير الغذاء والإمدادات الطبية للسكان (المادة 55). ويُحظر النزوح الدائم للسكان حظرا باتا (المادة 49)".
ولفت إلى أنّ: "هذه الأحكام يكملها مجموعة كبيرة من القوانين العرفية الملزم. وقد دوّنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الإنساني الدولي، وهو الاسم العام الذي يُطلق على هذه المجموعة من القوانين، بطريقة تُعتبر عموما محايدة وذات حجية. ويجب ألا تُوجّه العمليات العسكرية ضد أهداف مدنية".
"يشمل ذلك البلدات والمدن والقرى والمناطق السكنية والمنشآت المحددة مثل المستشفيات ومرافق معالجة المياه ومحطات الطاقة وغيرها من المرافق الأساسية لبقاء السكان المدنيين. ويُحظر شن هجمات عشوائية، بما في ذلك قصف المناطق واستخدام الأسلحة التي لا يمكن السيطرة على آثارها. يُحظر التجويع بشكل صريح كأسلوب من أساليب الحرب. وتُحرّم جميع أشكال التطهير العرقي" بحسب المقال نفسه.
وبيّن أنه: "من بين جميع قواعد القانون الإنساني الدولي، تُعدّ قاعدة التناسب في الحرب أهمها. تُعبّر عنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر على النحو التالي: "يُحظر شنّ هجوم يُتوقع أن يُسبب خسائر عرضية في أرواح المدنيين، أو إصاباتهم، أو أضرارا بالأعيان المدنية، أو مزيجا من هذه الخسائر والأضرار، مما يكون مفرطا مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة".
وأوضح أنّ: "هذا يعني أن بعض العمليات العسكرية غير مقبولة، رغم أنها قد تكون ذات غرض عسكري مهم وتُحقق مزايا عسكرية حقيقية، لأن الخسائر المدنية ستكون ببساطة مرتفعة للغاية".
وقال إنّ: "الهدف المعلن للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة كان في البداية هو تدمير حماس. لكن المشكلة تكمن دائما في أنه على الرغم من إمكانية التعرف على معظم قيادة حماس وبعض منشآتها، إلا أن حماس ليست قوة مقاتلة منظمة ومنضبطة كالجيش النظامي. إنها حركة شبه عسكرية منتشرة بين السكان المدنيين كالإبر في كومة قش. لا يمكن تدميرها إلا بحرق كومة القش بأكملها".
وأورد: "مع ذلك، فإن كل قشة في الكومة هو حياة بشرية. ربما يكون تدمير حماس أمرا لا يمكن تحقيقه بأي قدر من العنف، ولكنه بالتأكيد لا يمكن تحقيقه دون تأثير غير متناسب بشكل صارخ على حياة الإنسان".
وشدد أنّ: "الحصار الشامل لغزة، الذي أعلنه نتنياهو في 2 آذار/ مارس 2025، بدأ بالتسبب بمجاعة في غضون أسبوعين. وكان يُعتقد أنه سيؤدي في النهاية إلى أشد حالات المجاعة من صنع الإنسان تطرفا منذ الحرب العالمية الثانية. وصرح وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، في نيسان/ أبريل 2025: سياسة إسرائيل واضحة: لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ومنع هذه المساعدات هو أحد أدوات الضغط الرئيسية التي تمنع حماس من استخدامها كأداة ضغط على السكان".
وعلق بأنه: "يصعب تصور بيان أوضح من هذا، يُشير إلى استخدام التجويع كسلاح حرب. في أيار/ مايو، حسّنت إسرائيل هذه السياسة بإنشاء نظام لتوزيع الغذاء من "محاور" عسكرية تُنظمها منظمتها المُدجّنة، ما يُسمى بمؤسسة غزة الإنسانية. لقد انهار هذا النظام إلى حد كبير، ولم يعد قادرا على إطعام سوى جزء من السكان".
