قضايا وآراء

المظالم الأمريكية ما بين المستوى الدولي والشخصي

"الناظر إلى واقع العالم يجد أن العدل بات مفقودا"- جيتي
العدل مبدأ إسلامي عظيم، وحفظه وإيجاده ورعايته وتحقيقه مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية. والله تعالى حين أمر بثلاثة أشياء كان العدل أولها، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى" (النحل: 90)، وحين أمر بشيئين كان العدل أحدهما، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء: 58)، وحين أمر بشيء واحد كان هو العدل، قال تعالى: "قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ" (الأعراف: 29).

والناظر إلى واقع العالم يجد أن العدل بات مفقودا، وحل محله الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي وصفه ابن خلدون في مقدمته وصفا دقيقا بقوله: الظلم مؤذن بخراب العمران.

ويبدو هذا الظلم واضحا على المستوى الدولي من خلال ما نراه في غزة من حصار خانق وموت بالجوع تارة وبالنابالم تارة أخرى، رغم أن المعابر معها مصرية، ويحيط بها ملايين من الدول العربية والإسلامية، ولكن غلت أيديهم وماتت ضمائرهم، ووصل الحال ببعض حكام هذه الدول الانتقال من باب الخذلان إلا باب التآمر.

سياسة الولايات المتحدة هي نموذج صارخ للظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهي لا تعرف سوى الكيل بمكيالين

ففي الوقت الذي يقتل فيه الصهاينة أهل غزة بالأسلحة الأمريكية الفتاكة والدعم الأمريكي غير المحدود، يأتي ترامب إلى منطقة الخليج العربي لا هدف له سوى سياسة حلْب الأموال مقابل الدفاع عن العروش، وفي الوقت نفسه لا يجد أهل غزة من القوت ما يقيم أصلابهم.

إن سياسة الولايات المتحدة هي نموذج صارخ للظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهي لا تعرف سوى الكيل بمكيالين، فكل شيء يفعله الكيان الصهيوني عندها حسن، وما يفعله أصحاب القضية العادلة في الدفاع عن أرضهم المحتلة وتحريرها إرهاب. وهي كل يوم تتغنى بحقوق الإنسان، وهي حقوق ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهي لا تعرف حقوق العدل والفضيلة.

إن السياسة الأمريكية قد تقيم الدنيا وتقعدها من أجل قطة ضالة في مكان عام، ولكن لا يحركها نزيف الدماء في غزة، ولا آهات المظلومين والثكالى والمحاصرين.

وأنا على المستوي الشخصي تعرضت لظلم بين وجرح عميق من هذا النظام الأمريكي الظالم الذي يتغنى بحقوق الإنسان، فقد أصيبت زوجتي بمرض السرطان وأرسلتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وكانت في ضيافة ابني في لوس أنجلوس، ولما قدمت للحصول على تأشيرة في القنصلية الأمريكية في إسطنبول تم رفض طلبي رغم وجود تقرير من المستشفى والطبيب المعالج بحالتها وضرورة وجودي بجوارها، فضلا عن وجود تأشيرات في جواز سفري للكثير من دول العالم، في أوروبا وغيرها، ووجود ملاءة مالية كافية. ولما اشتدت حالة مرض زوجتي تقدمت للسفارة الأمريكية في الكويت بتقارير طبية متجددة بصعوبة الحالة وأهمية أن أكون بجوارها، فجاء ردهم بالرفض، وكذلك تم الرفض الثالث في القنصلية الأمريكية في قطر.

ولم يكن الرفض بأسلوب حضاري، بل بأسلوب عدواني يحمل العجرفة والبلطجة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع غيرها من الدول. وها أنا ذا أكتب هذه الكلمات وقد لقيت زوجتي ربها مؤمنة صابرة محتسبة تشكو لله حرماني من رؤيتها ووداعها، وأنا أيضا أشكو إلى الله ذلك الحرمان، سواء حرمان مرافقتها أو حتى دفنها، الذي مكانه بلدي الأم مصر والتي لا أمان لصاحب رأي حر فيها، ولا أقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اللهم اغفر لزوجتي، وارفع درجتها في المهديين، واخلفها في عقبها في الغابرين، واغفر لنا ولها يا رب العالمين، وأفسح لها قبرها ونوّر لها فيه، واؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا.

x.com/drdawaba