في سابقة قانونية لافتة، قضت محكمة التجارة الدولية الأمريكية بأن الرئيس دونالد
ترامب قد تجاوز صلاحياته التنفيذية باستخدام قانون "الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية" (IEEPA) لفرض رسوم جمركية موسعة على عدد من الدول.
وصدر الحكم عن المحكمة الفيدرالية المتمركزة في مانهاتن، مشيرة إلى أن استخدام ترامب لهذا القانون خارج عن نطاق سلطات الرئيس المحددة في حالات الطوارئ الاقتصادية، ما دفع المحكمة إلى وقف دائم لمعظم تلك الرسوم، مع منع تعديلها مستقبلًا دون مسار قانوني واضح.
كما مَنحت المحكمة مهلة 10 أيام للبيت الأبيض من أجل إتمام الإجراءات اللازمة لإلغاء هذه الرسوم، وهو ما دفع إدارة ترامب إلى التحرك السريع وتقديم استئناف رسمي، معلنةً نيتها خوض معركة قانونية دفاعًا عن السياسات الاقتصادية التي اعتمدها ترامب خلال ولايته الأولى.
إدارة ترامب تستنفر
وعقب صدور الحكم، أعلن كبير مستشاري ترامب التجاريين، بيتر نافارو، أن الإدارة الأمريكية لم تُفاجأ بقرار المحكمة، إلا أنها تستعد "لاستخدام جميع الخيارات الاستراتيجية المتاحة".
وقال نافارو للصحفيين: "خلال اليومين المقبلين، سنستمع إلى خطة الممثل التجاري للولايات المتحدة بشأن كيفية الرد، وسنرد بقوة، ونعتقد أن لدينا حجة قانونية متماسكة".
وشدد نافارو على أن أجندة ترامب الجمركية ما زالت قائمة، مؤكدًا أنها تهدف إلى حماية الصناعات الوطنية، ووقف "نزيف الثروة الأمريكية إلى الخارج"، على حد تعبيره.
ترامب يهاجم القضاء
من جهته، وصف ترامب قرار المحكمة بأنه "محاولة لتقويض صلاحيات الرئيس"، مشيرًا إلى أن الحكم يُلزم الرئاسة بالحصول على موافقة الكونغرس لفرض رسوم جمركية، وهو ما اعتبره "عرقلةً سياسية مقنّعة".
وعبر منصته "تروث سوشيال"، دعا ترامب المحكمة العليا الأمريكية إلى التدخل وإلغاء القرار، مجددًا دفاعه عن السياسات الجمركية التي قال إنها "أفادت الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير"، في إطار سعيه لتحفيز قطاع التصنيع وتقليل الاعتماد على السلع المستوردة.
أدوات قانونية بديلة
ورغم الحكم القضائي، نقل موقع "
إنفستوبيديا" ما ذكره محللون في مصرف غولدمان ساكس أن لدى الإدارة الأمريكية عدة وسائل قانونية قد تجعل من القرار القضائي خطوة مؤقتة لا أكثر.
وقال المصرف في مذكرة تحليلية: "الحكم يُشكل انتكاسة على المدى القصير، لكنه لا يُغير كثيرا في نتائج السياسات الجمركية الأمريكية على المدى المتوسط، خصوصًا إذا لجأت الإدارة إلى مواد قانونية بديلة".
وأشار التقرير إلى أن الحكم يوقف الرسوم الأساسية البالغة 10بالمئة على معظم الواردات، وكذلك الرسوم الإضافية المفروضة على الصين وكندا والمكسيك، لكنه لا يشمل الرسوم القطاعية، مثل تلك المفروضة على الصلب والألمنيوم والسيارات، والتي ما زالت سارية بموجب مواد قانونية أخرى، لا سيما المادة 232.
المواد القانونية على الطاولة: بدائل قيد الدراسة
المادة 122: السلاح الأسرع
واحدة من أبرز الخيارات البديلة المتاحة أمام إدارة ترامب هي المادة 122 من قانون التجارة لعام 1974، والتي تمنح الرئيس صلاحية فرض رسوم مؤقتة دون تحقيق مسبق.
وتُتيح هذه المادة فرض رسوم تصل إلى 15% لمدة لا تتجاوز 150 يومًا، على أن يتطلب الأمر لاحقًا موافقة الكونغرس للاستمرار.
ويُعتبر هذا الخيار من أكثر البدائل مرونة وسرعة، إذ يمكن تطبيقه فورًا كرد على الحكم القضائي. وبحسب "غولدمان ساكس"، فإن هذه الخطوة قد تُحدث أثرًا سريعا على الواردات، لكنها ستظل محدودة الأمد، ما لم يتم تحويلها لاحقًا إلى رسوم دائمة عبر قنوات تشريعية.
خصائص المادة 122:
(رسوم تصل إلى 15% - لا تتطلب تحقيقًا رسميًا - مدة التطبيق القصوى: 150 يومًا)تُستخدم في حالات "الخلل التجاري الحاد" أو الطوارئ الاقتصادية.
