مقابلات

أوكسفام لـ"عربي21": غزة تنام على الجوع وتستيقظ على الخوف بلا ماء ولا مأوى (فيديو)

وسيم مشتهى أكد أن قطاع غزة سيحتاج إلى سنوات طويلة من أجل إعادة إعماره في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب- عربي21
قال مدير البرامج الإنسانية في منظمة أوكسفام الدولية، وسيم مشتهى، إن سكان قطاع غزة "ينامون على الجوع ويستيقظون على الخوف، بلا ماء ولا مأوى"، مؤكدا أن "الوضع الإنساني في قطاع غزة اليوم صعب للغاية، ولا توجد كلمة مُعبّرة تصف حجم المعاناة الإنسانية اليومية التي يعيشها السكان، وهذه هي أسوأ مرحلة تمرّ على غزة منذ بداية الحرب".

وأوضح مشتهى أن "الوضع الغذائي الحالي في قطاع غزة لم يسبق أن مر به السكان منذ بداية الحرب"، مشيرا إلى أن الوضع في غاية الصعوبة على المواطنين، حيث يعتمدون فقط على الغذاء المتوفر من بعض المطابخ المجتمعية، والتي لا تغطي الاحتياجات الرئيسية".

ولفت مشتهى، في مقابلة مصوّرة مع "عربي21"، إلى أن "أسعار المواد الغذائية المتوفرة باهظة للغاية؛ فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر كيلو الطحين الواحد ما يزيد عن 10 دولارات أمريكية".

وذكر أن "معدلات سوء التغذية قد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها، في ظل غياب وصول آمن للغذاء أو المياه، وانهيار تام للخدمات الأساسية في قطاع غزة نتيجة العدوان المستمر والحصار وتقييد عمل المؤسسات الإغاثية".


وأضاف مدير البرامج الإنسانية في منظمة أوكسفام الدولية، أن "هذا جزء من المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة، حيث يضطر بعضهم للذهاب إلى مراكز التوزيع، رغم ما يتعرضون له من خطر وإطلاق نار وأحيانا القتل".

وأشار إلى أن "السكان يواجهون تحديات إضافية، منها عدم وصول شاحنات المساعدات الخاصة بالمؤسسات الدولية والأمم المتحدة إلى مراكز التوزيع، وغياب أماكن توزيع منظمة، حيث يتم، للأسف، مهاجمة المساعدات أو الاستيلاء عليها من قِبل المنتظرين في نقاط معينة، مما يحول دون توزيعها بشكل منتظم وآمن على جميع السكان".

وذكر مشتهى أن موقف منظمة "أوكسفام" في رفض الآلية الحالية لتوزيع المساعدات يتماشى مع مواقف المؤسسات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة العاملة في قطاع غزة، مُشدّدا على أن "العمل ضمن هذه الآلية لا يتماشى مطلقا مع القيم الإنسانية التي تلتزم بها أوكسفام والمنظمات الدولية تحت مظلتها"، مضيفا: "نحن في أوكسفام ندعم وصولا آمنا وعادلا للمساعدات الإنسانية إلى جميع السكان في غزة".

وحول أوامر النزوح الجديدة التي يصدرها الجيش الإسرائيلي، قال مشتهى: "في محافظتي غزة والشمال، هناك حاليا حوالي مليون ومائة ألف شخص يتركزون جميعا في الجزء الغربي من مدينة غزة بسبب إخطارات الإخلاء؛ إذ أصبحت محافظة شمال غزة الآن مُخلاة بالكامل، وكذلك منطقة شرق مدينة غزة بما فيها أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون. جميع السكان يتركزون الآن في غرب مدينة غزة، والوضع ذاته ينطبق على محافظتي رفح وخانيونس، حيث يتركز سكان المحافظتين في منطقة المواصي".

دور منظمة أوكسفام

وحول دور مؤسسة أوكسفام في قطاع غزة، أوضح مشتهى: "منذ بداية الحرب، تعمل أوكسفام على تنفيذ خطة استجابة إنسانية طارئة وشاملة، تتماشى مع الواقع الميداني المعقد في قطاع غزة. ركّزنا جهودنا على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، وفي مقدمتها الغذاء، والمياه، والصرف الصحي، والحماية، ونحن نقوم بتحديث خططنا بشكل دوري حسب التغيرات السريعة في الأوضاع الأمنية والإنسانية".