وأبرز: "في غضون ذلك، وثّقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقتل ما يقرب من 800 فلسطيني أثناء تجمعهم في مراكز التوزيع، أملا في الحصول على الطعام. وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخرا، استنادا إلى مقابلات مع جنود، أن ذلك تم بأوامر صريحة من كبار ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي".
وقال إنه: "ليس لديه موقف أيديولوجي من هذا الصراع. بل يتعامل معه ببساطة كمحام ومؤرخ. وأنه يتساءل أحيانا عمّا سيعتبره المدافعون عن إسرائيل غير مقبول، إذا لم يكن مستوى العنف الإسرائيلي الحالي في غزة كافيا؟".
ويرد بالقول: "من المستحيل على أي شخص نزيه ألا يتأثر بحجم المعاناة الإنسانية المفروضة تعسفا، أو بمشهد جيش قوي يهاجم بوحشية شعبا منهكا أصلا. هذا ليس دفاعا عن النفس. إنه عقاب جماعي، أو بعبارة أخرى انتقام، لا يقتصر على حماس فحسب، بل على شعب بأكمله. إنها، باختصار،
جريمة حرب".
أما إن كان ذلك يشكل إبادة جماعية فهو سؤال أصعب، بحسب الكاتب. تُعرّف اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1951 (التي انضمت إليها دولة
الاحتلال الإسرائيلي) الإبادة الجماعية بأنها العمل بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليا أو جزئيا، عن طريق قتل أعضائها، أو إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم، أو فرض ظروف معيشية عمدا تهدف إلى تدميرهم جسديا كليا أو جزئيا. ولأن الإبادة الجماعية تعتمد على النية، فسيكون هناك دائما مجال للجدل حول ما إذا كانت تحدث بالفعل.
وقال إنّ: "هدف حرب جديد إلى جانب الخطة الأصلية لتدمير حماس ظهر مؤخرا. وهو ليس أقل من النزوح الجماعي لسكان غزة إلى دول ثالثة. وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتامار بن غفير، من أشد المؤيدين للتطهير العرقي. وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، هو الآخر".
وعلق على فرض بريطانيا وأربع دول أخرى عقوبات على هذين الرجلين "بصفتهما الشخصية"، قائلا إنه لا يمكن تمييزهما بسهولة عن بقية الحكومة الإسرائيلية. كلاهما زعيمان لأحزاب يمينية متطرفة صغيرة في الكنيست تنتمي إلى ائتلاف نتنياهو. لقد وضعا بقية الحكومة تحت ضغط شديد، لأن حكومة نتنياهو الائتلافية تتمتع بأغلبية ضئيلة، وبدون دعمهما ستسقط".
وقال إنّ: "من المرجح أن تعتبر المحكمة ذلك إبادة جماعية. أحد العوائق الرئيسية أمام التفكير الواضح بشأن غزة هو أن النقاش مكبّل بكذبتين خطيرتين. الأولى هي فكرة أن هذه القصة بدأت بهجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ والثانية هي أن أي هجوم على معاملة إسرائيل للفلسطينيين هو معاداة للسامية".
وأبرز: "بعد أسبوعين من الهجوم، أشار أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في مجلس الأمن إلى أن الهجوم "لم يحدث من فراغ". فقد جاء بعد 56 عاما من معاناة الفلسطينيين في غزة من "احتلال خانق... أرضهم تُهلك باستمرار بالمستوطنات، وتُبتلى بالعنف، ويُخنق اقتصادهم، ويُشرّد شعبهم، وتُهدم منازلهم".
وتابع: "المأساة أن ما تفعله إسرائيل في غزة لا يصب حتى في مصلحتها، مع أنه قد يكون في مصلحة نتنياهو الشخصية إذا ساعده ذلك على البقاء في السلطة. حماس، من بين أمور أخرى، فكرة. إنها فكرة لن تزول، وسيتعين على إسرائيل التعايش معها، لأنها لن تنعم بالسلام أبدا حتى تتعلم الاعتراف بالارتباط الطبيعي للفلسطينيين بأرضهم وتستوعبه".