مقالات مختارة

أمران أحلاهما مرّ

جيتي
تتجه الأنظار عالميا نحو الوضع المأساوي في غزة، ومقترح ويتكوف الجديد القديم لوقف إطلاق النار، الذي قد يكون آخر مبادرة في سلسلة التغييرات على المقترح القديم المحافظ على الضغط العسكري الإجرامي في حق سكان غزة بأكملهم ضمن خطة “الجحيم” الأمريكية الصهيونية، قصد انتزاع آخر ورقتي ضغط لدى المقاومة: السلاح والأسرى.

واضحٌ أن الكيان مع الأمريكان، قد أوصلوا إلى خلق حياة جحيم يندى لها جبين الإنسانية والعالم المتشدق بالحقوق والحريات: عالم مزدوج المعايير، عالم الرأسمالية الاستعمارية العالمية منذ النشأة وإلى الآن.

هذا الوضع بات لا يطاق إنسانيا، وأي مبادرة قد تقبلها حماس على مضض، لن تكون هيّنة، وسيكون موقفها على الأرجح وقبل أن تعلن عن قبولها المقترح الأمريكي الصهيوني، الذي سارع نتنياهو إلى قبوله قبل إعلان حماس موقفها، موقف من يختار بين الردى والفرار، على رأي أبي فراس الحمداني: “أمران، أحلاهما مرّ”.

لهذا جاء رد حماس غير حاسم وغير جازم، رغم ما سُرِّب من معلومات تفيد بقبول حماس بمقترح ويتكوف، لم تكن في النهاية سوى ردود فعل بشأن أكثر من مقترح متغير وورقة تتغير وتتحيَّن كل لحظة. غير أن ما نُشر من بنود للمقترح الأخير الذي وافق عليه رئيس وزراء الكيان، وتسلمته حماس لتدرسه، يفيد بأن حماس، إما أن تغيّر بعض العبارات والبنود، لاسيما تلك التي تضمن عدم العودة للعدوان بعد الـ60 يوما، حتى لا يتكرر ما حصل بعد نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق السابق، مادام أن المقترح لا يفي بذلك صراحة إلا من باب التلميح لا التصريح والتلاعب بالمفردات وسيميولوجيا الألفاظ التي تحتمل أكثر من تأويل وفهم، أو تضطر إلى قبوله بحسن نية حتى ولو لُدغ المرء من الجحر أكثر من مرة.

ليس لدى حماس اليوم ترف الاختيار إزاء خذلان المحيط العربي والإسلامي وتنصّل العالم من أي ضغط على الكيان، إلا بما لا يضرُّ ولا ينفع.

وليس بمستبعد أن تدرس حماس المقترح وتقبل بضغوط الوسطاء وبحسن النيات وتذهب باتجاه قبول الاتفاق على أمل أن تكون الأيام الـ60 قابلة لإيجاد مخرج للأزمة الإنسانية والمأساة التي يعاني منها سكان غزة المدمَّرة.

فترة قد تتبلور فيها أفكار بين الوسطاء حول مستقبل حماس وسلاحها، وإدارة غزة الإدارية، وتوزيع المساعدات، قبل الحديث عن إعادة الإعمار، الذي لن يكون إلا ضمن الخطة العربية بعد فشل كل المخططات إلى حد الآن، لاسيما فكرة تهجير سكان غزة.

كما تتّجه الأنظار عالميا، إلى مركز إعصار آخر لا يقل تعقيدا، وهو الوضع في أوكرانيا، في انتظار الجولة الثانية يوم 2 جوان في إسطنبول. لقاء ثان، هو الثالث من نوعه بتركيا، قد يسمح بتقدم في المفاوضات، لكن ليس بالوتيرة التي يريدها البيت الأبيض ولا أوكرانيا. روسيا، تصرُّ على تحقيق أهدافها المعلنة، ومنها تلك الأخيرة التي أعلنها بوتين قبل أيام والمتمثلة في تحرير مزيد من الأراضي التي تطالب روسيا باستعادتها، ولكن أيضا بضمان أمن هذه الأراضي المسترجَعة باستحداث منطقة عازلة في العمق الأوكراني.

هذا يعني أن روسيا تريد الحصول على مزيد من التنازلات عن طريق الحرب أو عبر المفاوضات، تقضي بانسحاب القوات الأوكرانية داخل العمق الأوكراني بنحو 25 كلم أو أكثر، مما يعني تسليم خركيف في الشمال وزباروجيا في الجنوب، ولن يبقى إلا ميناء أوديسا للأوكرانيين، إن جرى التوصّل إلى اتفاق، وإلا فقد تضطر القوات الروسية إلى خوض غمار حرب مدمِّرة أخرى لغلق آخر منفذ بحري لأوكرانيا، ولن يكون ذلك سهلا على أي حال.

الشروق الجزائرية