واستطرد قائلا: "نحن نعمل بالشراكة مع المؤسسات المحلية والدولية لتقديم المساعدات العاجلة في أماكن النزوح ومراكز الإيواء، وندعم المجتمعات المتضررة في مواجهة التحديات المتفاقمة، كما نواصل جهود المناصرة الإنسانية على المستوى الدولي لضمان أن صوت غزة لا يغيب عن طاولات القرار".

وأوضح أن "أوكسفام ليست المؤسسة الوحيدة العاملة على الأرض، بل تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الدولية ووكالات الأمم المتحدة، لتقييم الاحتياج وإعادة برمجة الأنشطة وتوجيهها نحو أماكن تواجد النازحين والمواطنين الفلسطينيين".

وأردف: "بالتنسيق مع المؤسسات الدولية الاملة في قطاع غزة، نقوم بشكل دوري بتقييم الإحتياجات وتحديد الأنشطة الذي ممكن تنفيذها لتلبية هذا الاحتياجات بما يتماشى مع الإمكانيات المحدودة الحالية في قطاع غزة، حيث تُقيد أنشطتنا بسبب إغلاق المعابر، وننفذ أنشطة محدودة لدعم احتياجات النازحين والمواطنين".

لا غذاء ولا ماء

وفيما يتعلق بالغذاء، أوضح أنه "لا توجد حاليا أي عائلة في قطاع غزة تتناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم، أو بالكاد تستطيع الوصول إلى وجبة طعام واحدة، بسبب شح المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، وانعدام السيولة النقدية في الأسواق"، متابعا: "هناك أطفال لم يعرفوا طعم الطفولة، لم يشربوا ماءً نظيفا منذ شهور، ولم يأكلوا وجبة مشبعة منذ أسابيع".

أما بشأن المياه، فقد أشار إلى أن "معظم آبار المياه قد توقفت عن العمل بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها، إلى جانب عوامل النزوح والعمليات العسكرية في شرق مدينة خانيونس وشرق مدينة غزة، حيث تقع الآبار الرئيسية التي تغذي محافظات غزة والشمال وخان يونس".

كما لفت مدير البرامج الإنسانية في مؤسسة أوكسفام الدولية، إلى أن "الخطوط الرئيسية التي تزود قطاع غزة بالمياه تعرّضت لأضرار وتعطلت لفترات متفرقة، وتمت إعادة إصلاحها عدة مرات من قِبل مؤسسات دولية مختلفة بالتنسيق مع سلطة المياه الفلسطينية ومصلحة مياه بلديات الساحل".

وأضاف: "البديل الذي نقترحه هو تأمين وصول آمن للمساعدات إلى المواطنين، من خلال المؤسسات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، التي عملت منذ بداية الحرب وكانت قادرة على إيصال المساعدات بطريقة آمنة وفعّالة لتلبية الاحتياجات".

وأكد مشتهى أن "توجيه المساعدات عبر وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية هو الحل الأساسي والأنجع، بل الحل البديل للآلية الحالية التي تعتمدها السلطات الإسرائيلية في قطاع غزة".

وعن أسباب مطالبة أوكسفام، مع العديد من الجهات الأخرى، بإغلاق "مؤسسة غزة الإنسانية"، قال مشتهى إن "موقف أوكسفام كان متماشيا ومتوافقا مع المؤسسات الأممية والدولية، حيث تعمل المؤسسات الدولية ضمن إطار القيم الإنسانية والأخلاقية، وتعزز الوصول الآمن للمساعدات الإنسانية".

وعن إصرار واشنطن على دعم هذه المؤسسة رغم اعتراف الجيش الإسرائيلي بإيذاء مدنيين في مراكز توزيع المساعدات، قال مشتهى: "عملنا كمؤسسة إنسانية يركز على دعم المجتمعات المحلية والمتضررين من الحرب، بما يشمل جميع سكان قطاع غزة، وضمان الأمن الغذائي والدوائي وخدمات المياه والصرف الصحي".

