قيادي ووزير ونائب في المجلس التشريعي
الفلسطيني، فقيه بالقانون، كان من أبرز المدافعين عن حقوق الأسرى، ومقاتل صلب في مواجهة جرائم الاحتلال.
لحق بقادة سبقوه في موكب الشهداء، بعدما استهدفته غارة إسرائيلية غادرة شرق مدينة
غزة.
يصفه أقرانه ومعاصروه بخفيف الظل، مبتسم دوما، عنوان لمساعدة المحتاجين، صاحب طرفة في أحلك الظروف.
نزح أكثر من 40 مرة خلال العدوان الوحشي على قطاع غزة.
عاش حياته بين أروقة المحاكم ولجان التشريع وحلقات العلم والإصلاح والدعوة.
ولد
محمد فرج الغول في عام 1957 في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وتلقى تعليمه الجامعي في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وحصل على درجة الماجستير في القانون الدولي وحقوق الإنسان من جامعة العالم الأمريكية، كما درس في معهد الدراسات الإسلامية "الباقوري" في القاهرة.
بدأ حياته في ميادين الدعوة والعمل المجتمعي، ثم أصبح أحد مؤسسي العمل الإسلامي في قطاع غزة، ورفيقا لمؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد الشيخ أحمد ياسين.
أودعته سلطت الاحتلال سجونها بداية تسعينيات القرن الماضي، ثم التحق بركب مبعدي مرج الزهور إلى جوار رفاق دربه من قيادة الحركة.
عاد الغول لأرض الوطن بعد رحلة الإبعاد التي استمرت عامين، وتعرض لاعتقال سياسي لمرات عدة تعرض خلالها للتعذيب على يد الأجهزة الأمنية في تلك المرحلة.
برز مع اندلاع الانتفاضة الثانية خطيبا وإماما في مسجد الشمالي، الذي أسسه الشيخ أحمد ياسين؛ وحمل اسمه لاحقا بعد ارتقائه عام 2004، وعرف عنه كرجل إصلاح أيضا في المنطقة، ثم كمسؤول بارز في قيادة الحركة في مدينة غزة.
رافق الغول، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية ابن منطقته وأحد أبناء أسرته التنظيمية أيضا، وكان الغول إلى جانب هنية والراحل القيادي في الحركة، محمد بارود أبو عماد واثنين آخرين من قيادة الحركة يشكلون حالة توأمة مشتركة يتنقلون بشكل دائم معا ويلتقون باستمرار.
أسس الغول مؤسسة "دار الحق والقانون لحقوق الإنسان"، وأدار مكتبا للمحاماة، للدفاع عن الأسرى، وملحقة جرائم الاحتلال في المحافل القانونية والدولية.
وفي عام 2006، انتخب عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة "التغيير والإصلاح"، ممثلا لمحافظة غزة، وحقق أكثر من 71 ألف صوت.
كما شغل رئاسة اللجنة القانونية في المجلس التشريعي، وكذلك ترأّس اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة توصيات تقرير "غولدستون" الصادر عن بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن الحرب على غزة حول عدوان عام 2009.
تولى منصب وزير الأسرى والمحررين، ثم وزير العدل في الحكومة التي شكلتها حماس برئاسة هنية، والتي قدمت استقالتها عام 2014 بموجب اتفاق مصالحة لم يكتمل مع حركة فتح.
وشارك في صياغة عدد من التشريعات، إلى جانب مشاركته في مؤتمرات وفعاليات قانونية وبرلمانية على المستويين المحلي والدولي.
كان من الداعيين لإعادة تشكيل منظمة التحرير على أسس جديدة لتضم كافة القوى والفصائل والشخصيات الوطنية، مشيرا إلى أن "منظمة التحرير ومؤسساتها ودوائرها وبنيتها الداخلية ونمط أداء قيادتها بدأت بالترهل والتراجع والتآكل منذ سنوات طويلة، ولم تعد منظمة التحرير إطارا جامعا لكل القوى الوطنية السياسية الفلسطينية".
كان رياضيا ولاعبا رئيسا لنادي الجمعية الإسلامية، وأمينها العام.
نجا من
الاغتيال أكثر من 5 مرات أثناء الحرب الحالية.
وبقي الاحتلال يترصده حتى اغتاله إثر غارة جوية شنتها طائرات الاحتلال على مدينة غزة شمالي القطاع، وذلك في إطار عدوان متواصل بدأ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدعم أمريكي، خلف أكثر من 197 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
ترك رحيله بصمة دامية على قلوب أهالي غزة الذين غصت صفحاتهم بتغريدات وكلمات الرثاء.فقد بقي الغول رجلا بسيطا في تعامله، قريبا من الناس، يدافع عن حقوقهم ويكفل الأيتام ويساعد المحتاجين.
وغرد أحد سكان قطاع غزة حول استشهاد الغول: "أحد قادة حماس الهاربين في فنادق تركيا وقطر.. وزير العدل الفلسطيني السابق وأحد قادتها الكبار محمد فرج الغول شهيدا." في إشارة واضحة إلى كذب تلك الدعايات التي تحاول تصوير القادة بعيدين عن ساحة الخطر، بينما تحفر القنابل أسماءهم في ذاكرة الناس شهداء وهم يعيشون بين أبناء شعبهم ويكابدون ما يواجهه من قتل ودمار وتشريد وتجويع.
فمن بين مئات الشهداء والجرحى برزت أسماء لافتة لقادة في العمل الحكومي الإداري والأمني في قطاع غزة والتي تأتي في سياق إسرائيلي ممنهج لإيجاد حالة من الفراغ الإداري والأمني بالقطاع، لإشاعة الفوضى، وبما يخدم رؤية ومخططات الاحتلال لما تسمه "اليوم التالي" في غزة.
واستهدفت الاغتيالات بالدرجة الأولى القيادة المسؤولة عن إدارة شؤون السكان من توزيع للمواد الغذائية والحفاظ على الأمن وإدارة ملفات العلاج وسفر المرضى بهدف إيجاد حالة من الفوضى والإرباك والفراغ الإداري والأمني حيث يستهدف الاحتلال تعطيل المؤسسات الحكومية وإضعاف قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مما قد يؤدي إلى فوضى إدارية وأمنية.
وتحاول حكومة غزة تعزيز العمل المؤسسي، وتفعيل القيادة البديلة، واتخاذ التدابير الأمنية والإدارية، لإفشال أي محاولة لاختلاق الفوضى أو تعطيل إدارة شؤون القطاع.
اغتيال محمد فرج الغول كان انتقاما من قيادي حقوقي لم يتوقف عن فضح الاحتلال وجرائمه، وأيضا لإنهاء مسيرته الخيرية والاجتماعية في رعاية الأسر التي تفقد معيلها.
سبقه كثيرون وسيلحق به كثيرون أيضا، لكن مسيرة النضال الوطني الفلسطيني لم ولن تتوقف.