كشف حادث حريق "سنترال
رمسيس"، مركز الاتصالات الرئيسي وسط العاصمة
المصرية القاهرة 7 تموز/ يوليو الجاري، عن حالة "توتر" حكومية بدت واضحة وفق مراقبين، في تصريح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة من العاصمة الصيفية بالعلمين الجديدة، وقوله إن "البعض في الخارج متفرغ لمهاجمة الدولة، ويحاول تصدير مشهد اليأس والإحباط، على أمل حدوث انهيار داخلي".
وحول ما تتعرض له حكومته من انتقادات استخدم عبارات تهديد للمنتقدين، في واقعة قد تكون الأولى من مدبولي المعروف عنه الهدوء وعدم الانفعال أو الخروج عن النص منذ توليه منصبه عام 2018، حيث قال: "توجد دولة في المنطقة لا تسمح مطلقا بإظهار أي سلبيات، ومن يفعل ذلك فيها يتعرض للمساءلة والمحاسبة"، ما قرأ فيه البعض إشارة إلى السعودية، وما تتخذه حيال المنتقدين من عقاب.
"اختراق معلوماتي"
وبالتزامن مع حديث مدبولي، أصدرت "هيئة الرقابة الإدارية" الجهاز الرقابي المقرب من رأس النظام المصري والذي يعمل فيه نجله مصطفى
السيسي، بيانا مثيرا للجدل عن محاولات اختراق من جهات أجنبية لما لدى مسؤولين مصريين كبار في الدولة وأعضاء بالمجالس النيابية من معلومات.
وأشار البيان، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى "قيام أشخاص بالتواصل مع عدد من أعضاء المجالس النيابية والمسؤولين بالدولة زاعمين انتمائهم للهيئة للحصول على بياناتهم الشخصية أو معلومات تخص جهات عملهم".
وأكدت الهيئة التي يعمل بها عدد كبير من العسكريين والضباط المتقاعدين، أن "الأرقام والحسابات المتداولة غير تابعة لها، وتهيب بالمواطنين سرعة الإبلاغ والتصدي لتلك الممارسات من خلال قنوات التواصل الرسمية".
"أجواء صاخبة"
سبقت تصريحات مدبولي، وبيان الجهاز الرقابي أجواء صاخبة وأحداث متتابعة في الشارع المصري، سبقت وتزامنت وتبعت جميعها حريق "سنترال رمسيس"، الذي يرى فيه خبراء نقطة فارقة في مسيرة النظام الحالي.
إذ تأتي مخاوف الجهاز الرقابي الأول في مصر في عهد السيسي، إثر انتشار مخاوف سياسيين ومعارضين ومختصين مصريين من أن يكون حريق السنترال، قد تبعه "سرقة بيانات حكومية هامة أو معلومات تمس عصب الدولة المصرية، وخططها، وأمنها القومي".
وهو ما دفع الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية محمود جمال، لوصف الحريق عبر موقع "إكس"، بأنه "ليس مجرد حادث عرضي، بل إنذار أمني خطير يستوجب أعلى درجات التعاطي الوطني"، داعيا لـ"إعادة هيكلة وتحديث منظومة التأمين والحماية والتوزيع لمراكز الاتصالات المركزية في مصر".
"تغييرات بالمشهد الإعلامي"
تبع جميع تلك الأحداث خروج بعض الإعلاميين والصحفيين والشخصيات المعروفة عن صف تأييد ودعم نظام السيسي، وتوجيه انتقادات لاذعة لسياساته وبينهم الإعلامي إبراهيم عيسى، والصحفي عصام كامل، وغيرهما.
ووجه عيسى، في نفس يوم حريق "سنترال رمسيس"، انتقادات لاذعة لنظام السيسي، خلص فيها للقول إن "الشعب أكثر حرصا على استقرار البلد والنظام السياسي نفسه والدولة، بينما الدولة تبدو حريصة جدا على غياب الاستقرار".