وعن تحول عملية توزيع المساعدات في غزة إلى واجهة لعمليات أمنية مُعقّدة تستهدف التركيبة السكانية للقطاع، أضاف: "مرة أخرى، دورنا كمؤسسة دولية هو مساعدة وتلبية الاحتياجات بما يتناسب مع الصعوبات على الأرض، وضمان حياة كريمة ووصول آمن للمساعدات".

ولدى سؤاله عن وجود تحقيقات مستقلة تطالب بها أو بدأت فعلا بشأن استهداف منتظري المساعدات، أجاب مدير البرامج الإنسانية في مؤسسة أوكسفام الدولية: "لا توجد لدي معلومات دقيقة في هذا الإطار".

وفيما يتعلق بصمت بعض الأطراف الدولية إزاء سقوط مئات الشهداء أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، قال: "أوكسفام تعمل من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية. ومن موقع عملي كمدير للبرامج الإنسانية، فإن عملي ينصب فقط في إطار البرامج الإنسانية وتنفيذ المشاريع على الأرض".

استعادة زمام المبادرة

وحول المطلوب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاستعادة زمام المبادرة في تنسيق المساعدات الإنسانية في غزة، بعيدا عن الاختراقات الأمنية والسياسية، قال مشتهى: "المطلوب هو وقف دائم لإطلاق النار، وفتح المعابر، وإنعاش السوق المحلي لتلبية الاحتياجات الإنسانية. وبعد ذلك، يبدأ سكان قطاع غزة في التعافي. وقف إطلاق النار يجب أن يكون فوريا، ومن بعد ذلك يمكن ترتيب جميع الأمور والأولويات المختلفة".

وبشأن خطورة استمرار الأوضاع الراهنة في قطاع غزة لأسابيع قادمة، قال: "الخطورة تكمن في خطر المجاعة، وخطر انعدام السلم الأهلي، وفي تطور الأمور نحو تهجير أو نزوح المواطنين من أماكن سكنهم إلى مناطق محدودة في قطاع غزة لا ترتقي لأقل مستويات القيم الإنسانية والاجتماعية. الأوضاع ستتدهور بشكل أكثر سوءا".

واستطرد مدير البرامج الإنسانية في مؤسسة أوكسفام الدولية، قائلا: "كل يوم تأخير في وقف إطلاق النار هو يوم إضافي من الألم، من الفقد، من التشريد، من المجاعة. كل ساعة تمر دون إدخال المساعدات هي لحظة تضيع فيها أرواح كان يمكن إنقاذها".

وتابع: "غزة لا تطلب المستحيل، بل فقط أن تُعامل كبقعة يسكنها بشر لهم حقوق. نحن في أوكسفام، نرى ذلك في وجوه الناس، في صمتهم القاسي، وفي عيون الأطفال التي فقدت بريقها. هذا يجب أن يتوقف، ويجب أن يُحاسب من يمنع عن هؤلاء الناس حقهم في الحياة. من غير المقبول أن يستمر العالم في مشاهدة هذا المشهد الصامت، وأن تبقى الإنسانية مرهونة باعتبارات سياسية أو حسابات أمنية".

واستطرد قائلا: "إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، وفتح المعابر، وإزالة القيود المفروضة على الأرض، وتوفير التمويل اللازم، فإن سكان قطاع غزة قادرون على البدء في مرحلة التعافي، رغم التحديات الكبيرة والوقت الذي قد يتطلبه ذلك".

وفيما يتعلق بدور أوكسفام في قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، قال مشتهى: "سنظل نعمل جاهدين على تلبية الاحتياجات الإنسانية، وبالتأكيد سنركز على خطط مساعدة السكان على بدء التعافي خلال مرحلة ما بعد الحرب".

وفي ختام حديثه، أكد مشتهى أن "قطاع غزة سيحتاج إلى سنوات طويلة من أجل إعادة إعماره في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب. ومع ذلك، إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، وفتح المعابر، وإزالة القيود المفروضة على الأرض، وتوفير التمويل اللازم، فإن سكان قطاع غزة قادرون على البدء في مرحلة التعافي، رغم التحديات الكبيرة والوقت الذي قد يتطلبه ذلك".