المادة 301: استهداف الممارسات غير العادلة
الخيار الثاني المطروح هو إطلاق تحقيقات بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، والتي تُستخدم عندما تُمارس دول أجنبية سياسات تُعتبر غير عادلة أو مخالفة للاتفاقيات التجارية الدولية.
وبموجب هذه المادة، يمكن للولايات المتحدة: ( فرض تعريفات جديدة - فرض حصص استيراد - تعليق اتفاقيات تجارية مع دول مستهدفة).
ورغم أن هذه المادة وفرت أساسًا قانونيًا للحرب التجارية مع الصين عام 2018، إلا أن آلية تطبيقها تستغرق أسابيع أو حتى أشهر، لأنها تمر بمراحل تحقيق يضطلع بها الممثل التجاري الأمريكي (USTR).
المادة 232: الأمن القومي ذريعة أخرى
تتيح المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962 للرئيس فرض رسوم لأسباب تتعلق بـ"الأمن القومي"، وتُستخدم حاليا في فرض رسوم جمركية على الصلب والألمنيوم وقطاع السيارات.
وترى بعض الدوائر أن بإمكان ترامب توسيع هذه المادة لتشمل قطاعات جديدة، بذريعة حماية البنية التحتية الوطنية أو سلاسل التوريد الحيوية.
المادة 338: صلاحية واسعة... لكنها غير مفعّلة
أما الخيار الرابع، فهو اللجوء إلى المادة 338 من قانون التجارة لعام 1930، والتي تسمح بفرض رسوم تصل إلى 50 بالمئة على واردات دول تُمارس التمييز التجاري ضد الولايات المتحدة. ورغم أن هذه المادة لم تُستخدم سابقًا، إلا أنها تُعتبر أداة قانونية قائمة.
دوامة قضائية: من مانهاتن إلى المحكمة العليا
خلال 24 ساعة فقط، صدرت أحكام قضائية متعارضة بشأن
الرسوم الجمركية، ما أدخل السياسات الاقتصادية الأمريكية في حالة ارتباك قانوني.
ففي حين ألغت محكمة التجارة الأمريكية الرسوم الجمركية المفروضة بموجب قانون "الطوارئ الاقتصادية"، بما في ذلك الرسوم الأخيرة التي فرضتها إدارة ترامب على الصين والمكسيك وكندا، إلا أن إدارة ترامب سارعت إلى الاستئناف، مهددةً بالتصعيد إلى المحكمة العليا.
وكان الحكم قد شمل أيضًا رسومًا جمركية مرتبطة بمحاولة إدارة ترامب مكافحة تهريب مخدر الفنتانيل، وهي رسوم استندت إلى قوانين الطوارئ، لكنها اعتُبرت خارج صلاحيات السلطة التنفيذية.
معركة قضائية متعددة الأطراف
جاء القرار القضائي بعد دعويين قضائيتين منفصلتين، إحداهما رفعها مركز العدالة الليبرالية نيابة عن شركة لبيع النبيذ وأربع شركات صغيرة، والأخرى قُدّمت من قبل 12 ولاية ديمقراطية، معتبرين أن رسوم ترامب تنتهك الدستور وتضر بالشركات الصغيرة والمستهلكين.
وأصدرت دائرة ضريبة التجارة الأمريكية حكمًا موحدًا في القضيتين، مؤكدةً أن القانون المستخدم لا يمنح الرئيس صلاحية فرض تعريفات جمركية شاملة.
ووصفت المتحدثة باسم ترامب، كارولين ليفيت، الحكم بأنه "تدخل صارخ في صلاحيات الرئيس"، وهاجمت هيئة القضاة الثلاثة بوصفهم "نشطاء سياسيين"، رغم أن أحدهم كان قد عُيّن من قبل ترامب نفسه خلال ولايته.
وقالت ليفيت إن قرار المحكمة يُظهر "تحيز القضاء ضد السياسات الشعبوية"، و"محاولة اغتصاب واضحة لصلاحيات الرئيس المنتخب ديمقراطيًا"، في ما بدا تصعيدًا سياسيًا في وجه السلطة القضائية.
حماية شركات متضررة
وفي تطور منفصل، أصدر قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية، رودولف كونتريراس، حكمًا لصالح شركتي ألعاب أمريكيتين، معتبرًا أنهما ستتضرران بشكل لا يمكن إصلاحه من الرسوم الجمركية، وأكد أن قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة لا يشمل بندًا متعلقًا بالرسوم الجمركية. وقضى القاضي بأمر قضائي أولي لحماية الشركتين من الأضرار المحتملة.
وحددت محكمة الاستئناف مواعيد نهائية للردود القانونية في القضية٬ 5 حزيران/يونيو المقبل للمدعين.
9 حزيران/يونيو للحكومة الأمريكية.
وينتظر مراقبون أن تُقرر المحكمة ما إذا كانت ستمنح وقفًا مؤقتًا للحكم، أو ستمهد الطريق لتدخّل المحكمة العليا، ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام جولة جديدة من الشد القضائي والسياسي حول السياسات الجمركية في الولايات المتحدة.