أثار هتاف
الفنان بوب فيلان خلال مهرجان غلاستونبيري 2025 موجة جدل واسعة في
بريطانيا، حيث
شنت أوساط سياسية وإعلامية حملة انتقادات حادة ضده وضد بث حفلته على قناة بي بي
سي.
ونشرت صحيفة
"الغارديان" مقالا لإوين جونز انتقد فيه هوس بريطانيا في عام 2025 بما
يقوله الفنانون أكثر من تعبير الغضب عما يجرى من رعب وهول ما يجري في
غزة.
وكان في هذا
يشير إلى الجدل والنقد الذي وصل أعلى المستويات من رئيس الوزراء إلى المسؤولين
البارزين وبي بي سي التي بثت ما قاله ثنائي فرقة البانك بوب فيلان في مهرجان
غلاستونبيري الموسيقي الصيفي.
ويرى جونز أن
الغضب على ما قيل في المهرجان بدلا من شجب القنابل الحقيقية والموت اليومي في غزة
هو مقصود، وقال دعونا نقارن تقريرين خبريين في الأيام الأخيرة، ففي يوم السبت، هتف
الفنان الرئيسي بوبي فيلان في فرقة بوب فيلان "الموت، الموت لجيش الدفاع
الإسرائيلي" من على منصة ويست هولتس في مهرجان غلاستونبيري وانضمت إليه
الجماهير. وكانت الحفلة تبث حيا على خدمة بي بي سي على الإنترنت.
القصة
الثانية، وقد نشرت قبل يوم من حادث المهرجان، نشرتها الصحيفة الليبرالية
الإسرائيلية "هآرتس" يوم الجمعة وكشفت فيها عن الطريقة التي يقتل فيها
الجنود الإسرائيليون الفلسطينيين الذين ينتظرون أمام مراكز توزيع المساعدات
القليلة. وقد نقلت الصحيفة اعترافات الجنود والضباط الذين صدرت إليهم الأوامر
لإطلاق النار على الفلسطينيين العزل الذين وقفوا للحصول على المساعدات.
وقد قتل في
الشهر الماضي حوالي 600 فلسطينيا جائعا ومن بينهم الكثير من الأطفال بهذه الطريقة.
والمقارنة
غريبة، خمس كلمات أثارت الشجب في بريطانيا فيما لم يتحرك ساكن الكثيرين ممن سارعوا
للنقد والصراخ لمقتل 600 فلسطينيا.
وقال جونز:
"أي ي خبر يتصدر الصفحات الأولى للصحف البريطانية ويتصدر نشرات الأخبار ويثير
إشعارات مستمرة من هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي ويدفع رئيس الوزراء وحشدا لا
ينقطع من النواب إلى إدانة هذه الفظاعة؟ إنها، بالطبع، أكثر من أي شيء آخر قاله فيلان،
تلك الكلمات الخمس. ما مدى الضياع الأخلاقي لمجتمع يثير فيه هتاف ضد جيش أجنبي
مرتكب للإبادة الجماعية عاصفة سياسية وإعلامية، بينما البشر المجعون عمدا والعزل
الذين يقتلون رميا بالرصاص بأوامر من القيادة العليا للجيش الإسرائيلي لا يفعلون
ذلك؟".
وأضاف جونز:
"هناك إبادة جماعية تحدث في غزة: هذا هو إجماع خبراء الإبادة بمن فيهم
الإسرائيليين، كلمة واحدة، إبادة جماعية لا تكفي لوصف ما يحدث في غزة. الإبادة
الجماعية تعني هدم أركان الحضارة، من منازل ومدارس وزراعة وتهجير الناس قسرا من
أراضيهم، كما وتعني حرمانهم من الطعام والماء والرعاية الصحية. وتعني إبادة عائلات
بأكملها بالقصف العشوائي وتعني أيضا حرق الأطفال أحياءً واختناقهم تحت الأنقاض".
وعلق جونز
إنه لو كان علينا التركيز والتعبير عن الغضب من الكلمات "فانظروا إلى تصريحات
الإبادة الجماعية التي أطلقها السياسيون الإسرائيليون بفخر. وزير المالية
الإسرائيلي الذي أعلن في مايو أن "غزة ستدمر بالكامل" أو ما طالب به
وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير نهاية الأسبوع، بوقف دائم لجميع
المساعدات المقدمة إلى غزة، وهو ما يعني عمليا موت المدنيين الفلسطينيين. هذه التصريحات
مدعومة بقوة النيران وتعني وفيات فعلية".