وتحت عنوان: "بالأسماء.. المتآمرون على مصر"، رصد رئيس تحرير موقع "فيتو" المحلي، المؤيد للسيسي، الكثير من أخطاء النظام، مؤكدا أن المتآمر على مصر هو من أغرقها بالديون، وخنق الحياة السياسية، وأوصل المواطن إلى دائرة الموت البطيء، في إشارة إلى سياسات حكومات السيسي، التي طالما ينتقدها معارضون.
وذلك إلى جانب خروج الإعلامية لميس الحديد، من المشهد الإعلامي ومغادرتها فضائية "أون"، بقرار من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الأربعاء، إثر توجيهها تساؤلات لرأس النظام حول حريق "سنترال رمسيس".
وهو القرار الذي تبعه الخميس، توقف مؤقت لبرنامج زوجها الإعلامي المصري صاحب الجنسية السعودية عمرو أديب، عبر شاشة "إم بي سي مصر"، وبدء إجازة سنوية تنتهي في أيلول/ سبتمبر المقبل، تاركا خلفه الكثير من التكهنات.
"يعبر عن مخاوفه ويخيف الشعب"
وفي تقديرها للأحداث الجارية في مصر، وقراءتها لحديث مدبولي واستعماله لغة التهديد لأول مرة، وبيان هيئة الرقابة وما يكشفان عنه من حالة توتر غير مسبوقة، تحدثت رئيس "المجلس الثوري المصري" الدكتورة مها عزام، لـ"عربي21".
السياسية المصرية، قالت إن "تعليقات مدبولي نابعة من فشل النظام سياسيا واقتصاديا، وحتى من ناحية توفير بنية تحتية أساسية داخل مصر لتأمين حياة المصريين العاديين سواء من توفير طرق آمنة إلى مستشفيات فعالة وحتى التعليم".
وردا على تهديدات مدبولي بمحاسبة المنتقدين كدول أخرى، مضت تؤكد أن "أي معارضة وطنية واجبها أن تنتقد وتعمل على التغيير الذي يصب في مصلحة الشعب"، موضحة أنه "في الحالة المصرية نعلم أنه ليس هناك أي مجال لأي معارضة حقيقية داخل مصر في ظل النظام العسكري".
وأشارت إلى صعوبة المعارضة من داخل البلاد، مبينة أن "هذا النظام يقمع كل صوت حر مهما كانت أيديولوجيته أو توجهه السياسي".
وتعتقد السياسية المصرية، أن "تعليقات مدبولي معبرة عن خوفه، ومحاولة لتخويف المصريين الوطنيين، وتشير إلى أن معارضتنا في الخارج واجب وطني ومؤثرة".
وأكدت في نهاية حديثها، أن "أي مصري وطني لا يريد انهيار مصر؛ لكن الخطر الأكبر الآن على مصر كدولة، ومجتمع، هو من النظام الديكتاتوري القائم، ولذلك من أجل إنقاذ الوطن من الانهيار، وعلينا أن نعمل لإطاحة هذا النظام".
"مرحلة صعبة ومزيد من القمع"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري محيي عيسى: "مصر، تمر الآن بأصعب مرحلة حيث تفاقمت الأزمات الداخلية والخارجية وهي أجواء، تفوق ما حدث قبل ثورة 25 يناير 2011، حيث وضع اقتصادي متردي، وتوقف الدعم الخليجي، والتأثر بحرب غزة وأوكرانيا، وانسداد في المسار السياسي تمثل في انتخابات بلا منافسة بمجلس الشيوخ وتجريف الحياة الحزبية".
القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس شورى الإخوان، أضاف لـ"عربي21": "كل ذلك يأتي مع الأزمات الخارجية التي لا تقل خطورة؛ حيث توترات على الحدود الجنوبية في حرب أهلية بالسودان، وأزمة سد النهضة، وقلق في الحدود الشرقية مع إسرائيل، والغربية في ليبيا".
وختم عضو مجلس الشعب المصري سابقا، بأن "تهديد مدبولى يشير إلى أن النظام قد يلجأ لمزيد من القمع، وتكميم الأفواه ظنا منه أن هذا السبيل الوحيد لبقائه واستقراره".