كتاب عربي 21

تحمّل الألم مع قوّة الأمل

استطاعت حماس بهذه الدقة، بإدارة التفاوض، أن تعزل موقف ويتكوف ونتنياهو، وتُبقي ترامب في حالتيّ الحرج والفشل.. الأناضول
كان ستيف ويتكوف، قد انتهى إلى مشروع اتفاق شبه متوازن، مع انحياز أقل لموقف نتنياهو المعتدي، ومرتكب جرائم الإبادة. وقد وافقت عليه حماس، لما يتضمنه من تلبية جزء هام من شروطها. والأهم، وقف العدوان والمجزرة، تمهيداً لانسحاب كامل للجيش الصهيوني من غزة، ووقفاً للحرب لمدى طويل.

ولكن ويتكوف، وقبل أن يضغط ترامب على نتنياهو، ضغطاً كافياً ليخضع لشروط الاتفاق، عاد بمشروع اتفاق آخر تبنى جانباً خطراً، يسمح لنتنياهو العودة للحرب والمجزرة، بمجرد تسلّم المجموعة الأولى من الأسرى الأحياء، وأجداث الأموات. الأمر الذي حتمّ أن ترفضه حماس، كما توقع ويتكوف، ليحمّلها المسؤولية عن استمرار الحرب، وما يجري من إبادة إنسانية. ولكن حماس تجنبّت الرفض الصراح. وفتحت باباً لمفاوضات تسمح بالاتفاق حولها.

استطاعت حماس بهذه الدقة، بإدارة التفاوض، أن تعزل موقف ويتكوف ونتنياهو، وتُبقي ترامب في حالتيّ الحرج والفشل، في عدم نجاحه بوقف إطلاق النار في غزة. وذلك إلى جانب الفشل الذي لاحقه، ويلاحقه في إنهاء الحرب في أوكرانيا. 

ثمة مشكلة لدى كثيرين، حتى من مؤيّدي المقاومة، في تقويم الوضع وموازين القوى، تقويماً لا يلحظ، ميل ميزان القوى في غزة، في مصلحة المقاومة.

صحيح أن الحملة ضدّ نتنياهو، وحتى الكيان الصهيوني، من جانب الحكومات الغربية، وبعض الرؤساء، يمكن السيطرة عليها لاحقاً، بالرغم من أهميتها الراهنة، إلاّ أن أثرها على الرأي العام الغربي، سيكون الأبقى مستقبلاً.
وتنشأ هذه المشكلة من استمرار مشاهد ما يجري من جرائم، ومذابح، وبمواصلة تدمير ما تبقى من عمار. الأمر الذي يطغى على ما عداه، ليصبح المعيار، هو ما يجري من مشاهد تجرح القلوب، وتذهب بالعقول، من هولها ومن بشاعتها. ولكن هذه المشكلة التي لها ما يبرّرها من ألم، بمرأى الدماء والأشلاء، وسماع صرخات العذاب، يجب أن يتمّ تجاوزها، برؤية جوانب أخرى أساسية في الوضع، تؤكد أن هذا الذي يقترفه نتنياهو، وغطّاه ويتكوف، لا بدّ من أن يُهزم، وأن تتوقف الحرب بفشلٍ منكرٍ لنتنياهو، وتراجع ترامب.

1 ـ يجب أن ترى الجوانب المتعلقة بالوضع الداخلي في الكيان الصهيوني، من ناحية عدم الإجماع على سياسة نتنياهو، وعدم الثقة بأن الحرب التي يشنّها الجيش ضدّ المقاومة والشعب، في طريقها إلى النجاح، بل راحت تُدمّر بسمعة الكيان الصهيوني، وتفقد الثقة بقوّة الجيش والمستقبل. ثم ملاحظة تنامي الانقسام الداخلي والمعارضة، ضدّ نتنياهو، يوماً بعد يوم. فالعوامل التي لم تستطع حتى الآن، ليّ ذراع نتنياهو، لا يعني أن تزايدها المتواصل، لن يصل إلى النقطة التي تفرض عليه التراجع، أو القبول بالفشل.

2 ـ ويجب أن تتتابع، ما يتعاظم من تظاهرات، ضدّ نتنياهو والحرب والإبادة، على مستوى الرأي العام الغربي، ليس على مستوى الحراكات الشبابية فحسب، وإنما أيضاً على مستوى الرأي العام، والإنسان العادي. كما بروز انقسامات في صفوف مؤيدّي الكيان الصهيوني. وقد بدأت تظهر حالات ضدّ حَمَلَة "الجواز الإسرائيلي"، مما يوجب، على من يهمهم الأمر، اعتبارها اتجاهات شعبية، لا يُحمد عقباها، بمحوها كل ما أريدَ أن تتركه المحرقة، من تعاطف غربي، على ضحاياها وورثتهم.

إن من يتابع العمليات العسكرية للمقاومة، خلال الأسبوع الفائت، يتأكد بأن يد المقاومة ما زالت الأعلى، وبأن الجيش الصهيوني، لن يحقق إنزال هزيمة بالمقاومة. بل عليه أن ينتظر العكس.
صحيح أن الحملة ضدّ نتنياهو، وحتى الكيان الصهيوني، من جانب الحكومات الغربية، وبعض الرؤساء، يمكن السيطرة عليها لاحقاً، بالرغم من أهميتها الراهنة، إلاّ أن أثرها على الرأي العام الغربي، سيكون الأبقى مستقبلاً.

3 ـ إن من يتابع العمليات العسكرية للمقاومة، خلال الأسبوع الفائت، يتأكد بأن يد المقاومة ما زالت الأعلى، وبأن الجيش الصهيوني، لن يحقق إنزال هزيمة بالمقاومة. بل عليه أن ينتظر العكس.

من هنا ما ينبغي للألم أن يُعمي عن رؤية الأمل، مهما كان شديداً، ومهما كنا متألمين.

أما ترامب، فما زال أمامه الاختيار، لتجنّب الفشل في وقف الحرب. وهو تقدير ممكن الحصول في حالة الاضطراب.