فيما تواصل بريطانيا
تقديم مكونات أساسية للجيش الإسرائيلي، الذي ينفذ هذه التصريحات.
وهذا هو جوهر
الأمر: حملة لصرف الانتباه عن تواطؤ بريطانيا في جريمة القرن.
ويتم تصوير
من يسهلون الإبادة الجماعية على أنهم معتدلون أخلاقيون، بينما يوصم معارضو الإبادة
الجماعية بأنهم متطرفون حاقدون وخطرون.
ولهذا السبب
فإن المواطنين البريطانيين الذين يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يخضعون للتحقيق
الجنائي بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، في حين بدأت الحكومة عملية حظر منظمة
"فلسطين أكشن"، الأمر الذي من شأنه أن يضعها في نفس الفئة القانونية مع
تنظيم الدولة الإسلامية والنازيين الجدد العنيفين، بعد أن قام نشطاء المنظمة بإلقاء
الطلاء على طائرات عسكرية.
وأعلنت شرطة
أفون وسمرست عن تحقيق جنائي في عروض بوب فيلان وفرقة نيكاب في مهرجان غلاستونبري "أهلا بكم في بريطانيا عام 2025، حيث
يجر الموسيقيون الغاضبون من الإبادة الجماعية إلى نظام العدالة، بينما يفلت
السياسيون الذين يسهلون الإبادة الجماعية من العقاب".
في غضون ذلك،
قدمت الوزيرة ليزا ناندي بيانا غاضبا أمام مجلس العموم بشأن بوب فيلان وقرار بي بي
سي بث عرضهم مباشرة، والذي اعتبر استغلالا لوقت البرلمان بدلا من استغلاله لإنقاذ
شعب غزة مما وصفه رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنه "أسوأ أي جحيم على
الأرض".
وقال جونز إن
بي بي سي ومهرجان غلاستونبيري أصدرا بيانات اعتبرا فيها هتافات فيلان بأنها معادية
للسامية. ويبدو الأمر، كما يقول، إساءة لليهود بشكل عام من خلال الخلط بينه وبين
جيش دفعت أفعاله المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو
ووزير دفاعه السابق بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأصدر بوبي
فيلان للتو بيانا أوضح فيه معارضته "لقتل اليهود أو العرب أو أي عرق أو
مجموعة أخرى من الناس". وبدلا من ذلك، أوضح أن "الموت لجيش الدفاع
الإسرائيلي" يعني "تفكيك آلة عسكرية عنيفة". آمين: يجب تفكيك جيش
الدفاع الإسرائيلي. إن الجيش الذي يرتكب إبادة جماعية فقد حقه في الوجود، يجب
استبداله بقوة قادرة على حماية أمن جميع من يعيشون بين النهر والبحر، بغض النظر عن
عرقهم أو دينهم، وهو ما يعني على الأرجح قوة حفظ سلام دولية.
وأضاف جونز أنه
لا يريد موت الناس، فالحرب في غزة قادت لمقتل عشرات الألاف من الفلسطينيين وكذا
مئات الجنود الإسرائيليين. واسألوا من انضموا إلى هتاف فيلان إن كانوا يؤيدون
إرسال الجيش الإسرائيلي إلى غزة، وستسمعون إجماعا على رفضه. لو أُنصت إليهم،
ومنعوا الإبادة الجماعية، لكان هؤلاء الجنود الإسرائيليون لا يزالون على قيد
الحياة.
لقد شاهد
ملايين الناس البث المباشر للبذاءات في غزة، حيث توقعوا من ساساتهم مشاركتهم في
الغضب، لكنهم بدلا من ذلك يلاحظون أن هؤلاء الساسة يواصلون تسليح الجناة.
وفي الوقت
الذي توقعوا فيه من وسائل إعلامهم محاسبة السلطة، في الداخل والخارج، وجدوه بدلا من
ذلك يتستر على الأهوال. وما عزز الهتاف هو الاشمئزاز من الجرائم ضد الإنسانية
والإحباط من السياسيين.
يمكنك قلب
العالم رأسا على عقب، ولكن ليس للأبد، فهذه الجريمة شنيعة جدا وموثقة جيدا ولا
تستحق التبرير ولن تفلت من العقاب. وسيأتي يوم الحساب، وسيحاسب من سهلوا إبادة غزة
على ما قالوا وفعلوا وليس الذين وقفوا ضدها.